حيوانات استغلت في التجسس

من منا لا يتذكر العميل رقم (007) أو “جيمس بوند” (James Bond) وأفلامه البوليسية المثيرة والشائقة؟ تلكم “الشخصية الخيالية” لجاسوس بريطاني أبدعها المؤلف “إيان فلمنغ” Ian Fleming عام 1953 عبر روايته “كازينو رويال”. وهي تجسد “البطل الخارق، والجريء، والمغامر، والرياضي، وخفيف الظل، والجذاب، والأنيق، والذكي، والمُتقد الذاكرة، والواثق من نفسه، وذو المهارات البارعة والحيل الباهرة، والقادر علي المنازلة والقتال، والمنتصر دومًا. فهل يمكن الاستغناء عن أمثال هذا العميل السري التقليدي؟ وهل يمكن تدريب وتجهيز حيوانات وطيور لتقوم بمهام التجسس؟ (حيوانات استغلت في التجسس)

حيوانات استغلت في التجسس
BBC

“التجسس”: نشاط بشري اجتماعي عريق يهدف إلي التحري والظفر بخبر أو معلومة (لا يمكن الحصول عليها بالاتصالات العادية)، وتبين الصحة من الزيف فيهما. ولقد تعددت وسائله -قديمًا وحديثًا- لكن يبقي هدفه واحد. ولفترات طويلة. ظل الإنسان هو الوسيلة الوحيدة للتجسس وبرع في اختراع أجهزة تساعده على ذلك، كما هو الحال اليوم في الأقمار الاصطناعية أو الأجهزة الإلكترونية والهواتف الجوالة أو زرع أجهزة تنصت في الأثاث المنزلي أو المكاتب أو أجهزة الإضاءة وغيرها. لكن عندما أراد الحصول على المزيد من المعلومات بأقل المخاطر استعمل الحيوان والطير. ومنذ القدم. استثمر الإنسان الدواب والطير في مجالات عديدة، بما في ذلك المجالات الحربية، كاستخدام الخيل والفيلة وغيرها. وحديثًا. مع الطفرات العلمية والتقنية تمكنت مراكز البحوث والمؤسسات الإستخبارية والأمنية والعسكرية من تطويع الحيوانات المتنوعة (المُجهزة، والمُدربة) من أجل خدمة أهدافها. فاستخدامها لا يلفت الأنظار، كما أنها “أمينة كتومة” لن تعترف بمن “جندها”.

“أوفي الأصدقاء” فوائد عدة – حيوانات استغلت في التجسس

لكثير من أنواع الكلاب فوائد عدة. فهي تساعد الإنسان بدنيًا وصحيًا: كحراسة الماشية والمنازل والحدود والأفراد، وإنقاذ المفقودين والمسافرين، وقيادة فاقدي البصر ومساعدة مرضي الصرع، وفى إغلاق مصابيح الإنارة والغسالات والأبواب، وخدمة توصيل بعض الأغراض للمقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، ووسيلة للجر والنقل، وللاتصال أيام الحروب والأزمات. كما أن أنواعًا تستطيع استكشاف المواد الكيميائية والمخدرات والمتفجرات. وقد استفادت منه كثير من القطاعات التجارية والأمنية والجمارك والمطارات للكشف عن المخدرات والممنوعات الأخرى في حقائب المسافرين، مع تتبع أثر الجناة والمساعدة في القبض عليهم.
ولقد استخدمها الاتحاد السوفيتي (السابق) إبان الحرب العالمية الثانية لتدمير الدبابات الألمانية. حيث يتم تلغيم الكلاب وتركها تبحث عن طعام أسفل الدبابات ثم تفجيرها. ويدعي السوفييت أنهم فجروا 300 دبابة ألمانية بهذه الطريقة. لكن ربما رفضت بعض الكلاب أحيانًا البحث عن طعام أسفل دبابات متحركة، فتدريبها كان يتم على دبابات ثابتة. كما أن صوت الرصاص يخيفها.

“كيتي الصوتية، وقطط فرانكشتاين” – حيوانات استغلت في التجسس

عثر على ملف للمخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) تحت اسم Acoustic Kitty/ «كيتي الصوتية» أو قطة (سي آي آي) الشبح CIA’s Spook Cat، تابع لإدارة العلوم التقنية، تم إقرارها عام 1961 (إبان الحرب الباردة) من أجل استخدام القطط في عمليات التجسس على سفارات الاتحاد السوفيتي وبلدان الكتلة الشرقية الشيوعية. وكانت تجري عملية جراحية لزرع جهاز ميكرفون لاسلكي في قناة أذن القطة مربوط بسلك رفيع جدًا يمرر تحت فرائها الكثيف بجهاز بث زرع فوق الجمجمة. كما شغل الذيل وظيفة الهوائي المستقبل للموجات. ويتم اختيار القطط الأنثى التي لها فراء أبيض وأسود طويل، وتدريبها كي تدخل السفارات وتجلس أمام باب غرف بعينها (غرفة السفير أو الملحق العسكري) أو تتواجد في الحدائق العامة. مما يجعلها تنقل ما يدور من أحاديث عبر الجهاز المزروع فيها.

وورد في التقارير أن مشروع (القطة الصوتية) لم يكن ناجحًا من وجهة نظر تقنية، وبسبب سلوك الحيوان كذلك. حيث ظهرت مشاكل منها: أن القطط “كائنات مستقلة تفعل ما تشاء، وقتما تريد” ولا يمكن التكهن بتصرفاتها. وأنها عندما تجوع، دون حصولها علي طعام سريع، فإن مواؤها يشوش على موجات الأجهزة وجودة إرسالها. كما دهست سيارة قطة تجسس خارج السفارة السوفيتية في واشنطن. وتوقف المشروع، عام 1967، لأن القطط “لم تكن عميلًا ميدانيًا ممتازًا”. وفي عام 2013 اعتراف “روبرت والس” (كان مدير مكتب الخدمات التقنية في سي آي إيه) بأنه تمت الاستعانة بمئات القطط وأجريت لها عمليات زرع أجهزة ووصلت تكاليف هذا المشروع نحو 15 مليون دولار. ورغم إلغاء المشروع لكن ظلت «سي آي إيه» تدرب قططًا وطيورًا لتتجسس على أجانب يقيمون في الولايات المتحدة ولهم ميول لتربية القطط بشكل خاص.

وفي كتابها «قطط فرانكشتاين» قالت الكاتبة الأميركية “إميلي انثيز”: «لم تكن القطط هي الوسيلة الوحيدة التي استخدمت من أجل التجسس والتنصت، بل الكلاب أيضًا، ووظفت أيضًا في تصوير مواقع في عمليات عسكرية مهمة بعد تزويدها بأجهزة تصوير وتقنيات عالية الدقة والتطور وصغيرة الحجم إما بزرعها في الجسم أو بإلصاقها على الظهر. ولم تتردد مخابرات الجيش الأميركي في زرع أجهزة تنصت في حيوانات بحرية مثل سمك القرش والدلافين التي تسبح من دون مراقبة أمام شواطئ الخصم الذي يجب التجسس عليه”.

إقرأ أيضاً:  رواد العلوم في مطلع القرن العشرين.. إنجازات وإخفاقات

مساحة إعلانية


“الوطواط المتفجر” – حيوانات استغلت في التجسس

معظم أنواع الخفافيش تطير ليلًا وتختفي نهارًا (حيوانات ليلية). وقد وهبت خاصية إدراك الأهداف وشق طريقها وسط الظلام الدامس (الكهوف والمغارات) بدقة تفوق كثيرا دقة الرؤية. وذلك عن طريق “الصدى” أي الانعكاسات الصوتية التي تصدر عن الأشياء (تولد الخفافيش موجات فوق صوتية قد تصل إلى 100 كيلوهرتز)، ولا يمكن للأذن البشرية تحسسها (نطاق السمع الواضح للأذن البشرية يتراوح تردداته ما بين 20 هرتز- 20 كيلوهرتز (20.000 ذبذبة/ ثانية). وتتمتع الخفافيش بحاسة سمع حادة تستفيد منها في تحديد “خارطة” البيئة والمكان الذي ارتد منه الصوت، وتحليل حجمه، ونوعه، ومسافته، وإذا كانت صدى لفريسة أم لا. وهي لا تسمع سوى صوتها، فتقوم بتسجيل نبضات الأصوات الصادرة ومقارنة الأصوات الأصلية مع رجع الصدى. كما يقوم بتعديل الموجات الصوتية التي يرسلها إلى هدف متحرك وكأنه يعرف تأثير “دوبلر”.

وهذه “أوراق اعتماد مثالية” للخفافيش للعمل في مجال التجسس، ومقومات لم يستطع الأمريكان مقاومتها. وبالفعل خلال الحرب العالمية الثانية. اقترح طبيب الأسنان “ليتلي آدامز” تزويد مليون خفاش بأجهزة حارقة صغيرة. وتقضي الفكرة الأساسية تقضي بإسقاط الخفافيش فوق المدن اليابانية لتقوم بالدخول إلى مبانيها ومن ثم تفجيرها. وتم إجراء العديد من التجارب، وأدت إحداها إلى إحراق حظيرة طائرات أمريكية بطريق الخطأ. وكان تقدم المشروع بطيئًا واستهلك ما يقدر بـ 2 مليون دولار.

“الدلافين تتجسس”، وأسد البحر “يصطاد”

منذ أواخر سبعينيات القرن المنصرم. قامت بعض الجيوش الكبرى بالتدريب الإستخباري والعسكري للدلافين (من الثدييات البحرية). حيث استعملتها البحرية الأميركية كجزء من برنامج “الثدييات المقاتلة البحرية” (ما يقارب 100 دولفين مدرب تدريبًا جيدًا). وقد ساعد العلماء في عمليات تدريب الدلافين ذكاؤها وحبها للبشر وقدراتها الفريدة على السمع والرؤية والغوص إلى أعماق كبيرة تحت الماء تصل إلى (٢٢ م). كما تتمتع بنظام اتصالات “فوق صوتي” (Ultrasound) يشبه “السونار” الذي تستخدمه السفن، والغواصات. وهو نظام فريد ومتنوع الفائدة تتواصل به الدلافين فيما بينها، كما توظفه في تحديد الأبعاد والأشياء والمخاطر والفرائس وسط ظلام دامس.

واستغلت هذه الميزة في عملية الكشف عن الألغام البحرية، والغواصات المعادية، والمتسللين بحريًا. كما توضع أجهزة وكاميرات تجسس حول أجسامها ومن ثم تأهيلها في عمليات الحراسة ومرافقة سفن الأساطيل وناقلات النفط العملاقة. فإذا وجد أي جسم مشبوه تكون كجهاز استشعار لمن علي متن القارب المختص، أو تحدث ضوضاء ثم السباحة تجاه الدخيل والهروب بعيدًا حتى يتدخل الفريق العسكري. وقد ضبط “دولفين” يستخدم لأغراض التجسس. وبحسب تقرير نشر على هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فإن الدولفين كان مزودًا بأجهزة تجسس من بينها كاميرات. كما تم تحويل الدلافين وأسماك القرش إلى كتائب مقاتلة و”جنود مجهولة” حيث تناقلت وسائل إعلام إمكانية إحداث هجوم من أسماك القرش لبعض الشواطئ. كالدلافين. يكشف “أسد البحر” عن الجواسيس أيضًا. لكنه يقبض عليهم بمشبك مثبت في فمه ويغرسه في ساق المُشتبه به. مما يُمكن “المسئول عنه” سحب المشتبه به عبر حبل مثبت في المشبك، وهو يدرب تدريبًا خاصًا لحماية السفن والعمل في المناطق الضحلة.

“فئران الأدرينالين” – حيوانات استغلت في التجسس

خلال سبعينيات القرن الفائت. حاولت الاستخبارات البريطانية تدريب فئران للكشف عن المشتبه بهم في المطارات. حيث توضع الفئران المدربة في قفص وتشم ـ عبر المراوح ـ أعراض زيادة هرمون “الأدرينالين” لدي الركاب. ومن ثم تضغط على رافعة وضعت لها. ولكن الفئران لم تميز بين المُشتبه بهم وبين الركاب الخائفين من ركوب الطائرة وترتفع لديهم نسبة الأدرينالين بسبب هذه الفوبيا. كما يتعلق المشكل حول تدريب الحيوانات بكونها “لا تقوم دائمًا بما يراد منها القيام به”.

“طيور علموها التجسس”

منذ القدم، وفي مختلف الحضارات. تم استخدام الحمام الزاجل في المراسلات الإستخبارية والعسكرية. كما تم استعمال أكثر من (١٢) ألف حمامة خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. حيث استخدمتها القوات الأميركية والبريطانية في نقل الرسائل والخرائط والكاميرات والصور، ويشير المؤرخون العسكريون أن أكثر من 90% من الرسائل التي نقلها الحمام وصلت لمكانها بشكل سليم وآمن.

وحديثًا. تم الكشف عن كثير من آليات تحركات وهجرة الطيور عبر أجهزة إرسال مُثبتة في أعناق/ أرجل الطيور. ورصد الإشارات اللاسلكية الصادرة عنها وتتبع مساراتها (مستقيمة، أو ملتوية، أو دائرية الخ). وتم تطوير هذا الأمر بجعلها تحمل أجهزة تجسس، والتقاط صور، ومسح جوي (مثل أجهزة GPS – Tracking) فوق المدن والمرافق الاقتصادية والأمنية والعسكرية. ومن ثم يمكن التواصل عبر أقمار اصطناعية. لذا لا غرابة في سماع قصص عن عمليات تجسس وتنصت عبر النسور (مثل فصيلة غيفيرين أو النسر الأسمر)، والصقور، و”العوسق” (من فصيلة صقر الجراد)، وطير آكل النحل. ومما يزيد هذا الموضوع أهمية: عدم قدرة أجهزة الرادار على اكتشافها وعدم إلقاء البال لها، واستبعاد استغلالها في مثل تلك الأمور.

ومؤخرًا. أطلقت القوات الجوية الأمريكية كذلك شريط فيديو يستعرض “عصافير، أو كلاب، أو حشرات روبوتية” التي من الممكن استعمالها في تطبيقات مراقبة، وتطبيقات عسكرية أخرى، بما في ذلك شن هجوم بشكل أسراب.

“النحل مكتشف القنابل” – حيوانات استغلت في التجسس

لاستغلال حاسة الشم المتميزة لدى الحشرات وبخاصة النحل والزنابير، ومهارة البحث عن طعامها أو تصرفها عند مواجهة المخاطر. أجريت أبحاث (في جامعتي مونتانا وجورجيا) لتدريب النحل للتعرف على روائح الألغام، والمواد الكيميائية. وعندما تتعرف على رائحة مشبوهة تنفض غبار خاص بها كإشارة من أنبوب تم تركيبه لها يمتد من أفواهها، ويتم وضع النحل في صندوق ثم تأمين المنطقة المراد تأمينها أو تفتيشها مثل المطارات. وفي عام 2008، كشفت مجلة “نيو ساينتيست”: كيف حاولت وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية السيطرة على حشرات عبر زراعة آلات تجسس بداخلها في إطار مشروع “الحشرات الهجينة”.

ثم استخدامها لجمع ونقل المعلومات في بيئتها الطبيعية، ويمكن أن تحمل الحشرات ميكروفونًا أو جهاز استشعار للكشف عن الغاز عند وجود هجوم كيماوي. وقد يتم معاملة أدمغتها بأشعة الليزر وتسخيرها للقيام ببعض الأعمال. حيث يمكن التحكم بواسطة أجهزة الليزر في ملايين النحل الإفريقي القاتل وجعله يهاجم هدف ما إلحاق الضرر به. وعمومًا علي الجانب الأخر. تسجل منظمات حماية حقوق الحيوانات اعتراضها في استغلال الحيوانات في عمليات التجسس وغيرها. (حيوانات استغلت في التجسس)

أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري

 

إقرأ أيضاً:  الإنسان، والحيوان: شراكة المرض


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

حقائق وغرائب عن الطب البيطري

الثلاثاء يوليو 13 , 2021
تمت قراءته: 2٬237 كثير منا لا يعلم عن دور الطب البيطري في حياتنا، وهناك من يعتقد أن الطب البيطري ما هو إلا وسيلة لعلاج الحيوان، ولا يعلم أنه يشكل حائط صد منيع ضد ما يزيد عن 150 مرض من أمراض الإنسان التي يشترك فيها مع الحيوان، كما أن غذاء الإنسان […]
حقائق وغرائب عن الطب البيطري

2 تعليقات على “حيوانات استغلت في التجسس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة