العداء الغربي الروسي قديم لا شك في ذلك، واستمر العداء حتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ومنذ أن استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 وهناك محاولاتٍ ومساعٍ من الغرب لاستمالة أوكرانيا للمعسكر الغربي وجعلها ذراعًا لهم ضد روسيا، خاصة وأن الحدود الشرقية لأوكرانيا هي من الأكبر مع روسيا، وقد استمر الغرب بمحاولة التخلص من موالاة أوكرانيا لروسيا، وتكللت جهودهم بالنجاح عندما تم الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، بعد احتجاجات دامت عدة شهور. (الحرب الروسية على أوكرانيا – “الغرب يتفرج”)
الانتقال من جبهة الشرق إلى جبهة الغرب – الحرب الروسية على أوكرانيا
في العام 2019 ترشح الممثل الكوميدي والرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي للانتخابات الرئاسية الأوكرانية وهو ذو الأصول اليهودية الموالي للغرب والمدعوم منه، ولا يخفى على أحد بأن هذا الشخص هو مرشح الغرب واليهود للرئاسة الأوكرانية والذين استمروا بدعمه حتى وصل لسدة الحكم في أوكرانيا.
التقارب الأوكراني الغربي خلق نظام حكم في أوكرانيا موالٍ للغرب معادٍ لروسيا في خاصرة روسيا الغربية، وأراد الغرب تعميق هذا التقارب بجعل أوكرانيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي وبإدخال أوكرانيا في حلف الناتو ومن ثم إنشاء قواعد عسكرية للناتو في أوكرانيا محاولين محاصرة روسيا، الأمر الذي تنبهت له روسيا كونه سيشكل خطرا حقيقيا على الأمن القومي الروسي، وهذا ما لم تكن لتقبل به روسيا مطلقا، وقد أوضحت روسيا هذه المخاوف للغرب مرارًا وتكرارًا دون جدوى.
فمن حق روسيا حماية باحتها الخلفية وتأمين محيطها كأي دولة عظمى أخرى، وعدم أخذ المخاوف الروسية من قبل الغرب على محمل الجد، أجبر الروس على التدخل لوقف السيطرة الغربية على أوكرانيا وكان هذا التدخل حتميا، سواء كان بدعم الانفصاليين في إقليم دونباس، أو بدعم الجمهوريتين الجديدتين اللتان أعلن عن قيامهما الرئيس الروسي بوتين واللتان تواليان روسيا قلبًا وقالبًا واللتان غيرتا خريطة العالم، أو حتى بالتدخل العسكري المباشر، وقد كان ذلك.
مساحة إعلانية
وفي محاولة لتفسير الأمر وفهم ما يحدث نطرح بعض الأسئلة:
- لما الرغبة المريبة من الرئيس الأوكراني في الارتماء في أحضان الغرب رغم النتائج الوخيمة التي قد تتبع هكذا عمل على بلده وشعبه؟
- هل ما تم هو التغرير بالرئيس الأوكراني واستغلال أوكرانيا بشكلٍ بشع من قبل الغرب بحيث بات الرئيس الأوكراني أداة بيد الغرب ليحقق الغرب أهدافه المعلنة وغير المعلنة ضد روسيا؟
- هل الرئيس الأوكراني اليافع وحكومته ساذجين لهذه الدرجة بأن تنطلي عليهم ألاعيب الغرب؟
- أم أن الرئيس الأوكراني جيء به لسدة الحكم لتحقيق الأهداف الغربية والإضرار بالروس؟
- هل تصور الأوكرانيون بأن الروس سيقبلون بمجيء الغرب وأسلحة الغرب لعتبات حدودهم؟
- ألم يكن الأفضل والأسلم لأوكرانيا أن تبقى على الحياد وأن لا تميل لأي طرف على حساب الآخر خاصة وأن لموقعها الجغرافي حساسية عالية بالنسبة لروسيا؟
- هل صدَّق الأوكرانيون الوعود الغربية البراقة بالدعم المطلق في حال تم الاعتداء عليهم من الروس؟
- هل سنرى تحركًا عسكريًا غربيًا حقيقيًا في الأيام القادمة لنجدة أوكرانيا؟
لنكن واضحين وواقعيين، إن للغرب صفحة تاريخ سوداء ملئ بالألاعيب المشينة، والسياسات الخبيثة، والاستغلال البشع لكثيرٍ من حكام وأنظمة العالم، وكان يتم ذلك الاستغلال بالوعود بالدعم المزعوم لهذه الأنظمة المغرر بها حتى ينال الغرب مراده، وما أن ينال الغرب مراده ويحقق مبتغاه حتى يدير ظهره لهذه الأنظمة غير آبهٍ لنتائج هذه السياسات على الطرف “الموالي لهم” المغرر به وعلى شعوب هذه الدول، حينها فقط يتيقن الطرف المغرر به بأن هذا الدعم لن يأتي، وما هو إلا فقاعات فارغة، ووعودٍ من سرابٍ لا أكثر، فقد تعود الغرب خذلان الموالين له وتركهم ليواجهوا مصيرهم المحتوم المظلم، وهذا ما يجري في أوكرانيا اليوم، فها هم الغربيون يتفرجون على أوكرانيا بعد أن دفعوها دفعًا لمواجهة روسيا مكتفين بالتنديد والشجب وفرض العقوبات التي لن تنقذ الأوكرانيين من الغضب الروسي.
مساحة إعلانية
بشكلٍ مبسط يمكن شرحه ما يجري الآن بين روسيا وأوكرانيا على النحو التالي:
لنتخيل وجود مجموعة من الذئاب ومعهم أرنب في مواجهة دب ضخم شرس، وقد طلبت الذئاب من الأرنب الوقوف بوجه الدب، رغبةً من الذئاب بالتخلص من الدب، ووعدت الذئاب الأرنب بكل أشكال الدعم والمؤازرة في حال تعرض لأي ضرر من الدب، وبعد أن تجرأ الأرنب على الدب ووقعت الواقعة، نادى الأرنب الذئاب لنجدته من الدب، فكان رد الذئاب أنهم لا طاقة لهم على مواجهة الدب، وأنت أيها الأرنب لوحدك فتدبر أمرك مع الدب.
أختم بالقول أن الغرب لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي قريبًا، ولا يرغب بترك أي مجال للحوار والدبلوماسية بعد دعم أوكرانيا بالسلاح الذي قد لا يصل أبدًا، فالمقابل فإن الروس لم يكونوا ليقبلوا بسيطرة الغرب على أوكرانيا الملاصقة لهم على الإطلاق، وإن تطلب ذلك شن حرب عسكرية شاملة على أوكرانيا لمنع الخطر القادم من الغرب، فبنك الأهداف الروسي كبير، وقد لا يقتصر الأمر على منع أوكرانيا من الانضمام للناتو فحسب، وإنما سيمتد لإسقاط نظام الحكم الحالي في أوكرانيا، فيبدو أن روسيا هذه المرة لن تهدأ حتى تغير الكثير في أوكرانيا، وربما يمتد الأمر لدول أخرى غير أوكرانيا، ومن يدري ربما نرى نظامًا عالميًا جديدًا يطفو على السطح قريبًا.
مجدي الرشق
(الحرب الروسية على أوكرانيا – “الغرب يتفرج”)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
مجدي الرشق من الأردن. يعمل في القطاع الحكومي ولديه اهتمامات سياسية واجتماعية ورياضية (اهتمامات عالمية)، لذلك يرغب بعض الأحيان بالتعبير عما في داخله بكتابة المقالات.