السحاب الأسود من خطورة التشدد في الحياة

قال الله تعالى “خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ” [37 الأنبياء] والإستعجال هو التسرع في الأمر بلا مشاورة العقل لأن العقل يعتبر ركيزة الإنسان في هذه الحياة “المتشدد” لا يقبل الحوار مع أي كان وهذا سبب تعجله بالأمر قبل فهم النص أو استخدام عقله في أيام الشدة ففهم النص يكون تابع للشرع الديني واستخدام العقل يكون تابع للمشروع الدنيوي. (خطورة التشدد)

السحاب الأسود من خطورة التشدد في الحياة
Campaign

فما هو هذا التشدد؟

إن التشدد هو التمسك بالحاجة دون التراجع عنها. نقول شد الرجل العصا بقوة، فالتشدد من الشدة وله نوعان تشدد ديني وتشدد دنيوي فالتشدد الديني يكون بالمبالغة فيه وتحريم ما أحل الله له والتشدد الدنيوي كالحرص على الحياة في جمع المال وعدم تذكر الآخرة وكراهية الموت ومن التشدد الدنياوي العمل والزواج والسكن.

 

وهذه أمثلة: (خطورة التشدد)

هناك شباب “بطالون” وإذا وجدوا عملا لا يعملون لأنه ذات مدخول ضعيف فيفضلون البقاء بلا عمل خيرًا من أن يعملوا ذاك العمل فهذا تشدد وكذلك الزواج لما كان أجدادنا وآبائنا ييسرون فيه كان سهلا على الجميع واليوم تشدد القوم فيه فأصبح الزواج شبه مستحيل نرى غلاء المهور مع شروط تعجيزية من كلا الطرفين وتكليف النفس مالا طاقة لها بهم تسبب هذا التشدد في العزوبة والعنوسة وحتى الطلاق للكثير من أبناء الأمة الإسلامية والعربية وأما السكن تنافس القوم على القصور فأصبح بناء السكن في هذا الزمان يعتبر إنجاز للمواطن لكن الحقيقة تقول أن السكن من حقه ومن شدة التمسك ببهاء البيوت تنوعت كل أنواع الديكورات للمنازل فهاهي الأسعار تلهب جيوب المواطنين في أمور لا منفعة لها قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتا يوشونها وشي المراحيل رواه البخاري في الأدب المفرد وأما التشدد الجائز هو على حكم الله وشرعه في الإسلام قال تعالى …..تلك حدود الله فلا تقربوها …البقرة 187 أي لها مقصودين وهما الطاعة والمعصية فمن ترك صلاته يجب أن يشدد عليه لأن عظم الصلاة كبير وفي المعصية الزاني والزانية يجب أن يجلدا ولا يتركا لهواهما وهذا التشدد يكون من الحاكم وليس من المحكوم فالناس عليهم أن يبلغوا وأن يتشددوا بالكلام لا بالأفعال إلا إن كانت لهم الولاية عليهم كالأبناء وهناك نوع من العصاة لا تليق مخاطبتهم إلا بالتشدد والخشونة معهم وهناك نوع من التشدد يسمى اللإرادي وهو عكس التشدد الإرادي فيأتي فجأة من كثرة التعنت فنقول مثلا شاب طلب من صديقه العون فرفض الصديق طلبه فألح الشاب عليه مرارا فتشدد الصديق برفضه من كثرة تعنت الشاب وهذا التشدد قد يكون بالصراخ وخشونة الصوت وهو لم يكن معتاد عليه من قبل هذا هو التشدد اللإرادي.

إقرأ أيضاً:  لين القلب مع طيبته في المجتمع

مساحة إعلانية


التشدد طريق إلى الطغيان (خطورة التشدد)

الإنسان يصل إلى مرحلة الطغيان بهذه الخطوات:

  • أولًا إذا وصل الإنسان المسلم إلى مرحلة تجاهل الموت ونسيان الآخرة وهذه أول خطوة وعلاجها بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لقوله زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة رواه إبن ماجه.
  • ثانيًا تمني الإنسان العيش الأبدي وتخطيط للمشاريع بعد سنوات كثيرة وأكبر خطأ هو منافسة من فاته في الرزق ونسيان بمن أقل منه رزقا فيتجاهل النعم التي هي عنده ويركز على نعم الله التي أنعمها على غيره.
  • ثالثًا يتمنى الإنسان المزيد من ماله بلا قناعة في الرزق قال صلى الله عليه وسلم لو أن لإبن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان …..رواه الشيخان.
  • رابعًا الغرور بفتنة المال والأولاد قال تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة…….التغابن 15 فيطغى الناس فكل شخص يرى نفسه خيرا من الآخر.
  • خامسًا يتجاهل البعض ممن آفاء الله عليهم بخيراته أن ينفق أو يخرج الزكاة فيقول كيف لي أن أعطي كذا وكذا وهذا من تعب جبيني وهي أفكار الشيطان له وهناك من كثر عليه المال فيسقط الزكاة كلية من حساباته لكن لا يعلم أن أمواله في قبره يكوى بها فيتقلب عليها يمينا وشمالا.
  • سادسًا هناك من يصل إلى مرحلة الكفر بعد هذه الخطوات كاملا فيقول مثلما قال قارون إنما أوتيته على علم عندي القصص 78 وهو إجحاد لنعم الله عزوجل في دنياه.

كيف تشدد بني إسرائيل على بقرة موسى عليه السلام قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) البقرة 67 الله عزوجل أمرهم بذبح البقرة بلا شروط لكن هم شددو في ذلك قال تعالى (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) البقرة 70 ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار رواه أبوا داود فجواب موسى عليه السلام كان وحيا إليه قائلا …..إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون 68 البقرة فتشددوا حتى جاءتهم الشدة بقوله تعالى …..إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين 69……إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها ……البقرة 71 وقد قيل أن البقرة ثمنها كان وزنها من الذهب والله أعلم قال صلى الله عليه وسلم مانهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فآتوا منه ما إستطعتم فإنما أهلك الذين من قبلهم كثرة مسائلهم وإختلافهم على أنبيائهم رواه الشيخان وعكس التشدد هي المرونة والإنسانية ومن أعطي الإنسانية والبصيرة فقد أعطي خيرا كثيرا

البخل والشح من التشدد أيضًا

الفرق بين الشح والبخل فإن البخل صاحبه لا يشتري ما يشتهيه وهو قادر عليه وأما الشح صاحبه يشتري لكن بالقليل مالا يكفي وهو قادر على الإكتفاء أو يشتري السلعة الرخيسة أو الفاسدة فشدته في المال بخل على نفسه وشح غليظ ومذموم وما الفائدة من مال بلا متاع فلا تهتم بما لا يهم فالأهم هو الإهتمام بنفسك اليوم.

الغضب هو قوة التشدد

فالغضب يزيد وينقص مثل الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فالغضب زيادته هي القلق ونقصانه بالإستيعاذة من الشيطان والإستغفار وقراءة الأذكار والقرآن الكريم وهو عكس الإيمان فالإيمان كلما زاد كان أحسن وأقوى وأما الغضب كلما نقص وانخفض كان أحسن والغضب مثل النار يشتعل فورا والمخدرات تزيده اشتعالا لأنها سم العقل والقلب معا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب رواه البخاري فالغضب يأتي بعده الندم ولهذا أقول نعم للسرعة لا للتسرع فالسرعة هي إستغلال الفرصة متى أتيحت لك أما التسرع فشعاره لا لإتخاذ القرار الخاطئ تندم عليه يوما ما ففكر قبل أي قرار تتخذه أنت ومن التشدد القومي هو أن تقول لفلان أنت من بلد كذا وأنا من بلد كذا أو أنت من منطقة كذا وأنا من منطقة كذا …….الخ وهذا تشدد له عرق بالوطنية والقبائلية وهو مثل الإحتقار فتجد قوما لا يتعاملون مع قوم بسبب هذا التشدد بينهم وهم أبناء وطن واحد تجمعهم راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.

(خطورة التشدد)

إقرأ أيضاً:  المدخل إلى الصراعات القلبية وما يحاك في الصدور

مساحة إعلانية


خطورة التشدد وسلبياته

فالتشدد في الدنيا يأدي إلى الطغيان والكفر والتشدد في الدين يأدي إلى الخروج على الطاعة من يد ولي الأمر أو الإمام أو الغلو في الصالحين وهو طريق لا خير فيه وكذلك إلى تكفير العصاة من الناس لي مقال يتحدث عن خوارج العصر لمن أراد مراجعته فهو بعنوان التعرف على طرق التطرف والإرهاب لحماية الشباب موجود في منصة كوبيراتيك العالمية التابعة لمجلة أميرة الكويتية
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) 105 المائدة فسرها أهل الضلال بأنها الجواز على الخروج من إمرة الحاكم الطاغية وفسرها أهل العلم بأنها جهاد النفس وإصلاحها وكمالها وإلزامها سلوك الصراط المستقيم فإنكم إذا صلحتم لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم راجع تفسير الشيخ بن ناصر السعدي رحمه الله على الآية تيسير الكريم الرحمن وكذلك يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه منه صحيح الجامع وهذا حديث صحيح ولا علاقة له بقتال الحكام لأنه يحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتشددهم بالآية والحديث تشدد خارج عن المألوف قال تعالى ……وكان الإنسان عجولا الإسراء 11 فيتعجل الإنسان المسلم للنص الشرعي والفهم الغير الموافق الكتاب والسنة وعدم الرجوع إلى أهل العلم جعل الناس تتشدد في الدين وهذه هي مشكلة العامة من الناس قال صلى الله عليه وسلم يخرج فيكم قوم تحتقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ……رواه الشيخان وهذا لكثرة تشددهم بالعبادة والدين قال تعالى أفنجعل المسلمين كالمجرمين 35 القلم.

هذا ردًا على من يتهم المسلمين بالإرهاب فيجب أن يفرق العالم بأن هناك مسلم موحد ومسالم ومسلم تكفيري سفاح والإسلام منه برئ ولهذا وجب تحذير شباب المسلمين بالحيطة والحذر من التشدد الذي هو طريق للإرهاب طبعا هي طامة كبرى

كيف نفرق بين متشدد ومتعصب؟

المتعصب لا يختلف عن المتشدد فهو يقبل النقاش لكنه لا يعترف بالأدلة ويسعى خلف نصر نفسه بأقواله التي لا يتراجع عنها أما المتشدد لا يقبل النقاش أو الحوار بحجة أنه يرى نفسه على الصواب دائما والجميع هم المخطئون والتعمق في الدين جزء من التشدد لأنه تعمق في المسائل العلمية التي سكت عنها العلماء ولم تفتح في عصر الصحابة رضي الله عنهم جميعا

وختامًا

إني أنصح عوام المسلمين بترك هذا التشدد والتمسك بنقاط قوة الإسلام الثلاث وهي التوحيد في كل شئ من عبادتك ودعائك وأقوالك والإخلاص لله من كل شئ حتى الكلمة الطيبة أخلصها لوجهه الكريم والصلاة قبل كل شئ وأحرص على وقتها وأنصحك بالتعلم العلم النافع لترفع الجهل عن نفسك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم شعيب ناصري

(خطورة التشدد)

إقرأ أيضاً:  فاحشة الزنا وخطورتها بين أفراد المجتمع الإسلامي


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

مبادئ الفلسفة الائتمانية (فلسفة طه عبد الرحمن)

الأربعاء ديسمبر 15 , 2021
تمت قراءته: 2٬144 مبادئ الفلسفة الائتمانية 1- ما الائتمانية؟ الائتمانية، حسب طه عبد الرحمن، هي التدبير على أساس مبدأ التشهيد [١] والإيمان بالغيب يجعل الحقائق الغيبية أنموذجا متعاليا يتم على أساسه تنظيم الشأن الدنيوي، أي جعل قيم الغيب الأصل في توجيه العالم الحسي والواقع، أو بعبارة ثانية، جعل ما ينبغي […]
مبادئ الفلسفة الائتمانية (فلسفة طه عبد الرحمن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة