الميراث وما يعاني المسلم فيه

كثيرا ما نسمع عن قضايا أسرية في المحاكم مؤخرا بسبب الميراث فلا يتفق الإخوة في القسمة بينهم أو يتحايل أحدهم بالآخرين سواء بالتزوير أو بالتنازل فسمعنا عن بعضهم أنهم أمضو في وثائق وهم لا يعلمون ماهي أصلا فوجدوا أنفسهم قد تنازلوا عن حقهم من الميراث دون عِلم مسبق وهذا كما يعلم الجميع أنه لا يحميه القانون لأنه وافق على الإمضاء ولا يُعتبر تزويرا لأنه تحايلٌ وخداع فمن أعطاه الوثيقة إستغل جهله أو ضعفه ليمضي عليها وهناك من يمضي تحت التهديد وقوة السيطرة. (الميراث وما يعاني المسلم فيه)

الميراث وما يعاني المسلم فيه
المتحدون للإستشارات القانونية والضريبية

فإن كان القانون لا يحمي المغفلين فالعدالة الإلهية يوم القيامة لا ترحم هؤلاء العنصريين آكلي أموال الناس بالباطل ، فإن من أسباب قطع صلة الرحم اليوم هو الحرمان من الميراث وكذلك من أسباب السيطرة على الميراث كله هو تمييز الوالدين لأحد الأبناء على البقية فتكون له القسمة أكثر منهم في أمور كثيرة فعندما يكبر سنا يعتقد أنه صاحب الحق فقط فيتجبر ويتسلط فيزيده الشيطان غرورا وتزيده النفس الأمارة بالسوء طمعا فيتحول من إنسان بشري إلى حيوان عدواني فيظن أنه الوريث الوحيد من بينهم ، يقول صلى الله عليه وسلم (( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )) رواه أحمد والترمذي
ودينه بمعنى المال المدان له من شخص آخر فما بالك بالميراث الذي لم يُعطى لأصحابه
يا أيها المسلم لا تغرنك الفانية بجمالها فتَفنيّ فيها عمرك لها وأنت تجمع الحرام لأجلها ثم تتركها لمن بعدك يتنعم فيها أليس الغد بقريب فقم بتطليقها ، فكم من غني يرى الفقر بين عينيه وكم من فقير يرى الغنى بين عينيه والعاقبة للمتقين

الميراث وما يعاني المسلم فيه

إقرأ أيضاً:  أسباب تدهور التعليم بالدول العربية وأهم الحلول المقترحة

مساحة إعلانية


وقد قال الأصمعي رحمه الله حدثني أبي قال ( كلْ في شهوة أهلك ولا تأكل أهلك في شهوتك ) النوادر والنتف لأبي الشيخ الأصبهاني رحمه الله ص (139)
واليوم كل من أخذ ميراث إخوته فقد أكلهم في شهوته فأصبحت نفسه لا تشبع مثل النار فتبقى الفتنة بينهم إلى حد بعيد ويتظالم الأقارب لسنين طويلة فإن هؤلاء على أربع أصناف وهم :
الصنف الأول
قد تجد الوالدين هم من قسموا الميراث بغير عدل أو قاموا بحرمان شخص منهم بقصد ونية سيئة فقد قال صلى الله عليه وسلم لهؤلاء (( إتقوا الله واعدلوا في أولادكم )) رواه مسلم
أو تجد هذا الصنف من الناس يأكلون أموالهم كلها دون أن يتركوا شيئا لهم ثم يقولون “آبائنا لم يتركوا لنا شيئا فلن نترك لأبنائنا شيئا من أجل أن يعتمدوا على أنفسهم ولا يتكاسلون مستقبلا” فهذا تفكير غير منطقي قال صلى الله عليه وسلم (( إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )) رواه مسلم
فإن كنت قادرا على الكسب فلا تبخل على أبنائك فهم ورثتك وأثرك المتبقي من بعد موتك
الصنف الثاني
هو من يأخذ حق إخوته كاملا أو يعطيهم لكن بالنقص فلا يرثون كما ينبغي وقد جاء الوعيد الشديد لهذا الصنف من الناس فقال صلى الله عليه وسلم (( إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة )) رواه البخاري
وأما في الأملاك كالأراضي فيزيد لأرضه من أراضي إخوته مكرا وحيلة فقال عليه الصلاة والسلام في حقه ((من إقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين)) رواه مسلم
وفي رواية للبخاري قال (( من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ))
وقال عليه أفضل الصلاة والسلام في أموال الناس (( ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )) رواه البخاري
فكم من آكل الميراث قد أتلف مال أبيه في القمار والسهرات الليلية وصرفها في الحرام
واعلم أن أكل حقوق الإخوة من الميراث هو نوع من أنواع الظلم وقد قال أعرابيا ( ليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة أو تعجيل نقمة من إقامة الرجل على الظلم ) النوادر والنتف لأبي الشيخ الأصبهاني رحمه الله ص (223)
أدعى هنا بمعنى يصل ، فأخذ حقوق الناس من الميراث هو في إقامته على الظلم حتى يتوب منها ويُرجع الحقوق لأهلها

الميراث وما يعاني المسلم فيه

إقرأ أيضاً:  الغَيْرَةُ

مساحة إعلانية


الصنف الثالث
فهناك من يحرم أبناء إخوته من الميراث إن كان أحد إخوته قد توفي بعد وفاة أبيه فيستغل ضعفهم وقلة حيلتهم من أجل قهرهم قال صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) متفق عليه
فهل ترضى هذا لأبنائك في حالة لو كنت أنت المتوفى ، وقد قال عليه الصلاة والسلام (( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله )) متفق عليه
وإن أولى الناس برحمتك هم أقربائك والمال بأنواعه هو أفضل رحمة بين الناس فما بالك بالحقوق الأخرى من الميراث وغيره
الصنف الرابع
ومن هؤلاء هم من يمنعون النساء من الميراث فيقولون وبكل وقاحة “المرأة لا ترث” وقد قال لي مرة أحد هؤلاء (أن المرأة لو أخذت شيئا من الميراث تموت مباشرة) وهذا هو الجهل بعينه وأنفه والله المستعان ، قال تعالى {…وللنساء نصيب مما ترك الوالدان…} النساء (7)
فالمرأة لها الحق في أخذ نصيبها من مال أبيها وأمها بما يوافق شرع الله وهذه المسألة لا نقاش فيها
ومن هؤلاء الذين يتطاولون على الضعفاء في مسائل الميراث قد تجدهم يذهبون إلى الحج أو العمرة أو تجدهم يحافظون على الجماعة في المسجد لكن لا تنفعهم ذكرى أو موعظة واعظ فلا يسمعون ولا يُبصرون فيزدادون عميا وصما نعم صحيح أن الخطأ فيه إثم والطاعة فيها أجر حتى لو إجتمعا معا لكن العذاب ثابت لمن ظلم في الدنيا قبل الآخرة وقد روي عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال ( إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه أنظروا من أين مطعمه فإن كان مطعمه سوء قال دعوه يتعب ويجتهد فقد كفاكم نفسه إن إجتهاده مع أكل الحرام لا ينفعه ) الكبائر للذهبي رحمه الله ص (95)
وأكل حقوق الناس من الميراث هو مال حرام وإن زاد عليه ما زاد من أرباح فهو ثعبان بجيبك نهارا معلق في عنقك ليلا حتى تلقى الله وأنت آثم بذنب سيء لا ينتهي حتى يأخذ المظلومين حقوقهم منك يوم القيامة بين حسناتك وسيئاتهم قال صلى الله عليه وسلم (( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )) رواه مسلم
واعلم أيها المظلوم أن دفاعك عن الحق اليوم بالوسائل التي تأدي بك للسجن فهو ظلم لمظلمتك تلك فلا تزيد للطين بلة من جديد وتوكل على الله فإنه عليك شهيد وهو لك عونا ونصير وما عليك إلا بهذا الدعاء (اللهم إن هذا تقوّى عليّ بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه)
الكبائر للذهبي رحمه الله ص (90)
وهو دعاء من قصة حدثت مع أحد المظلومين فاستجاب الله له وكانت نهاية الظالم من الظلم وتاب منها بعدما عوقب أشد العقاب في دنياه ، وما عليك إلا بإتخاذ الأسباب مثل توكيل محامي للدفاع في المحكمة والمسببات فهي قضاء وقدر من الله عز وجل فلا نعلم الحكمة منها فعليك بالرضا كيف ما جاءت فهي كلها خير قال تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } البقرة (214)
والمظلوم دائما نراه يستسلم إما روحيا أو فكريا أو نفسيا والإستسلام الروحي أي بدون صرامة وعزيمة من أجل إسترجاع حقه وأما الإستسلام الفكري فهو قبول الظلم والعجز عن النطق بالحق فيتحول إلى إعتقاد بأنه غير معني بالميراث وأما الإستسلام النفسي فنفسه تنهار بعد ضياع حقه من ميراث أبيه فتجده يتجزع ويتسخط وقد يبكي لحاله ولا يصبر في الصدمة الأولى ويشتكي حالته لكل الناس
فيا أيها العبد الضعيف كيف لا تثق في الله الذي خلقك ولم يتركك في أيام ضعفك الأولى وأنت في بطن أمك المظلم ذاك قد كنت شديد الضعف فبقدرته أصبحت رجلا وأنت في أيامك الأخيرة تقوى شيئا فشيئا ثم تضعف كما كنت ضعيفا فتشيب وتصبح شيخا فقط ثق في الله وحقك لن يضيع فإن ضاع في الدنيا لا تنسى أن يوم الحساب قريب
وأما من يعتقد أن الميراث مال فقط فهذا مخطئ لأن الميراث الحقيقي هي الأخلاق والمبادئ والقيم والعلم والطب…الخ وأما المال فهو جزء منه فقط وقد قال حكيم لإبنه ( الأدب خير ميراث )

تنبيه
قال صلى الله عليه وسلم (( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم )) متفق عليه
فإن كان الأب كافرا والإبن مسلم فلا يحق له طلب من ميراثه وإن كان الأب مسلم والإبن كافرا فلا يُعطى له شيئا من ميراث أبيه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

شعيب ناصري

(الميراث وما يعاني المسلم فيه)

إقرأ أيضاً:  حكايات طريق (الجزء الأول)


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الهبة بين الجواز والتحريم

الخميس أكتوبر 5 , 2023
تمت قراءته: 508 المال هو رزق من الله على عباده في هذه الحياة يهبه لمن يشاء بحكمته وفضله وكرم منه فالمال هو أحد أهم الوسائل المتعامل بها بين الناس واعلم يرعاك الله أن المال لا يُشترط بما يسمى العملة فقط بل كل أصنافه من ذهب وأملاك وعقارات ومواشي…الخ (الهبة بين […]
الهبة بين الجواز والتحريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة