اليد العليا خير من اليد السفلى

من أسوأ ما قد يحصل لإنسان مكرمٍ، أن تصبح رقبته مطأطأة، خانعًا تابعًا ذليلًا لغيره. ويحصل هذا عندما يلتفت هذا الأخير لملذات الدنيا من أكل وشرب ولهو ونساءً ويترك طلب الدين والعلم وتطوير نفسه. (اليد العليا خير من اليد السفلى)

اليد العليا خير من اليد السفلى
Smithsonian’s National Zoo

هذا ما يمكن أن نسقطه على حال أمتنا اليوم، فحين ابتعدنا عن تعاليم ديننا وتتبعنا غيرنا “. حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه “صرنا كالأعمى الذي يخبط خبط عشواء، فلا نحن بقينا نحن ولا صرنا كما أراد غيرنا.

تَتَبَعنا الغرب في ميوعه وانحلاله الذي استوردناه من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي في حين غفلة حتى صار أبناؤنا عبيدًا لقصات شعر غريبة تنفر منها النفس وتشمئز منها العين رغم أنها منهي عنها في ديننا “وعَنْهُ قَالَ: رَأى رَسُولُ اللَّه ﷺ صبِيًّا قَدْ حُلِقَ بعْضُ شَعْر رأسِهِ وتُرِكَ بعْضُهُ، فَنَهَاهَمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَال: احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ عَلَى شَرْطِ البُخَارِي وَمُسْلِم” حديث نبوي.

فالقزع منهي عنه بصريح الحديث. وباتت بناتنا تقلدن هذه العارضة أو تلك الفنانة أو الممثلة حتى بلغ بهن الشغف أن يحولن بعضًا من أجسادهن أو تغيير كل ملامح وجوههن بغية التشبه بقدوتهن تلك وأي قدوة. ولن نتحدث عن اللباس المقطع الذي غزا الشوارع وقبلها البيوت. فبين لباس فاضح ولباس مقطع وبين حجاب مبتدع تاه أبناؤنا وصاروا فئران تجارب قابلة لاستهلاك كل ما يأتيه دون تفكير.

لذلك فإن أمتنا مهددة في مستقبلها لأن جيلًا مثل هذا منزوع الهوية، فارغ الرأس، فاقدًا لدينه هو وسيلة سهلة للاصطياد. وسبب هذا أننا ضعاف في الدين، ضعاف في العلم وضعاف في الأخلاق فصدق الشاعر حين قال:

بالعلم والمال يبني الناس مجدهم. لم يبن مجد على جهل واقلال.

فلو لاحظنا المقولة المنسوبة للمفكر جبران خليل جبران حيث قال: ” ويلٌ لأمة تأكل مما لا تنتج، وتلبس مما لا تنسج” فتفسير بسيط لهذا يوصلنا لحالنا.

إقرأ أيضاً:  باب الفطنة واليقظة

مساحة إعلانية


– نجوع فنقوم باستيراد طعامنا من عند الغرب.

يرسل لنا الغرب ما نطلبه ولكن سيضع في جينات القمح ذاك أو ما طلبناه مرضًا معينًا لا يظهر حينها لكن سيظهر على مدى سنوات – هو يحصيها ومخطط لها – ثم عند بلوغ تلك السنوات سيظهر فينا المرض ذاك، فيكون هو المنقذ بالتأكيد، لأنه حضر الدواء المناسب في الوقت المناسب، فنشتريه لنتادوى ولكن هيهات فالعدو يبقى عدوًا. هذا الدواء سيضع فيه ما يظهر فينا عاهات وأمراض مضاعفة بعد فترة، ولن نلبث أن تظهر فينا حالات سرطان وعقم وتشوهات وغيرها. فنعود لنطلب من غريمنا سبيلًا للعلاج وتستمر الدائرة علينا. ندفع أموالًا طائلة تنمي تجارته ونبقى نحن نتخبط بين أدوية نظنها دواءً وهي السم والداء ذاته.
لذلك، صار لزامًا علينا تدارك وضع أمتنا بتشخيص دقيق للسقم الذي أوهننا والمبادرة بالعلاج، ولعل من بين الأسباب التي أراها فاقمت مرضنا:

  • أولًا، عدم الاهتمام بتكوين الناشئة تكوينًا حقيقيًا، وهذا ما نلمسه جليًا في البرامج التعليمية لمعظم الدول العربية، فالتلميذ أصبح صائد نقاط لا طالب علم. يكمل مراحل دراسته الواحدة تلو الأخرى وهو عاجز عن كتابة فقرة يعبر فيها عن نفسه، وغير قادر على قراءة نشرة دواء أو غذاء. طالب يكمل دراسته وهو كاره لثقافته ولمجتمعه، جاهلًا بتعاليم دينه لأن المدارس التى ربت سابقًا أُفرغت من مضمونها فصارت تهتم بالكم على حساب الكيف فحادت عن الهدف الأساسي المنوط بها.
  • ثانيًا، ضعف إرادة الحكام في الاستقلال والاعتماد على النفس. فرغم الموارد الطبيعية والبشرية التى حبى الله جل البلدان العربية إلا أن استغلالها لها فقير جدًا، وهذا لغياب إرادة حقيقية في النهوض بالبلد.لذلك نحتاج حكامًا ذووا خلفية إسلامية معتدلة، ولهم ثقافة واسعة وخبرة وشخصية فذة وعقل راجح من أجل النهوض بالاقتصاد والعلوم في بلداننا.
  • ثالثًا، عدم استغلال الطاقات العلمية الشبابية بشكل أمثل. فبلداننا العربية ورغم ضعف التكوين في الكثير من البلدان إلا أن للشباب قدرات علمية وفكرية تضاهي غيره ممن وفرت لهم الوسائل. فمنح الفرص لهذه الطاقات قد يوفر علينا الكثير من المال والجهد.فنجد من يصنع الطائرات ومن ينتج شتى أنواع المحاصيل وبجودة رفيعة ونجد من ينشيء مصانع تلبي احتياجاتنا الضرورة وحتى الكمالية وهلم جرًا

مهما تعددت الأسباب فيمكن أن أجملها في شيء واحد، اعتزازنا بأنفسنا وتطوير ذواتنا معتمدين ومستندين في كل هذا على هويتنا العربية الإسلامية الصحيحة كفيلة أن تنهض بنا ونكون يدًا عليا لا يدًا سفلى.

آولف يوم: الخميس 23 جوان 2022م
محمد دباغ

(اليد العليا خير من اليد السفلى)

إقرأ أيضاً:  بدون مقدمات


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الشباب بين الطموح والجموح

الخميس أكتوبر 13 , 2022
تمت قراءته: 1٬425 إن طبيعة كل إنسان رجلا كان أو امرأة أو شاب أو فتاة هى التطلعات لما هو أفضل فى حياتهم أو دراستهم وهذا هو الطموح الذى يسعون له في تحقيق كل أحلامهم في الحياة. (الشباب بين الطموح والجموح) وتختلف نظرة كل شخص فيما يطمح إليه: فمثلا نجد البعض […]
الشباب بين الطموح والجموح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة