قانون البيضة… والجمل!

السرقة (البيضة والجمل)

السرقة هي سلب ممتلكات الغير دون وجه حق، إما بالعنف والإكراه، أو بالتحايل على القانون، أو باستغلال منصب من أجل نهب أموال عامة، والاستيلاء عليها بطريقة أو بأخرى. ليبقى السارق هو لص له وسائله، والتي تكون إما بالعنف، باستعمال القوة والسلاح، أو بالسلطة واستعمال الورقة والقلم. ويكون الضحية إما شخصًا أو مجتمعًا بأكمله. (البيضة والجمل)

الجمل
Pushkar, Rajasthan, India

كما أن الأسباب تختلف، فهناك من يسرق لأنه يمتهن السرقة ويحتاج إلى المال، وهناك من يسرق ليزيد في أرصدته البنكية ويرفع من مكانته الاجتماعية رغم اكتفاءه المادي. وأغلب هؤلاء يستغلون مناصبهم إما في الإدارات العمومية أو الخاصة. حتى إن بعضهم يشغر مناصبًا عُليا يتقاضى عليها أجرًا كبيرًا. ولكن الجشع والطمع يُفقدهم القناعة، فتجدهم يرتشون وينهبون من المال العام خصوصًا في ظل انعدام المراقبة والمحاسبة.

وكذلك من يستغل وظيفة يتقاضى عنها أجرًا، ولا يقوم بواجبه أو يراعي ذمته في المهمة المسندة إليه، فهو يعتبر لصًا من فئة الخمس نجوم، لأنه يتهاون في أداء واجبه مع المواطنين، رغم أن ما يتقاضاه من أجر شهري هو من جيوبهم -أي المواطنين- على شكل ضرائب مباشرة أو غير مباشرة.

بالإضافة إلى أن هناك نوع آخر له امتيازات أخرى كاستغلال الثروات وشراء الأراضي والصيد بأعالي البحار ورخص البناء و.. و.. و.. بأثمنة بخسة، لمجرد أنه يمتلك حصانة من نوع ما، أو أنه نائب للأمة أو وزير أو حتى رئيس دولة. وأمثال هؤلاء غالبًا لا يحاسبون، ولا يخضعون للعقوبات في أغلب الدول، خصوصًا منها العربية. ليبقى القانون فقط على اللصوص العاديين الذين يعترضون سبيل المارة، إما من أجل سرقة هاتف محمول أو الهجوم على منزل لسرقة بعض من محتوياته. وهنا يتضح جليًا أن القانون يطبق بشدة على أمثال هؤلاء، في حين أنه لا يشمل من يسرقون أموال الشعوب والمجتمعات. وحتى إن شملهم، فهم مستعدون بالتضحية بكبش فداء منهم لإسكات الجماهير بسياسة ذر الرماد في العيون [1]كناية عن التضليل – المعاني..

إقرأ أيضاً:  حرية الضمير

المحاسبة والمسؤولية (البيضة والجمل)

لطالما سمعنا بهذا الشعار وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة. فعلًا هناك محاسبة لكل من ثبت استغلال منصبه من أجل نهب أموال عمومية، ولكن ليس هناك عقاب في أغلب الحالات. وحتى وإن كانت هناك عقوبات، فهي تكون مخففة، ويقضي السارق مدتها في غرفة الخمس نجوم بالسجن بامتيازات لا تتوفر للص العادي، رغم أن العقوبة هي نفسها، ولكن الفرق في نوعية السارق وعلاقاته ومنصبه.

إذن فالسبب الحقيقي وراء انتشار الفقر في مجموعة من الدول رغم توفرها على مصادر ثروة مهمة هو السرقة ونهب الأموال العامة، باستغلال المناصب صغيرة أو كبيرة؛ في حين أن مجموعة من الدول الغربية والأوروبية دخلت ركب التنمية من أبوابها الواسعة رغم قلة مصادر الثروة على أراضي بعضها. ولكن روح العمل الجماعي والمساهمة في بناء الوطن كل من موقعه وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة هو سبب تنميتهم. أما مسؤولينا وبعض موظفينا فينظرون إلى وطن انتمائهم كبقرة حلوب؛ يستنزفون حليبها دون أن يهتموا بها ويوفرون الكلأ والأكل لها.

لذا تجد العديد منهم يُهَرِّب الأموال إلى خارج بلاد إقامتهم، وتكديسها. وهؤلاء هم من يساهمون في تَفْقِير شعوبهم، وهم من يسرقون قوت الفقراء والمعوزين. ولكن أيادي القانون لا تطولهم، ليبقى القانون والعقاب حكرًا على اللصوص الصغار. أما الكبار منهم فهم أكبر حتى من القانون نفسه، وربما هم من يُعدلون بنوده حسب مقاسهم، لأنهم هم أنفسهم مراكز القرار.

من يسرق بيضة كمن يسرق جملًا

من يسرق بيضة ليس كمن يسرق جملًا، فسارق البيضة يُخَبِّئها تحت ملابسه وهو يمسكها، خوفًا من أن تنكسر فيراه الناس فيثير ذلك فضولهم. ويقولون في أنفسهم أن هذا الشخص ربما سرق شيئًا ويخبئه تحت ملابسه مخافة أن يراه أحد. ولكن سارق الجمل وهو أغلى قيمة من البيضة، يمر به بين الناس دون أن يعيروه اهتماما، ظنًا منهم أنه صاحب الجمل، ولكنه مجرد سارق للجمل. وهذا هو المعنى، فمن يسرق فردًا من الشعب ليس كمن يسرق شعبًا بأكمله، مع أن العقوبة هي فقط عقوبة السرقة بالنسبة لسارق البيضة أو الجمل، ولكن هذا الأخير ربما ينفعه جمله للهروب، ولكن سارق البيضة هو من يدفع الثمن.

لصوص الخمس نجوم

وهذا المبدأ هو ما يكرس الهيمنة الطبقية المبنية على علاقات اجتماعية مبنية على المصالح والزبونية والمحسوبية وتفضيل المصالح الخاصة على العامة، إنطلاقًا من المناصب والكراسي والوظائف. لأن أغلب من يشغرها –وأنا لا أعمم– بطبيعة الحال يسعى فقط إلى التفكير في كيفية الاغتناء السريع، ولو كان ذلك بالنهب والسرقة ونهج اقتصاد الريع، وعلى حساب مصالح عليا تهم الوطن والمواطن.

وما يُشجع أمثال هؤلاء على المضي في نهبهم غياب المحاسبة الجادة والمتجسدة في العقاب واسترجاع الأموال العامة. لهذا فكل دولة بها مثل هذه الكائنات البشرية التي تقف حاجزًا وعائقًا أمام التنمية الحقيقية التي يستشعرها المواطن البسيط في حياته اليومية، لم ولن تسير في ركب التنمية، وستزيد من ارتفاع الفوارق الطبقية الاجتماعية، لينتشر الفقر وتزيد نسبته بين المجتمع. إذن فبدون محاسبة وعقاب، لا تنمية ولا نجاح لأي مخططات تنموية، سواءً على المستوى القريب أو المتوسط أو حتى البعيد. وما دام نفس القانون يسري على سارق البيضة وسارق الجمل (مع إمكانية التخفيف أو العفو عن الأخير، وتشديد العقوبة على الأول)، ستظل التنمية حلمًا قد يأتي أو لا يأتي.

مع تحيات
سعيد لقراشي

 

إقرأ أيضاً:  إستخدام علم هندسة العمليات في القضاء على الفساد


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 كناية عن التضليل – المعاني.
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

للنساء فقط

الأحد يونيو 6 , 2021
تمت قراءته: 3٬534 كنت أبحث عن فكرة لأكتب عنها، فوجدت أن مَعين الأفكار أوشك أن ينضب، فقلت بما أن هناك كتب كثيرة تتحدث عن النساء، لماذا لا يكون لنا نحن الرجال كتابًا خاصًا بنا؟ وبما أنه كتبًا للرجال فقط تدرس نفسية المرأة باعتبارها ذات نفسية معقدة، لماذا لا نكتب كتابًا […]
متاهة عقل الرجل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة