وفى مسار الحياة نواجه من حكايا الطريق مختلف الآلام والضحكات نستكملها اليوم فى حكي مزيد من الرفقاء. حكايات طريق (الجزء الثالث والأخير)
الحكاية التاسعة: حب العمر
صوت بكائها يصل حد السماء، لم يستطع أحد إزاحة بصره عن عينيها المليئتين حزناً وقهراً فى آن واحد دون أن يجرؤ أياً منهم على الإقتراب أو السؤال أو المواساة فالجميع يخشى القاتل ذو الكمامة المدعو كورونا.
جاءتها مكالمة فمكالمة فأخرى، تبكي لأمها فى إحداها وتستشيط من ابنها غضباً فى أخرى وتستنكر ما فعلته بها الأيام مع ابن اختها، دوامة من المكالمات المتلاحقة يحثها بعضها على العودة ويعاتبها الآخر لماذا أيقظتنى أو تركتنى أنام!
وسط تقلبات المحيطين بها تليفونياً لم تستطع إلا أن يعلو صوتها دون أن تشعر متمتمة بكلمات لم يفهمها سوى تلك الجميلة التى شاء القدر أن تجاورها لتجعلها تفكر كيف فى مثل هذا السن تحمل كل هذا الحب.
كانت تتمتم ممسكة بقلادتها الذهبية (الحياة ملهاش طعم من غيرك من يوم ما سبتنى والدنيا بقت وحشة يا حبيبى).
نعم كما سمعت واقع وليست أحلام هى تنعى زوجها وحبيبها من تركها لتظلم من بعده فى الحياة.
رق قلب الفتاة ولم تشعر سوى بكلمات تواسي العاشقة فى زمن العشاق المجهولين (متزعليش يا أمى خسارة دمعتك فى الدنيا) كلمات أسكتت بكائها وحزنها للحظات لتختلس النظرة لها تارة وتهرب منها تارة أخرى لتمسح دمعها.
لحظات قليلة هدأت فيها المسكينة ناظرة لوجه الملاك الإنساني بجوارها لم يقطع صمتها سوى كلمات من الملاك (لعله خير …كله خير إن شاء الله).
لتستهل فى حكي طويل لم يمنعها عنه مرور الآخرين أو رنات الهاتف.
كنت أنام على كتفه فلا أشعر بالطريق ولا أعرف كم تبعد أسيوط عنا، أنا من اخترت الحياة بعيده عن منزل أمه وأخوته اخترت راحتى وسعادتى فى بيتى مع أولادى، كنت آمن الدنيا على فرحتى ولكنها أرادت أن ترينى كيف يكون الشقاء؟ غاب عنى حاملاً قلبى معه ليتركنى لأبناء أعماها متاع الدنيا وإخوة له نسوا الرحمة والقرابة وطمعوا فى أيتام.
( أكتر حاجة مزعلانى أمى سابتنى أنزل وأنا بابكى وعارفه إنها مش هتتصل تسأل عنى وأنا مسافرة لوحدي)
نظرت لها الفتاة مبتسمة ابتسامة صافية ولكنها تحمل بداخلها إعجاب شديد وتساؤل خفى هل مازلتِ فى هذا السن أكثر ما يحزنك هو اتصال أمك أيتها النبيلة فى عصر ضاع فيه النبل.
الحكاية العاشرة: هو يعرف طريقه! – حكايات طريق (الجزء الثالث والأخير)
يسابق الخطوات المنهكة القوى وكأنه يحارب الأرض لتزحف قدميه نحو عربة فتحت سمائها تستقبل حمله الثقيل لعل ظهره يستقيم لحظات، وأخيراً يصل ليُسلم ظهره أمانته ليده لتبدأ دورها المنتظر فتقلب مابداخل تلك الأكياس ليذهب كل ما هو بلاستيكي فى ركن مميز وكل مادونه يترك فى محله فلا قيمة له الآن، ولن تستطع منع نفسك من التساؤل لماذا لا يأخذ الزجاج مكانة تشبه تلك التى للبلاستيك!
تراقبه ذهاباً وإياباً نصف ساعة فساعة فساعة ونصف وأخيراً انتهى وقرر الإنتقال لمنطقته الجديدة.. ألن يرتدى الكمامة؟ أين هى قفازاته؟ أين نظارته الواقية؟ ألم تهبه شركة النظافة التى يرتدى زيها كاب أو أى غطاء للرأس من شمس يوليو؟ تتسائل وقد استدار ليسند بظهره عربته اليدوية ذات العجلات فيده بكل ما تملك من قوة لم تستطع دفعها من الأمام، ظهره فقط يعرف الطريقة!
لا تفكر ثانية أن تجلس بالمقهى مواجهاً الشارع لتكتب عن حظر الكورونا فالناس يا صديقى تفضل الموت بالكورونا عن الموت بالحياة فلتجلس بالداخل تاركاً ظهرك لهم فهو يعرف الطريقة.
الحكاية الحادية عشرة: أثق بك – حكايات طريق (الجزء الثالث والأخير)
الشرير متصنع الطيبة: بإمكانك طلب ما تريد فلن تجد أوفى مني لك.
الطيب: ومن يمكن أن ائتمن سواك .. هل يمكنك أن تحفظ لى مالي وتشتري لي به كوباً للشاي.
الشرير متصنع الطيبة: بالطبع فكم علمي بحاجتك لمثل هذا الكوب.
الطيب: أشكرك يا خير من قابلت.
…..
الطيب: ما أخبار كوب الشاى ياخير من قابلت؟
الشرير متصنع الطيبة: ها هو يا طيب ذلك الذى ارتوي منه.
الطيب: لا.. أقصد كوبى.
الشرير متصنع الطيبة: إنه هو أشاركك إياه حتى أحفظه لك.
الطيب: كيف ذلك لم أطلب منك ذلك ولم تستأذنى فيه؟
الشرير متصنع الطيبة: ولما أفعل وأستأذنك؟ من مثلك ذلك هو الأفضل له.
الطيب: من أعطى لك الحق أن تختار الأفضل أو الأسوأ لي؟!!
الشرير متصنع الطيبة: أنت يوم أن وهبتنى ثقتك الكاملة!
….
كل تلك الحكايا وأكثر هى نبض القلوب العابرة لطرقنا صدفة أو ربما بتدبر إلهي لأقدارنا لعلنا نرى منها قطعة من مستقبلنا أو ماضينا، كل ما نحتاجه قليلاً من الملاحظة.
#ندى_الصناديقي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
ندى الصناديقي من مصر. تخرجت ندى من كلية العلوم بجامعة أسيوط، وكانت لها كتابات متنوعة منذ الصغر حتى أنها أسست نادى أدب بكليتها وساهمت فى بعض الحركات المجتمعية لتثقيف الشباب، ثم اتجهت بعد تخرجها للعمل الإعلامى، وهى تهوى القراءة والسفر.