منهجية البحث في علوم الإعلام والاتصال بين الكم و الكيف

إن الظاهرة الإنسانية تختلف باختلاف طبيعة البشر وكونها دراسة تبحث في كنه الإنسان وعلاقته بالعالم الخارجي (العالم الطبيعي) فإنها بلا شك ستخضع للفحص والتنبؤ والاستدلال، أرق هذا الطرح ثلة من الباحثين والدارسين في مختلف الميادين حول كيفية إخضاع الإنسان للتجربة كما هو الحال في العلوم الطبيعية، ولكن ميزة عدم الثبات تحد من ذلك.
وعليه انقسم الدارسون إلى فرق عدة تأخذ تارة بالبحوث التي تعتمد على العد والقياس على أنه أساس كل بحث علمي، وفريق آخر فند الرأي السابق وقلل من شأن البحوث الكمية على غرار ذلك دارسوا المدرسة النوعية، فما هي إذًا طبيعة الاختلاف الابستيمولوجي بين البحوث الكمية والكيفية، وما هي التأثيرات المنصبة على إجراءات البحث المعتمدة لكلًا منهما؟

البحوث الكمية والكيفية
The Guardian

تتعدد البحوث في علوم الإعلام والاتصال بتعدد مناهجها وموضوعاتها، فهي في فترة ما مرتبطة بما هو عقلي فكري استقرائي، وفينة أخرى بين ما هو استدلالي عددي معتمدة بذلك على التناغم بين ذلك وذاك من أجل تحقيق نتائج تتسم بالدقة والثبات، فهي عموما ترسم الطريق لكل باحث من أجل الوصول إلى المبتغى المطلوب، فالرؤى العلمية المطبقة لأصول المنهجية تختلف وتتباين باختلاف مقاصد البحث المطلوبة، هذا ما جعل المنهجية غير صادقة في بعض البحوث وطريقة استنطاقها للنتائج غير حيادية، بذلك أجمع الباحثين الأكادميين في فرع العلوم الإنسانية والاجتماعية على اعتماد الدراسة الكمية كونها تستخدم أدوات منهجية تطبيقية تساعد الباحث في عملية جمع البيانات من الميدان.

وهو العمل الامبريقي الذي أرست عليه المدارس الامبريقية شراع بحوثها فهي تستنبط عوامل خارجية تضمن للبحث موضوعية في طرح المضامين، ومعرفة رقمية واسعة وتفسير عام حول الظاهرة محل الدراسة، لتضمن بفعل هذه الخصائص أن تصل للريادة المطلوبة منها والاستنطاق العلمي الذي يحقق المصداقية للنتائج العلمية، كما تتمثل طبيعتها الميدانية في احتواءها على عناصر الموضوعية والمعرفة والاتساع وكذا الشمول في استعمالاتها البحثية، فهي وفقًا لذلك تتكئ على الاستمارات والملاحظات المقننة والعديد من أدوات البحث التي تمنحها السهولة في إتمام البحث على أكمل وجه، فهي من ضمن الكم أي تعتمد على الأرقام والإحصائيات في تحليلاتها، كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات تستعمل في البحوث التجريبية والشبه تجريبية التي تخضع عيناتها للفحص الدقيق والشامل مرارا وتكرارا حتى يتوصل الباحث للدقة في نتائجه.

إقرأ أيضاً:  صورة ومرآة

مساحة إعلانية


من جهة أخرى حاول الوضعيون أن يعتمدوا على الاستقراء المنهجي القائم على الذاتية والتأويل في تحليل النتائج، فلم يأخذوا بفكر الكميين في اعتناقهم للأدوات المباشرة في الوصول للنتائج العلمية، فاعتمدوا على تحليل المضامين وتفسير الخطابات والدراسات النقدية التي تحيل إلى الفكر الماركسي، ودراسات المدرسة المجذرة التي تأخذ البيانات عن طريق المقابلة المباشرة بالفرد أو الجماعة من اجل تحصيل معلومات وتخضعها للتفسير المعمق والتحليل وفق كل جملة وكلمة يحملها ذلك الحوار أو تلك المقابلة.

زيادة على ذلك نجد من ضمن البحوث الكيفية دراسات بحثية في مجال التنقيب التحليلي النوعي كالاثنوغرافية التي تستعمل من أجل نقل الحقيقة المعاشة كما هي في الواقع، ووفقا لذلك تستعمل الملاحظة بالمشاركة التي نجدها قد أسقطت على البحوث الإعلامية من خلال دراسة التلفاز كتقنية ومضمون، استخلصت هذه الدراسة سلوكيات الأفراد عند التعرض للتلفاز ومن هو المتحكم في برامج المشاهدة وطريقة المعالجة داخل البيئة العائلية التي وصفت على أنها دينامكية، أي أنها جزء من المجتمع ولها مكانة مرموقة فيه.

انطلاقا من التفسير المقتضب لكلا الاتجاهين نلاحظ بأن البحث العلمي اجتهاد فكري قائم على أسس منهجية تسيره ولا تثبطه، أي تحيله إلى اتجاه صحيح في حال ما اعتمد على أفكار سليمة وانطلاقات مضبوطة، فعملية جمع البيانات ما هي إلا مرحلة اجتهادية من بين المراحل الإجرائية التي يعتمد عليها الباحث في بحثه إذ تنطلق جل البحوث وفي جميع الميادين وعلى اختلاف أصنافها بالإشكالية البحثية كاستهلال توضيحي، ومن ثمة تحدد بأسئلة فرعية تشرح أكثر طبيعة البحث، فعند الأسئلة نتوقف لأن البحوث الكمية كثيرًا ما تعتمد على صيغة (ما مدى) الذي تحقق نتائج إحصائية.

تأتي الفرضيات التي بدورها تنأى عنها البحوث الكمية ولا تفضلها على عكس البحوث الكيفية، وتبقى الأهمية والأهداف وحتى الأدبيات السابقة تحصيل لكلا البحثين، كما هناك تحديدات منهجية تتوافق والعنوان الفرعي للبحث ألا وهي الدراسة، هذه الأخيرة يحددها الباحث انطلاقًا من متغيرات مسبقة، فلو احتمل البحث مثلا على منهجية كمية بحتة وتصادف وأن أراد منه البحث أن يحول تلك الأرقام الإحصائية إلى تحليلات ونصوص تفسر ما تناولته تلك الأرقام فعليه أن يستعين بالدراسة الكيفية لكي يسلم نفسه من تبعات النقد أثناء المناقشة.

نستنتج مما تم التطرق إليه بأن الاختلاف الابستيمولوجي الذي أرق باحثي العصر وما سبقهم في هذا الميدان ميزته تراكمية البحوث أي لا نعتمد بالضرورة على دراسة واحدة لبحث واحد وإنما يمكننا إسقاط عدة دراسات مختلفة المناهج على بحث واحد.

هنا تكمن قوة البحث وتمكن الباحث منه، فصحة النتائج العلمية سواء كانت كمية أم كيفية، ما هي إلا سماحة علمية تعتمد على إخضاع الدراسة إلى اتجاهات داخلية وخارجية الهدف منها المساهمة في إحداث تراكم علمي مبني على التساؤل والتحليل.

قريبي خولة
الجزائر

 

إقرأ أيضاً:  فهمٌ من نوعٍ آخر: الفن الإنساني


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

صادق

الخميس سبتمبر 30 , 2021
تمت قراءته: 3٬341 صادق من تعتقد أنه سينفعك في حياتك وبعد مماتك، فالإنسان يُعرَفُ بصديقه، وقد قالوا: “قل لي من تصاحب أقل لك من أنت”، فهو مرآتك إذا لم تجد ما ترى به ندوب نفسك، وهو شمسك إذا طال ليلك، وهو قمرك المنير إذا طال الطريق المظلم، فاختره بعناية، فليست […]
أهمية حسن اختيار الصديق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة