في مقال بديع كتبه محمد مستجاب، عنونه باسم (الأسد من المملكة القديمة إلى السّجن الحديث) ذكر فيه: لقد أحكم الإنسان سطوته على حركة الأسد، وحدّ من حرّيته داخل الحدائق المسّورة، أو مسجونا في حدائق الحيوان بالمدن الكبرى، أو أسيرا في برامج التّلفزيون الّتي نرى فيها ملك الغابة، وهو يغمض عينيه، ويفتحهما دون اتقاء البعوض وتعليقات المذيع، ودون أن يبكي!
ما لدوام حالٍ أن يمكث في الأرض، فاليوم نرى للشّيطان عبّادا، ويقولون بالحرف الواحد نحن عبّاد الشّيطان (لوسيفر)! ونرى ذاك منتشرا بكثرة في أمريكا ودول أوروبا وغيرها! نرى من يحملون صدقا وحقيقة،إمّا وراء قضبان السّجون، أو تحت ذلٍ جاثم بكلّ جبروته، أو يحول الحياء دون ظهورهم، وصدحهم بالحقيقة، لأنّه خيّل للكثيرين أنّ الباطل هو على ما هو عليه من السؤدد ليس إلّا لأحقّيته ربما!
وتقلّبت المفاهيم في عصرنا،فالخطأ أصبح صحيحا،والصحيح بات خطأ، والتجهيل صار تنويرا، والتّنوير صار تجهيلا، والسّذاجة باتت حذاقة وذكاء وحصافة، والحصافة أصبحت شذوذا وغرابة وبلادة!
“الأيام دول” تلك الجملة من أصدق ما قرأت، ومن أوجز ما سمعت، ومن أبلغ ما نطقت بها لسان، ومن أحكم ما قالته الحكماء، ومن أصوف ما نطق بها (الصّوفيين) – حسب اعتقادي – لخّصت وبعُدت عن التّطويل والحشو والتّرفيل والإسهاب، الّذي يبعث الملل في أنفس الكثيرين، إن لم يكن في الأنفس جمعاء.
مساحة إعلانية
المفاهيم تتغير عند النّاس، الرّموز تتبدل، الإيحاءات والتّعابير تحرّف، ولا تستغرب إن لقيت شخصا في قادم الأيام يصف من يكرهه بالأسد؛ فالأسد اليوم لا وجود له إلّا نادرا، وصار ألعوبة في أيدي المهرّجين، ومسكن معظمها يكاد يكون في ما يسمى(سيركا)، يحرّكه في السّاسة كيفما شاءوا. والخيل صار حاله مقاربا لحال الدّيناصورات، وفي قادم الأيام لا تستغرب إن وُصفت أفكار شخص أنّها خيالية.
حتى الظّبي لا تستغرب إن صار مع الأيام رمزا للقبح! فالمعايير تكاد تنقلب مائة وثمانين درجة,وتنتقل من النّقيض إلى النّقيض، ومن العكس إلى العكس بليلة أو ضحاها!
كان العدل قديما هو العدل الّذي في ظلاله يعطى كلّ ذي حقٍّ حقه، لكنّه اليوم يسمى مساواة، وما المساواة في كلّ شيء إلّا ضرب من ضروب الظّلم؛ فهل يستوي العامل والراقد؟ وهل يستوي النّور والظّلام؟ وهل يستوي الخير والشّر،وهل يستوي رجالهما؟
وهل من العدل أن نعاقب المخطئ ومن أُخطأ في حقّه؟
وهل من العدل أن نقارن المجتهد والمثابر بالكسول والمهمل؟
كانت القوة قديما في القتال المستميت والشّجاعة في ساحات القتال، واليوم القوّة لمن أجاد الاختباء والكمن، ولاذ خلف الآلات متحصّنا ،أو خلف متاريس عملاقة، واحتمى بدروعٍ وغطاء جوّي وبحري وأرضي…
كانت علّة القدماء الأخطر، وأعظم ما قد تكون من مصائب وخطوب: الجهل سواء أكان مركبّا أو بسيطا، ولكن علّة اليوم أخطر؛ وهي العلم – ما أسميّه العلم البسيط – وهو أخذ قبس من نور، وقطف وردة من بستان، وحرف من كتاب، وصفحة من مجلد، وصورة من فيلم، وترى ذاك الآخذ نزرا يتطاول على ذاك وذاك، وينقلب إلى ناقد أشدّ سلاطة من ابن خالويه، وفي نقده الفكر أشدّ لذعة من أفلاطون وأرسطو طاليس. وتراه يصول ويجول في الميادين مشهرا سيفه من يصارعني من يصارعني؟ حتّى أنّ الخيل يكاد أحيانا أن يسقط مغشا عليه من الضّحك!
عبد الرّحمٰن محمّد الحدّاد
(محمد مستجاب)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
عبد الرّحمٰن محمّد الحدّاد من اليمن. ولد في العام 2004/5/1، في محافظة تعز اليمنية، ونشأ وترعرع في أكناف أسرة تعليمية.
تخرج من الثّانوية العامة في العام 2020/2021 ،وحصل فيها على درجات ممتازة،وكان من ضمن أوائل محافظته. له عدّة مؤلفات مازالت في طور التّأليف منها رواية،وكتاب مقالي.