الموت مصير لا بد من ملاقاته مهما طال عمر كل إنسان، ونهاية حتمية لا بد منها، وكما بدأت الحياة بصرخة منا ستنتهي بصرخة علينا، وكما مشينا فوق الأرض طولًا وعرضًا سنكون تحتها، ومن ظن أنه يمتلك الدنيا فسيأتي عليه يومًا تطلقه طلاقا لا رجعة فيه، وسيجد نفسه محاسبًا عن كل صغيرة وكبيرة. (حرمة الأموات والمقابر)
لكن قبل الخوض في هذه المقالة المتواضعة لا بأس أن نتحدث عن حرمة الميت وهو في منزله الأخير أي القبر، فلا يجوز للأحياء انتعال نعالهم فوق القبور إلا للضرورة ولا يجوز بناء مساكن بين القبور أو الدوس بالسيارات عليها أو نبشها إلا للضرورة كما لا يجب نقل رفات الميت إلا للضرورة أو استئصال جزء منه أو عظم من عظامه إلخ. لأن الإسلام كرم الإنسان حيًا وميتًا وحتى الأحياء يعرفون كيف يحفظون حرمة القبور ويحافظون عليها.
المفارقة – حرمة الأموات والمقابر
ولكن تخيلوا معي لو كان الأحياء يحفظون كرامة وحرمة بعضهم البعض كما يحفظون حرمة القبور والأموات، كيف سيكون الوضع بيننا، لا بد أنه سيكون في أحسن الأحوال. ولكن للأسف بعض الناس يطبقون أمور الشريعة والإسلام حسب بصفة مؤقتة فقط، فنجد أغلبيتهم لا تدوس على القبور بسياراتها ولكنها توقف السيارة في المكان المخصص لجارها في المرآب المشترك.
ونجد الأغلبية لا تنبش القبور ولكنها تنبش و”تنمنم” في أسرار بعضها البعض، لا تدخل القبور بنعالها ولكنها تدخل البيوت بنعالها دون مراعاة لحرمة البيت. إلخ، إذن أمثال هؤلاء يحترمون حرمة القبور والأموات ولا يحترمون حرمة بعضهم البعض، إذ يستبيحون فيما بينهم ما لا يستبيحونه على قبور موتاهم.
ولكن الأغرب نجد الكثير من الناس المشيعين للجنائز يقولون أن إكرام الميت دفنه، ولكن ماذا عن إكرام الحي الذي لا يجد قبر الحياة ليأويه ويستره؟ كما أن هناك من يتسابق لشراء الكفن ولوازم التكفين ابتغاء الأجر والثواب، ولكن ماذا عن بعض الأحياء الذين لا يجيدون ما يسترون به عورتهم؟
كما أن العديد من المشيعين من أصحاب السيارات المرافقة للجنازة يدعون الناس الراغبين في مرافقة الجنازة إلى الدفن لركوب سياراتهم حتى لو كانوا غرباء عنهم، ولكنهم يتركون في الأيام العادية عجوزًا تمشي في الطريق أو عابر سبيل حتى ولو وطلب منهم أن يوصلوه في طريقهم، كما أننا نرى الجيران والأهل يتضامنون مع أهل الميت بالأكل والمشرب في حين أن هناك من يتسولهم من الأحياء ولا يلوي على شيء.
مساحة إعلانية
إنسانية مؤقتة
إذًا الإنسان يكون أكثر إنسانية مع الموتى والبعض يحترم حرمة القبور أكثر ما يحترم حرمة الأحياء، ففي كل جنازة أو في المقبرة نرى ربما أشخاصًا أكثر إنسانية في تعاملاتهم، ربما لأن هذه الوقائع تذكرهم بمصيرهم النهائي، ولكن بمجرد مرور بعض الوقت تجدهم ينسون سريعًا، فمثلا بعض الفنانين ينسون في حياتهم من طرف زملائهم والمخرجين الذين أخرجوا أعمالهم الفنية، وفي كثير من الأحيان تكون وضعيته الاجتماعية والمالية صعبة، ولكنهم يكرمون بعد مماتهم، وهذه هي المفارقة الغريبة، ننسى أحبائنا وهم أحياء ولكن نكن لهم الحب والاحترام ونكرمهم وهم أموات.
بل أصبحنا نتباهى في تأثيت الجنائز، ولكل مقامه بطبيعة الحال فجنازة الفقير ليست كالغني، والشخص العادي ليس كرجل الدولة، مع العلم أنهم كلهم سواسية في النهاية، وعند صلاة الجنازة تحذف الألقاب والأسماء فيصبح يتداول مكانها جنازة رجل أو جنازة امرأة.
إذًا لو كنا نكن ما نكنه من حرمة للأموات والقبور لأحيائنا قبل موتهم لكنا أحسن بكثير ولو كنا نحترم حرمة بعضنا البعض قبل قبور الأموات لكان الأمر مختلف على ما هو عليه الآن وسلمنا من شرور بعضنا البعض وعشنا بسلام نحب بعضنا ونحترم بعضنا، مع العلم أننا جميعنا أموات وسنسكن القبور يومًا. إذًا عاملني بالحسنى وأنا حي أرزق، أما بعد موتي فلا يهم إن كرمتني أو صنت حرمتي.
مع تحيات
سعيد لقراشي
حرمة الأموات والمقابر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
تخرج سعيد لقراشي من الثالثة ثانوي بالمغرب. حاصل على دبلوم المحاسبة. كاتب سيناريو لمجموعة من الأفلام القصيرة عرضت على قنوات اليوتيوب. شارك في بعضها كممثل كما يعمل كمراسل لمجموعة من المواقع الإلكترونية.