خيال عن واقع نرفض مواجهته

مقدمة

فيلم لا تبحث عن، أو لا تنظر (Don’t look up)، أيا كانت الترجمة للعنوان، فهو فيلم استرعى انتباه كل من شاهده، وصدر يوم 24 ديسمبر 2021 على منصة نتفليكس (Netflix)، وهو فيلم من بين ثلاثة أفلام أكثر مشاهدة في تاريخ المنصة، التي تحتل المرتبة الأولى على مستوى المشاهدة في كثير من الدول (حسب احصائيات المنصة فهي تشاهد على مستوى أكثر من 94 دولة).

Don't look up - Don't look up
Sada El balad

الفيلم يصور الواقع العالمي الراهن بكثير من الإحباط والسخرية، حول التعاطي مع التغير المناخي، وهو فيلم ضخم وصلت ميزانية انتاجه الى 75 مليون دولار، بمشاركة فريق من الممثلين من فئة الخمسة نجوم التي تتمكن من جذب جماهير من خلال أسمائها.

الفيلم ومنذ صدوره، تصدر أعلى المشاهدات وجدالات بين من يراه عبقرية في الإنتاج والتصوير والسيناريو، وبين من يراه سيء وعبارة عن كاريكاتير لا هدف له، وفي كل الحالات لا يستطيع كل من شاهده إلا أن يتفاعل معه، ولا يترك أحد غير مبال.

وبعيدا عن السخرية الاجتماعية، يقدم الفيلم استعارة لأزمة المناخ الحالية وهذا ما يدور حوله الجدل، إذن ماذا يقول نجاح لا تبحث عن؟ ما أوجه التشابه التي يمكننا رسمها مع أزمة المناخ وما هي حدودها؟ هل يمكن أن تكون السخرية والفكاهة أكثر فاعلية في خلق الوعي؟ وهل يلتقي الواقع بالخيال؟

إقرأ أيضاً:  أشهر عشرة أبطال في تاريخ "هوليوود"

مساحة إعلانية


أحداث الفيلم – (Don’t look up)

يعتبر فيلم لا تبحث (Don’t look up)، أحدث ما أنتجت منصة نتفليكس، ويصف البعض الفيلم بأنه من أفضل ما أنتج حول أزمة المناخ والتغير المناخي، يلعب ليوناردو دي كابريو وجنيفر لورانس دور راندال ميندي وكيت ديبياسكاي ، وهما عالمان في مجال الفضاء يتمكنا من الكشف عن مذنب ضخم يتجه إلى الأرض مباشرة، فيقومان ببذل جهود مضنية لتنبيه العالم إلى الخطر الجسيم الذي ينتظر الكوكب، في ذهولهم، يواجهون اللامبالاة العامة وجشع الشركات الكبرى.

وفي أحداث الفيلم يسعى العلماء الى الوصول الى حلول لتجنب الكارثة، ولكن السياسيين وعلى رأسهم رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية يكون لها رأي آخر، فهي تفكر في إمكانية الاستفادة من المعادن الثمينة التي يحتويها ذلك المذنب، فتعارض فكرة تفتتيه في الفضاء، وقد أكد المخرج آدم مكاي بأنه استوحى فكرة الفيلم مما يحدث للأرض من تغير المناخ، وعدم اكتراث الناس للأمر.

كما يسلط الفيلم الضوء على ذلك التناقض بين ذعر العلماء الذين يدركون وجود تهديد وجودي للأرض وبين انكار السياسيين ووسائل الاعلام وقسم من المجتمع على رأسهم رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى، ويبرز الفيلم ذلك العجز الذي يشعر به علماء المناخ في الواقع جراء بطء الإجراءات لمواجهة التغير المناخي.

كما يظهر لنا الفيلم ذلك التناقض الصارخ بين العلماء وبقية المجتمع من سياسيين ورجال الأعمال، مما يولد تنسيق سيء، ينتهي في نهاية المطاف باتخاذ قرارات لا تفيد، وبالحديث عن قضية الفيلم الأساسية والمتعلقة بإجراءات لمواجهة التغير المناخي في الواقع العالمي، يبدو ان الامر متطابق مع الواقع الذي نعيشه.

في الفيلم يخلط المخرج آدم مكاي العبث، الكوميديا، بالألم الحقيقي للغاية، عندما نفكر في قدرتنا على التصرف في مواجهة تهديد خطير، والتأكيد على الحاجة إلى الوعي والإرادة والفعل، ويصور الفيلم تلك المأساة التي تظهر العلماء وقدرتهم على اظهار الأدلة، وهم يكافحون من أجل الاستماع إليهم، وتحفيز صانع القرار على اتخاذ مواقف عملية، تحيد الخطر.

في حوار له على صفحات جريدة الغارديان، وصف عالم المناخ والمؤلف بيتر كالموس الفيلم بأنه أكثر دقة حول عدم استجابة المجتمع المرعبة للانهيار المناخي، مضيفا إنه ليس مجرد فيلم عن كيفية تفاعل البشر مع مذنب قاتل لكوكبنا، بل هو فيلم عن كيفية تفاعل البشرية مع تدهور المناخ الذي يقتل كوكبنا ببطء.

إقرأ أيضاً:  صورة العرب في "هوليوود"

مساحة إعلانية


بين الواقع وخيال الفيلم

وفقًا لـبيتر كالموس (Peter Kalmus)، تنقل لنا هذه الكوميديا السوداء حقيقة مطلقة مفادها أن علماء المناخ وغيرهم ممن يتفهمون حجم تجربة الطوارئ المناخية كل يوم، وذكر كالموس: “بعد 15 عامًا من العمل، توصلت إلى استنتاج مفاده أن الجمهور بشكل عام وقادة العالم على وجه الخصوص لا يقدرون سرعة وشدة واستمرارية المناخ والتدهور البيئي، والحل هو تعبئة جماهيرية بتوعية مستمرة”.

ومجريات الفيلم توضح أنه وعلى الرغم من الأدلة التي قدمها العلماء، إلا أنهم يكافحون من أجل أن يتم سماعهم واتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي الكارثة، ويظهر ذلك التنسيق السيء الذي ينتج عنه اتخاذ قرارات لا معنى لها في مواجهة الخطر
وهذا يحاكي الواقع الذي يمكن تصويره (وهنا نتحدث عن واقع مواجهة التغير المناخي)، كسيوف مسلطة على رقابنا، وهذا ليس بسبب نقص التقارير التي تتحدث عن كوارث التغير المناخي، فتوجد الكثير من التقارير في هذا الشأن من طرف أعلى هيئتان للأمم المتحدة هما المفوضية الدولية المعنية بالتغير المناخي (Groupe d’experts intergouvernemental sur l’évolution du climat)، أو من طرف مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، والأمر سيان مع مخرجات إطار سينداي للعمل من اجل الحد من مخاطر الكوارث لسنوات 2015-2030، وبعض مضي أكثر من خمس سنوات مازالت الأمور تراح مكانها، ولا شيء تحقق.
بين التغير المناخي وكورونا فيروس خيال يثبته الواقع:

تم تصميم الفيلم ليكون تنويرا حول قضية تغير المناخ، ويمكن أن يكون هذا أيضا ينطبق على جائحة كورونا، فقد لاحظنا كيف تعامل السياسيون مع الجائحة وكيف قابل الجمهور الإجراءات المتخذة، وكيف قابل حقيقة وجود فيروس كوفيد19، فقد دخل على خط الوباء الكثير من تحليلات غير المختصين، فأضلوا الكثير من الناس.

وتأتي حملات التضليل بشأن الجائحة في أعقاب تفشي المرض، وتم إطلاق عدد مهول من نظريات المؤامرة والأخبار المزيفة وحالات التضليل، مما دفع بمنظمة الصحة العالمية الى الحديث عن وباء معلومات على غرار وباء كورونا.

وتأتي هذه المعلومات المضللة من مصادر مختلفة، وجلها من شبكات التواصل الاجتماعي، وبعضا منها من الحكومات، ولعبت وسائل الاعلام دورها في التضليل، وتحدثت عن سلاح بيولوجي روسي صيني يستهدف تدمير بقية العالم.

كما انتشرت الكثير من المعلومات الطبية الخاطئة، بما في ذلك مدى انتشار الوباء، وانتقال الفيروس عن طريق الحيوانات أو الطعام أو شبكة الجيل الخامس، واستخدام الأدوية والعلاجات مثل الكلوروكين أو التشخيصات الزائفة والعلاجات الزائفة، أو المتعلقة بنهاية الوباء.

ولعب السياسيون دورهم التقليدي في استغلال أي موقف لصالح السياسوية والتضليل، فنشرت بعض الحكومات معلومات مضللة وساهمت في انحراف الوعي الشعبي، فعوض مواجهة المرض، لاحظنا استسلام كامل له من خلال اللامبالاة وعدم الاهتمام، من طرف أفراد المجتمع، في صورة عدم التقيد بالإجراءات الصحية البسيطة والمتعارف عليها في مثل هذه الحالات.
وعلى هذا المستوى فالفيلم يحاكي واقعنا في مواجهة كورونا فيروس، بنفس الكيفية التي واجه بها في الفيلم السياسيون والاعلام ورجال الأعمال والمجتمع، فعلى مستوى الحكومات لاحظنا تأخرا بين التصريحات التي تأتي مطمئنة وبين الأفعال التي تأتي متأخرة مما يزيد من قلق الناس، واذكاء تيار الشائعات والأخبار المضللة، وهذا محبط للغاية، ويدل على أن السياسيين لا يدركون حجم ما يحيط بالشعوب من مخاطر.

الفيلم يحاكي ما هو واقع، فأحداث الفيلم كالواقع تماما، توضح تلك التعقيدات والصعوبات التي تواجه العلماء والخبراء في إيصال معلومات ومعطيات علمية للمجتمع، بحيث أن تقبلها والعمل على مقتضاها يؤدي بالضرورة الى تغيرات مفيدة في المجتمع.
عندما نتحدث عن المجتمع فنحن نتحدث عن مسؤولية وسائل الاعلام، والتي تظهر في الفيلم على أنها تحبذ الترفيه على التحدث عن نهاية العالم، وفي هذا يقول أليخاندرو دي لوكا (Alejandro Di Luca) أستاذ في قسم علوم الأرض والمناخ مونتريال كندا وهو يتحدث عن إشكالية التغير المناخي: “هناك الكثير من الظلم في هذا العالم الذي نعرفه، ولدينا الكثير من البيانات التي تظهره لنا ولا نفعل شيئًا.”

د. نجيب بصيلة

(Don’t look up)

 

إقرأ أيضاً:  الإبداع لا حدود له!


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

إحياء مجد الاتحاد السوفياتي

الثلاثاء مارس 8 , 2022
تمت قراءته: 1٬194 بدأت روسيا فجر يوم الخميس ال 24 “فيفري” (شباط) 2022 عملية عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا وُصفت كبادرة لحرب عالمية تالثة أو ربما رابعة بعد حرب الكورونا العالمية جاء هذا بعد يوم من اعتراف الرئيس الروسي “بوتين” باستقلال منطقتين إنفصاليتين في أوكرانيا: دونيتسك ولوغانسك، بشكل رسمي مُطالبا […]
حرب روسيا واوكرانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة