تزوير الكتب

مع مواسم افتتاح معارض الكتب الدولية العربية (وعلي الأبواب -نهاية يونيو 2021- الدورة 52 من معرض القاهرة الدولي للكتاب). تنطلق تحذيرات وتهديدات بإتخاذ إجراءات حاسمة لمحاربة “ظاهرة” تمثل تهديدًا وتحديًا “ثقافيًا، ومهنيًا، واقتصاديًا” لصناعة الكتاب والنشر. وسطوًا على حقوق “الملكية الفكرية” للمؤلفين والناشرين. حيث تتسلل “الكتب المزورة/ المُقلدة/ المسروقة” إلي بعض أجنحة معارض الكتب. لكن الأدهي أن تجدها منتشرة، طوال العام، علي أرفف عدد من المكتبات، وعلي كثير من الأرصفة لدي الباعة. (تزوير الكتب)

تزوير الكتب
JRP|Next

يسعي قراصنة الكتب، ومزورو الأدب إلي عمل نُسخ (دون تصريح)، والعبث عمدًا بالأصول الأدبية والفكرية من كتب، ومؤلفات، وسير ذاتية، ووثائق، ومخطوطات الخ. وذلك بنية الغش والتربح. وبيعها، بدعوي أنها أصلية، بأقل من أسعارها الأصلية. ولقد تنامت، مؤخرًا، تلك “الجريمة المنظمة”. وكانت، من قبل، تنحصر فى تزوير الكتب الجامعية. حيث تقوم بعض المكتبات ومحال تصوير المستندات المحيطة بالجامعات بتزوير كتب الأساتذة. وبيعها بأسعار أرخص كثيرًا. لكن امتد هذا التزوير ليشمل كتبًا كثيرة، منها مؤلفات لكتاب، وروايات لأدباء، وكثير من المصنفات العربية والأجنبية. مما يسبب خسائر مالية للمؤلفين والناشرين على السواء. وقد تتراكم ديون الناشرين ويعلن بعضهم إفلاسه. فضلًا عن أن تزوير الكتب الأجنبية يهدد بالتعرض لعقوبات اقتصادية دولية. بالإضافة إلى حصول القارئ على طبعات رديئة من الكتب والمطبوعات.

ويأخذ تزوير الكتب أشكالًا منها: قيام المزور بالإستيلاء علي العمل بأكمله (من الغلاف إلي الغلاف). مع الاحتفاظ باسم المؤلف، ودار النشر، دون تغيير العمل، شكلًا أو مضمونًا. غير أنه يطبعه بجودة أقل من العمل الأصلي. فيخرج في هيئة سيئة، وأغلفة باهتة، وورق خفيف، وعدم وضوح الكلام والسطور، وغيرها من العيوب المختلفة التي تؤكد أن العمل مُزَوَّر. حتى وإن غـُلف بغلاف بلاستيكي كالذي تستعمله دور النشر. ولكي يقوم المزور بالتوقي من المساءلة القانونية يشتري عشرات النسخ الأصلية بفاتورة شراء رسمية. ومن ثم يخلط بها أعماله المزورة.

وهناك من يستولي علي أجزاء كبيرة من عمل أصلي ويضعها في كتاب آخر، بعنوان جديد وبمؤلف آخر. دون سند من حقوق الملكية الفكرية التي وضعت ضوابط مشددة للنقل من الكتب. بحيث لا يزيد النقل، مع التصرف، عن عشرين صفحة متفرقة. وذلك لتعزيز فكرة ما أو دحضها، أو نفيها ضمن عمل آخر منفصل. مع إسناد/ إحالة الصفحات أو الفقرات المنقولة لصاحبها، وإظهار رقم الطبعة، وعامها، ودار النشر في مكان مميز (المصادر/ الهوامش). ومن التزوير طباعة العمل، بكل محتواه، مع تغيير شكل الغلاف الخارجي. حيث يتم وضع اسم مؤلف/ دار نشر أخري غير الأصلية. ولا يتم الإشارة بأي شيء يدل علي سارق العمل. ‏ وهذا النوع هو الأسوأ في عمليات التزوير‏. ‏ ويضاف إلي ذلك القرصنة الواسعة للكتب، والمؤلفات، والمقالات، والأعمال علي شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). فمنذ ظهور الإنترنت ونشر الكتب بصيغة إلكترونية (بي. دي. إف – PDF) تتكبَّد دور النشر خسائر مادّية كبيرة، إلا أنه كان يُطمئن لوجود قارئ الكتاب الورقي.

هنا، وهناك (تزوير الكتب)

في شوارع “وسط البلد”، وسور الأزبكية بالقاهرة، وشارع النبي “دانيال” بالأسكندرية، يجلس بائعة يفترشون أمامهم صفوفًا من المؤلفات، تضمّ كتبًا وروايات شهيرة. منها الرواية التركية “قواعد العشق الأربعون” لأليف شافاك (يُلصق عليها 30 جنيًا وسعرها الأصلي 100 جنيهًا مصريًا)، وإلى جوارها روايات “علاء الأسواني”، وغيره من الروائيين والكتاب. وعندما تتفقد لافتة “معرض الكتب المخفضة” يـُتبين أنها مقلدة (مزورة). وهناك كمًا كبيرًا من تلك الكتب تباع داخل “سور الأزبكية” فى وضح النهار، ومنها رواية: “أولاد حارتنا” للعالمى نجيب محفوظ، و”عزازيل”، و”النبطى” ليوسف زيدان، و”فرتيجو”، و”تراب الماس” لأحمد مراد، و”تويا”، و”المرشد” لأشرف العشماوي، و”ربع جرام”، و”2 ضباط” لعصام يوسف، و”عصر العلم” لأحمد زويل، و”نقد الهزيمة” لصادق جلال العظم، ومؤلّفات عبد الله القسيمي، و”مبارك وزمانه” لمحمد حسنين هيكل، و”الأيام الأخيرة لمبارك 18 يوم” لعبد اللطيف المناوى، و”الكتاب الثانى” لأحمد العسيلى، و34 مؤلفًا لعبد الوهاب مطاوع، وغيرها.

وكان “اتحاد الناشرين المصريين” قد أعلن في مايو/أيار 2012 عن “ضبط نحو 19 ألف كتاب مزور، ومئات العناوين المزورة”. وتم ضبط أربع مطابع بالقاهرة تقوم بتزوير كتب رائجة تصدرها دور نشر مصرية وعربية. كما ضبطت أيضًا ورش تجليد كتب ومكتبات تـُعد وتوزع كتبًا مزورة.

إقرأ أيضاً:  تاريخ الفتوات في مصر القديمة - البداية و النهاية

مساحة إعلانية


جدل، وللمزورين “تبريراتهم”

يبرر المزورون أفعالهم بالقول أن: هناك دور نشر تضاعف من سعر الكتاب كلما زاد رواجه. ولا يتدخل اتحاد الناشرين لتحديد الأسعار أو ضبطها. كما أن هناك كُتّابًا يتسببون في رفع أسعار الكتب لاشتراطهم الحصول على نسب من التوزيع (مثل 20% -30% من سعر الكتاب المباع) دون مراعاة لظروف القارئ الاقتصادية. ويري مزورو الكتب (بأفعالهم) “مساعدة وإعانة للقارئ، وطريقة فعالة لنشر الوعى وخدمة للثقافة، وتثقيف غير القادرين”. ومن وجهة نظرهم: “من يريد القراءة سيقرأ بغض النظر عما كان العمل أصليًا أمّ مـُقلدًا”. لكنهم يعترفون بأنهم يهدفون لتحقيق الربح. فالكتاب المباع بخمسين جنيهًا مصريًا على سبيل المثال، تتكلف طباعته سبعة جنيهات ويباع فى الجملة بعشرة جنيهات ويصل إلى المشتري بخمسة عشر جنيهًا فقط، فيحقق البائع ربحًا معقولًا. فيما يحصل القارئ على كتاب بسعر مناسب.

إلا أن الناشرين يرون المزور على أنه “سارق غسيل، وعديم الضمير، وارتفاع الأسعار ليس مبررًا للسرقة والتزوير. فهو بذلك يلتهم جزءًا كبيرًا من ربح دار النشر، التى كلفت العمل وأخرجته”. مما يتسبب فى أضرار بالمؤسسة والعاملين فيها. وما يقع على الناشر يتجاوز الضرر المادى، إلى ضرر معنوي أيضًا. حيث إن شكل الكتاب المزور ورداءة طباعته، يسيئان إلى اسمه وسمعته. أما عن موقف القانون، فتصل عقوبة جريمة تزوير الكتاب إلى الحبس ثلاث سنوات أو غرامة تصل إلى عشرة آلاف جنيه أو مصادرة أدوات الطباعة، وهو قانون لا يرضى الناشرين. ويرون تغليظ عقوبة الغرامة إلى عشرين ألف جنيه فأكثر، وأن يصبح الحبس وجوبيًا وليس اختياريًا، بالإضافة إلى وجوب مصادرة أدوات الطباعة. وتسعي بعض دور النشر إلي إضافة بعض التفاصيل للكتاب الأصلى مثل علامة “الهولوجرام”. وهى علامة مائية يصعب تقليدها، مما يزيد من تكلفة الكتاب لدى الدار، ويزيد من صعوبة تزويره. مع نشر الوعى بين القراء وزيادة المعرفة بالفرق بين الكتاب الأصلى والمزور.

مشكلة قديمة (تزوير الكتب)

قديمًا. كان لبعض الوراقين دور في تزوير الكتب ونسبتها إلى غير مؤلفيها أو إلى مؤلف آخر مشهور. حتى تباع الكتب بأسعار مرتفعة وذلك لشهرة من نسبة إليهم تلك الكتب. فمن ذلك ما ذكره “ابن النديم“في”الفهرست” حول كتاب “الأغاني” الكبير المنسوب “لإسحاق بن إبراهيم الموصلي” بقوله: قرأت بخط أبي الحسن علي بن محمد بن عبيد بن الزبير الكوفي الأسدي، حدثني فضل بن محمد اليزيدي: قال: كنت عند اسحق بن إبراهيم الموصلي، فجاءه رجل فقال يا أبا محمد أعطني كتاب الأغاني، فقال: أيما كتاب؟ الكتاب الذي صنفته أو الكتاب الذي صنف لي؟ يعني بالذي صنفه كتاب أخبار المغنين واحدًا واحدًا، والكتاب الذي صنف له، كتاب الأغاني الكبير الذي في أيدي الناس. ومن نسبة الكتاب لغير مؤلفه نسبة كتاب “الإبل” للجاحظ. لما كتب “ابن النديم” عن الجاحظ، قال: “وقد أضيف إليه كتاب سموه كتاب الإبل، ليس من كلام الجاحظ ولا يقاربه”.

وأشار “السخاوي” في كتابه “الضوء اللامع” عند ترجمته “لمحمد بن محمد بن صلاح المجد” 864هـ بأنه تاجر في الكتب وصار ذا براعة تامة في معرفتها وخبرة زائدة بخطوط العلماء. وصار يشتري الكتب ممن لا يعرف أثمانها ثم يكتب عليها بأنها بخط فلان أي من قام بنسخ الكتاب. وذلك لرفع سعر الكتاب على المشتري، فيها تزوير ونسبة نسخ كتاب إلى غير صاحبه إذا لم يكن متأكد منه. وكذلك أشار إلى تزوير آخر عند الشخص نفسه بأنه ربما يشتري الكتاب المخروم فيوالي بين أوراقه أو كراريسه بكلام من عنده أو يكرر الكلمات أو يكون في الكتاب نقص في آخره فيكتب ما يوهم ناظر إليه تمام الكتاب. وأشار “ابن خلدون” إلى التزوير في علم التنجيم بما فعله “الدنيالي” وهو راق كان يتلاعب بالأوراق والكتب. ويوهم أصحاب الجاه وعظماء الدولة بأشياء ستحدث لهم وإن ذلك مذكور عنده في كتاب يزعم قدمه.

أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري

 

إقرأ أيضاً:  كيفية كتابة مقالة مميزة - البنية اللازمة وأهم النصائح لجذب القارئ!


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

صورة ومرآة

الأربعاء يونيو 30 , 2021
تمت قراءته: 1٬785 انعكاسات قبل خروج أي منا من منزله، آخر ما يقوم به هو إطلالة على المرآة، التي تعكس صورته ومدى جمالية مظهره الخارجي بما في ذلك تسريحة شعره وأناقة لباسه وتناسق ألوانها. وأحيانًا حتى إن لم نخرج من منازلنا فإننا نحب النظر إلى المرآة، لأن المنزل يعتبر بيئة […]
صورة ومرآة

تعليق واحد على “تزوير الكتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة