في الحقيقة، الشيطان وهوى النفس يطمحان دائمًا في الزيادة، كلما كسبا أرضًا تطلعا لسواها، ولا سبيل للتغلب عليهما -بعد الاستعانة بالله- إلا بالتضييق عليهما، بشغل كل أوقات الفراغ بما هو حق. (الاستفادة بالوقت)
في الواقع، إن الأخطار الحقيقية التي يواجهها الإنسان منها ما يكمن في “العشوائية” التي تتسم بها أفعاله وسلوكياته وعاداته على مدار يومه، فيصير كـ “ريشة” في الهواء أو “خشبة” في الماء تسوقها الأمواج، دون أي مقاومة منها أو غاية لها، وعندئذ يكون الإنسان صيدًا سهلًا لهوى نفسه ونزغات شيطانه يسوقانه أنَّ أرادا.
نعم، إنها حرب ومكيدة، فلا ينبغي لنا أن نغفل عن مجاهدة أنفسنا والتصدي لعدونا الحقيقي، بالدراسة والتحليل والاجتهاد في طرح الحلول والوسائل التي من شأنها تعزيز قدرة الإنسان على كبح هوى نفسه ودحر شيطانه.
ولن تتأتَّى هذه الحلول إلا بالتغلب على تلك “العشوائية” التي يعيشها الإنسان في أوقات لهوه وفراغه، من خلال التنظيم والتأقيت والاشتغال بالحق، فعلينا ألا نترك أوقات فراغنا لعدونا يُسيّرنا فيها كما يريد، وألا نيسِّر عليه ندائنا، وأن نعسِّر تلبية دعوته.
وإنما يجب أن نملأ أوقات الفراغ بأعمال محددة وصالحة ومفيدة وشيقة، حسب أولويات كل شخص وإهتماماته، ففعل الحق أو الصواب يناسبه دائمًا التنظيم وترتيب الأولوليات، فإن لبدنك عليك حق، فيلزمه وقتًا كافيًا ومنتظمًا للنوم، وكذا الطعام والشراب، والعبادة والعمل وممارسة الرياضة والمطالعة، وسائر العلاقات الاجتماعية.
(الاستفادة بالوقت)
مساحة إعلانية
فمن المهم أن نؤقِّت ليومنا، فنجعل لكل شيء نريده وقتًا محددًا ومعلومًا، فإن دُعينا إلى منكر بميل أو نزغ أعرضنا لشغل بعمل أو عبادة أو هواية مشروعة، فإن ابتُلينا بغير المشروع مما تطلبه النفس وتهواه، فعلينا الكف عنه فورًا، وإن لم نستطع فعلينا اتباع سياسة التدرج في الكف عنه.
فإذا فشل الإنسان في الكف عما يفعله من عادات منكرة فعليه بأن يُؤقّت لها!
نعم، فالتوقيت لفعل عادة منكرة يمنح الإنسان السيطرة على اشتهاء فعلها، ويزيد من عزيمته على تركها.
فمثلًا، من فشل في الإقلاع عن التدخين كلية يمكنه أن يحدد وقتًا ليدخن فيه، فلا يدخن في غير هذا الوقت، فإن نجاحه في ذلك يعني أن هناك وقتًا يسيطر فيه على هوى نفسه ويمنعها من التدخين فيه، وهذا يمنحه الثقة في قدرته على زيادة هذا الوقت شيئًا فشيئًا، فتصير فكرة “الإقلاع عن التدخين نهائيًا” حاضرة وممكنة.
وهكذا كل العادات المنكرة، التي يفشل الإنسان في تجنبها، دفعة واحدة، أو بقرار واحد نهائي، يمكنه اتباع سياسة التدرج، للحد منها والتضييق عليها، وذلك بتحديد الأوقات التي لا يمكنه فيها ممارسة هذه العادات، وشغل هذه الأوقات بأعمال مفيدة.
وكذلك بالنسبة للعادات التي ينبغي السيطرة عليها أو الحد منها، كمن يجلس لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت على نحو “عشوائي” بلا غرض أو غاية محددة، فيلزمه تحديد الوقت الذي يمكنه فيه القيام بذلك، بحيث إنه في الأوقات الأخرى لا يسمح لنفسه بممارسة هذه الهواية لانشغاله بأعمال أخرى مفيدة.
وهكذا يمكن للإنسان التغلب على نزغات شيطانه وهوى نفسه، بالحد من العشوائية في قضاء أوقاته، من خلال التأقيت لجميع ما يريد أو يجب عليه فعله من أعمال مفيدة على مدار اليوم، فيكون لكل منها وقتًا خاصًا بها، فلا يجد فعل المنكر مساحة ليرتع فيها، بل ينحصر في الوقت المحدد له حتى ينحسر وتنطفىء جذوته.
د. عصام الدفراوي
(الاستفادة بالوقت)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
د. عصام الدفراوي من مصر. تخرج من كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية. يعمل بالمحاماة والاستشارات القانونية. حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق عام 2016، وله كتاب منشور. يهوى كتابة المقالات الاجتماعية. يحب دراسة المشكلات الاجتماعية الفعلية في ضوء الفقه والقانون.
حبيبي سعادة المستشار كريم … جزاكم الله خيرا
احسنت يا دكتور عصام بالتوفيق يا سعادة المستشار المحترم.