الحضارة العربية الإسلامية في النظم و العلوم و الفنون

قدم لنا الكتاب مجموعة من الأهداف التي استطعت تلخيصها في مجموعة من النقاط الكبرى، مقدمة من طرف الدكتور إسحاق رباح والدكتور سليمان أبو سالم، فالكتاب يوفر مادة علمية ثرية حاولت تلخيصها في عرض موجز لأهم العناصر التي ناقشها الدكاترة وأعطى لها بنية متكاملة، ومرجعية فكرية يستطيع أي قارئ الاستفادة من فحوى المضمون الحضاري المبسط، والتي جمع في عنوان الحضارة العربية الإسلامية في النظم والعلوم والفنون.

كتاب الحضارة العربية الإسلامية في النظم و العلوم و الفنون
غلاف الكتاب – معين

تعد دراسة الحضارة العربية الإسلامية هي الدراسة الحقه لتاريخ الإسلام، لأن تاريخ الأمة هو تاريخ حضارتها وتقدمها في جميع مجالات وجوانب الحياة الإنسانية، خاصة في ميدان النظم والعلوم والفنون، ولما كانت حضارة الإسلام تمثل الدور الريادي والإنساني على مستوى العالم الإسلامي خاصة وعلى البشرية عامة، لان هذه الحضارة تفردت بخصائص وملامح وسمات بارزة عن بقية الحضارات السابقة واللاحقة، حيث يطلق على العرب لفظة الحضارة على المقيمون بالمدن ويقابلها على الضد منها مصطلح البداوة الذي يعني التنقل وعدم الاستقرار، وبذالك يربط بين الحضارة والملك أي بمعنى (الاستقرار والسيادة) ويعرفها أبو الأعلى المودودي فيقول: “إنما هي نظام متكامل يشمل كل ما للإنسان من أفكار وأراء وأعمال وأخلاق في حياتهم الفردية أو العائلية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية”.

و يقترن بكلمة الحضارة تسمية (العربية) أو (الإسلامية) أو كليهما معا (العربية الإسلامية) كوصف للحضارة ولا ريب ان استخدام لفظة (الحضارة العربية) إنما يشير إلى دور العرب القيادي ونهوضهم برسالة الإسلام.

مكونات الحضارة العربية الإسلامية

تشكل النظم العربية الإسلامية عنصرًا أساسيًا من عناصر مكونات الحضارة العربية الإسلامية الني يمكن إيجاز عناصرها بما يلي:

  1. النظم العقدية والدينية: وتشمل العبادات (الصلاة والزكاة).
  2. الجوانب الفكرية والثقافية: وتشمل العناية بدراسة العلوم العقلية والنقلية.
  3. النظم السياسية: تهدف إلى دراسة نظم الدولة.
  4. النظم المالية والاقتصادية: وتتناول مواد الدولة المالية من جزية وخراج وعشور وزكاة وغنيمة.
  5. النظم الإدارية: تنظيم الدولة وتقسيمها إلى عملات أو ولايات.
  6. النظم القضائية: وتبحث في أصول القضاء.
  7. النظم العسكرية: تبحث في تكوين الجيوش وتنظيمها.
  8. النظم الاجتماعية: تبحث في مكونات المجتمع العربي الإسلامي.
  9. التنظيمات المهنية: وتتناول نشوء الحرف المهنية والصناعات.
  10. الفنون العربية: وتبحث في فنون العرب قبل الإسلام مثل الزخرفة والخط العربي وهندسة البناء.

خصائص الحضارة الإسلامية

إن للحضارة الإسلامية خصائص متفردة تجعلها تتميز بملامح وقسمات بارزة، والسمة الأولى والأساسية التي تتميز بها الحضارة الإسلامية وهي الربانية، فهي المصدر والمنهج كما أنها تتميز بالشمولية لان مفاهيم الحضارة في الإسلام تبين لنا بأنها مفاهيم شاملة فضلا عن كونها خالدة، وهذا لأنها من خالق الكون وبارئه، قال تعالى(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك 14].

أما السمة الثانية وهي الأخلاقية، لان الأخلاق الرفيعة تعتبر ضرورة سلوكية لتكوين مجتمع التوحيد الأول، كما أن من سمات هذه الحضارة الإنسانية، لان الإنسان هو سيد الكون ومهندس الحضارة كما يخاطب الإسلام العقل ويحضه على التفكير في خلق الكون والوصول ما استطاع إلى شواطئ المعرفة ومراسي العلم، كما تتسم الحضارة كذلك بالواقعية والتسامح فالواقعية هنا نعني بها مراعاة واقع الكون من حيث الحقيقة ووجود الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، ومن جهة أخرى نرى أن الحضارة الإسلامية اتسمت بطابع التسامح وأتاحت مناخًا حرًا لإبداع العقول والقرائح دون تعصب ومصادرة.

إقرأ أيضاً:  تاريخ الفتوات في مصر القديمة - البداية و النهاية

مساحة إعلانية


النظام السياسي الإسلامي (الخلافة، الوزارة)

إن من ينظر في القرآن الكريم والسنة يظهر له أن الحكم في الإسلام يقوم على الشورى قال تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) [الشورى 38] وبعد ذلك نشأة الخلافة كضرورة اقتضتها الحالة الإسلامية قال تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء 59] حيث أن انتخاب الخلفاء الراشدين كان يتماشى مع الشورى التي جاء بها القرآن والسنة، ولم يحاول أحد من الخلفاء الراشدين أن يجعل الخلافة وراثية، وكان الخليفة عقب انتخابه يخطب بالناس مبينًا لهم منهجه في الحكم والسياسة التي اعتزم السير عليها.

وللموازرة والمعاونة جاء الوزير ليحمل الثقل على السلطان فلا بد له من الاستعانة بأبناء جنسه قال تعالى في حكاية نبيه موسى عليه السلام (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) [طه]، كما شهدت الحضارة الإسلامية عدة نظم أخرى في الجانب الإداري مثلًا نجد نظام الإمارة والحجابة والكتابة والدواوين، أما من جانب النظام القضائي في الإسلام فتشمل على المظالم والحسبة وفي النظام العسكري كان يمثله الجيش ثم الشرطة ونشأة أساطيل إسلامية بحرية.

الفنون – الحضارة العربية الإسلامية في النظم و العلوم و الفنون

اشتغل المسلمين بنقل وترجمة معظم الكتب الموسيقية واليونانية والهندية والفارسية فتناولوها كعادتهم بالدرس والتهذيب والزيادة حتى صارت فنًا متميزًا خاصًا بهم، وألفو فيه المؤلفات فضلًا عما اخترعوه من الآلات أو استنبطوه من الألحان التي لم يكن لها مثيل من قبل، كالآلة المعروفة بالقانون التي اخترعها الفارابي والتي ظلت إلى الآن كما هي، كما أنه كان المغنون من خيرة المثقفين ومن أحسن أهل الأدب، حيث تفنن الإسلاميين كذلك في الزخرفة والخط كفن قائم بذاته إلى حد الساعة.

العلوم – الحضارة العربية الإسلامية في النظم و العلوم و الفنون

انقسمت العلوم عند المسلمين إلى ثلاث حدود كل منها يكمل الآخر:

  1. الحد الأول: تمثل في العلوم النقلية كالعلوم الشرعية المتمثلة في (علوم القرآن والتفسير والقراءات) وعلم الحديث والسنة المتمثل في أنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة فكان القرآن ينزل على النبي منجمًا فيحفظه ويبلغه للناس ويأمر كتاب الوحي بكتابته في موضع كذا من سورة كذا، أما السنة فلم تدون في زمن النبي على النحو الذي كتب به القران، فلم يأمر النبي أحدًا من كتاب الوحي بكتابة حديثه وإن وجد من بعض الأفراد كتابة شيء من الحديث فذلك قليل وهذا راجع إلى أن عامة الناس لا يعرفون الكتابة وأنهم كانوا يعتمدون على ملكة الحفظ، وأهم نقطة وهي أنه قد يلتبس الأمر على بعض الناس وتشتبه عليهم الآية من القرآن بالحديث من كلام النبي، وامتازت العلوم النقلية كذلك بعلم الفقه وعلوم اللغة المتمثلة في الآداب والنثر والنحو.
  2. الحد الثاني: فتمثل في العلوم العقلية، كالعلوم الطبية المتمثلة في الطب والبيمارستان وعلم الصيدلة والعلوم الرياضية كعلم الحساب والجبر والهندسة وحساب المثلثات.
  3. الحد الثالث: فتمثل في العلوم التطبيقية المتمثلة في علم الهيئة، علم الكيمياء، علم الحيل، علم الطبيعة.

و في الأخير لا يسعني إلا القول بأن الإطار الروحي العقائدي كان له الأثر في صياغة هذه الحضارة من الإغراق المادي حيث أمدها بطاقات هائلة من السمو والمثالية هذا فضلًا عن المقومات الأخلاقية التي وجهتها لصالح الإنسان وأكسبتها مسحة خيرة وسعادة للبشرية في كل حياتها الدنيوية والآخروية، هذا إلى جانب انفراد هذه الحضارة عن الحضارات الأخرى بأنها أصولها النقلية خاصة ربانية المصدر لم تأت عن تطور لنظم سابقة أو معاصرة لها، لهذا جاءت هذه الدراسة مركزة على النظم الإسلامية أولًا ثم العلوم النقلية والعلوم العقلية والفنون ثانيًا، أما دراسة النظم فهي تعد أهم الدراسات التاريخية خاصة لأنها لم تنشأ مرة واحدة بل نشأت خلال فترات تاريخية تراكمية يعود بعضها إلى فترة ما قبل الإسلام والتي تأثرت بحضارات الأمم السابقة ولما جاء الإسلام أقر بعضًا منها لأنها انسجمت مع مبادئ الإسلام وقيمه.

قريبي خولة

(كتاب الحضارة العربية الإسلامية في النظم و العلوم و الفنون)

إقرأ أيضاً:  منهجية البحث في علوم الإعلام والاتصال بين الكم و الكيف


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الخوف من منظور توعوي إسلامي

الأحد أكتوبر 31 , 2021
تمت قراءته: 2٬833 الخوف لماذا يعترينا الخوف في كل جوانب حياتنا؟ لماذا نخاف من الفقر وقلة المال؟ لماذا نخاف أن نفقد وظيفتنا؟ لماذا نخاف من المستقبل ومن المجهول لنا؟ لماذا نخاف على أولادنا؟ لماذا نخاف من خيانة الشريك أو الصديق؟ لماذا نخاف؟ (الخوف من منظور توعوي إسلامي) إن الخوف جند […]
الخوف من منظور توعوي إسلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة