تحرير المقال في فصل هل الإنسان له حق التخيير

قال تعالى “مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ” [النساء 79].
أي هناك بعض العقوبات تسلط على الناس في دنياهم بسبب المعاصي والذنوب التي ارتكبوها في حياتهم. (تحرير المقال في فصل هل الإنسان له حق التخيير)

هل الإنسان له حق التخيير
الامنيات برس

هل الإنسان مسير أم مخير؟

في الجانب الديني مثال شخص أراد الصيام يوم الإثنين تطوعا فهو مخير إن صام أجر على صيامه وإن امتنع لا يأثم على تركه والله عز وجل خلق أفعال العباد وتركهم يتصرفون فيها كما شاءوا ولكن الله عز وجل هو الميسر لهم في الطاعة والعبد يقدم السبب لها فقط ومن الله التوفيق والسداد ومن هذا الجانب الرفقة الحسنة تلعب دور كبير فإنك أنت من يختار هذه الرفقة لكن الله تبارك وتعالى هو من يجمع بينكم في اللقاء الأول بالصدفة فيتناصح الأصحاب فيما بينهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن جهة المعصية مثلا شخص أراد شرب الخمر فهو مخير إن شرب آثم على شربه وإن امتنع يؤجر على امتناعه هذا والتيسير من الله سبحانه وتعالى لقوله “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” [النحل 93] فأنت لك الإختيار ومن الله التيسير في كل شئ ومنها الرفقة السيئة أنت تختارها وتبحث عنها فإذا وجدتها عملت بعملهم لسوء صحبتهم مهما طال الزمن وأبعدوك عن الحق والهداية وقدموا لك سبل الضلال والغواية والله عز وجل قد ينجيك منهم إن رأى فيك خيرا ويسر لك العودة إلى الصواب ولكن أنت قدّم السبب في ترك رفقة السوء ومن الله التوفيق والسداد.

قال الشيخ ابن ناصر السعدي رحمه الله مفسرا الآية ( أي “لو شاء الله” لجمع الناس على الهدى وجعلهم “أمة واحدة” ولكنه تعالى المنفرد بالهداية والإضلال وهدايته وإضلاله من أفعاله التابعة لعلمه وحكمته يعطي الهداية من يستحقها فضلا ويمنعها من لا يستحقها عدلا “ولتسئلن عما كنتم تعملون” من خير وشر فيجازيكم عليها أتم الجزاء وأعدله ) [1]أنظر صفحة 423 تيسير الكريم الرحمن له.

(هل الإنسان له حق التخيير)

إقرأ أيضاً:  وقت مستقطع

مساحة إعلانية


يعني إن كنت تبحث عن الحق والهداية ييسر الله لك الطريق وإن كنت تريد الضلال والغواية فالطريق ميسر لك أيضا لأنك أنت من إخترت فالإختيار منك والتسيير من الله عز وجل فالضلال والهداية من الله بحكمته وعلمه بأحوال عباده وعدله بينهم وهو أعلم بما فعلوه وسيفعلونه من الأزل إلى الأبد وهذا مصداقا لقوله تعالى “مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ” [الشورى 20]

لكن المشيئة التي ذكرت في الآية هي من عندك لأن أفعالنا مخلوقة ونحن المتصرفون فيها بما نشاء لقوله تعالى (….يضل من يشاء ويهدي من يشاء….) [النحل 93] وقس على ذلك في جميع الطاعات والمعاصي بين الكفر والإيمان عند كل إنسان
أما المشيئة الثانية في قوله تعالى (…..والله يرزق من يشاء بغير حساب) [النور 38] هذه مشيئة الله أي هو الميسر لعبده ومخيرا له رزقه والعبد يقدم الأسباب فقط لينال ما كتب الله له قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو عرضت الأقدار على الإنسان لاختار القدر الذي اختاره الله له).

أما من الجانب الدنيوي قال تعالى “وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ” [القصص 68] فهنا أنت مسير غير مخير فقد تختار لكن لا توفق في إختيارك.

مثلا شخص أراد أن يتزوج بفلانة هذا اختياره هو قد يوفق وقد يخفق في اختياره لكن التيسير من الله عز وجل بعلمه وحكمته ولما اختاره الله لعباده في حياتهم وقس على جميع الأمور الدنيوية من عمل وسكن….الخ فالعبد يقدم السبب ومن الله التوفيق والسداد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نفر من قدر الله إلى قدر الله) وقال تعالى “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
” [القمر 49]

فالقدر من إختيار الله وأنت فيه مسير وقال صلى الله عليه وسلم لا يرد القضاء إلا الدعاء رواه الترمذي والحاكم.

الفرق بين القضاء والقدر

قال بعض العلماء أن القضاء هو حكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل والقدر هو الحكم بوقوع الجزئيات التي هي لتلك الكليات على سبيل التفصيل.

والإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان الستة وأنت فيها مسير غير مخير لكن لا تتكاسل بل بإتخاذ الأسباب لها في الدين والدنيا قال أبي بن كعب رضي الله عنه (……..ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار ) رواه الإمام أحمد وغيره.

القدر محسوم ولكن الدعاء سبب فيه وليس للتغيير وإنما للتسيير مثل البحث عن عمل أنت تقدم السبب والله ييسر لك وكذلك المرض أنت تعالج لتقدم السبب والقدر محسوم فيه.

مراتب القدر – هل الإنسان له حق التخيير

قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله مراتب القدر أربع درجات وهي:

  1. العلم بأن الله علم كل شئ في الأزل.
  2. الكتابة في اللوح المحفوظ وهي أن الله كتب كل شئ فيه.
  3. مشيئة الله النافذة وهي أن الله سبحانه يشاء الشيء ويريده..
  4. مرتبة الخلق والإيجاد الله خالق كل شئ. [2]أنظر صفحة 168/169 شرحه على الأصول الثلاثة للإمام ابن عبد الوهاب رحمه الله

ختاما – هل الإنسان له حق التخيير

الإنسان حياته مليئة بالنسيان يعيش في حياته مخيرا في دينه بين العبادة والمعصية أما في دنياه فالله من ييسر له المعاش وهو يسعى للاختيار فإن وفق فله ما أراد وإن أخفق فكان له خيرا لأن الله يعلم بما ينفع عبده لقوله تعالى “وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” [البقرة 216]

أما من جانب المعصية فالواجب الإقبال على الله بالتوبة ولا تقل قدر لي ذلك وأما من جانب الطاعة لا تبخل على نفسك والله الموفق والهادي إلى الحق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم شعيب ناصري

(هل الإنسان له حق التخيير)

إقرأ أيضاً:  هل الإنسان مسير أم مخير، قراءة فلسفية في مبادئ ميكانيكا الكم


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 أنظر صفحة 423 تيسير الكريم الرحمن له.
2 أنظر صفحة 168/169 شرحه على الأصول الثلاثة للإمام ابن عبد الوهاب رحمه الله
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

"ديرُ القمر".. تاريخ ودُرر

الأحد يناير 9 , 2022
تمت قراءته: 2٬225 “درّة الجبل، وعاصمة الأمراء، وبلدة الإصطياف، والفن المعماري”.. تنطق تاريخاً. فهي مُتحف تراثي عامر بشواهد التاريخ، ومعالم التراث، والعلامات الأثرية ذات الشهرة والجاذبية العربية، والعالمية. (“دير القمر”.. تاريخ ودُرر) تقع في قضاء “الشوف” أحد أقضية محافظة “جبل لبنان” (واحدة من ثمان محافظات يتشكل منها لبنان الإداري). وتبعد […]
دير القمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة