تُعدّ الجراثيم من أكثر الكائنات الحية التي تحيط بنا، إذ أن صغر حجمها عادةً ما يجعلنا نقع في كيد خُبثها فتنتشر في ذاتنا مُخترقةً كلّ تصدّي من جهازنا المناعي. (باكتيريا حمض اللاكتيك في منتوجاتنا الغذائية)
و من الرّاجح أن كلمة “جراثيم” تجعل من الذهن أن يفكر فورا في كل ما هو سلبي كالسموم، العدوى، المرض إلى غير ذلك. فاقتران كذا أفكار بهاته الكائنات ناجم عن صراع طويل مع الأضرار المترتبة عنها.
لكن الله سبحانه وتعالى ما كان ليخلق كائنا حيا دون هدف، وما كانت الجراثيم لتكون استثنائا من جُلّ الكائنات الحية، فلكل له دورا محددا في الحياة. ودور هاته الأخيرة عادة ما يُدهَس وراء حقائق سُلط عليها الضوء لاجتناب الخطورة المرفوقة بها.
سنتحدث إذا في هاته المقالة عن أهمية الجراثيم، وبالتحديد، دور باكتيريا حمض اللاكتيك في صناعة موادنا الغذائية التي نتَقوّتُ بها في نظامنا الغذائي اليومي.
فما هي باكتيريا حمض اللاكتيك؟
الباكتيريا هي نوع من الكائنات الحية المجهرية التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، إذ يصل حجمها إلى 0.001 مم، مما يجعلها واسعة الإنتشار داخل مختلف الأوساط البيئية.
كما يُعرف أن باكتيريا حمض اللاكتيك تعجز عن إنتاج طاقتها من خلال التنفس باعتبارها كائنا لاهوائي، أي أنها لا تستطيع العيش في وسطٍ أوكسيجيني، فتعتمد على منهجية التخمير اللبني لتزويدها بالطاقة الأساسية للعيش من خلال تحويل سكريات الغليكوز إلى حِمض اللاكتيك. و بهذا سُميت باكتيريا حمض اللاكتيك.
دور باكتيريا حمض اللاكتيك في صناعة المواد الغذائية:
بعد الثورة الصناعية وتطور التكنولوجيا في عصرنا الحالي، لم تسلم صناعة الأغذية من تطور كان لا محالة له بعد إقبال كبير من المستهلكين عن مختلف أشكال الأغذية. بل أصبح المستهلك يضع قوانينا وشروطا لقبول المنتوج ولا يكتفي بما هو مستحسن.
و منه، فإن مصانع إنتاج المواد الغذائية قد اعتمدت تكنولوجيا احتياطية لهدف تحسين جودة الإنتاج وتسريع وتيرته، فكان من بين هاته الطرق: البيوتكنولوجيا باستخدام باكتيريا حمض اللاكتيك.
مساحة إعلانية
دور باكتيريا حمض اللاكتيتك في صناعة مشتقات الحليب:
تعتبر باكتيريا حمض اللاكتيتك من أهم ركائز صناعة مشتقات الحليب لكونه غنيا بسكريات اللاكتوز، ما يجعله وسطا غذائيا ممتازا لها. .
اللّبن:
الروائب أو اللبن هو شكل من أشكال مشتقات الحليب، ناتج أساسا عن تخثر الحليب بفعل تمسخ بروتينه الأساسي الكازيين عبر محايدة الشحنات الأيونية بفضل ارتفاع نسبة حمض اللاكتيك في الحليب.
زبدة الدهن:
لاعتبارها من أهم المنتوجات التي يقبل عليها المستهلك من مختلف أنحاء العالم، فإن خاصيات الزبدة الحسية ناتجة أساسا عن مركبات كالدّياسيتيل، استُخلصت عبر التخمر اللبني للغليكوز بفضل تدخل باكتيريا حمض اللاكتيك.
نذكر من أهم الباكتيريا التي تُستخدم صناعيا:
ستريبتوكوكيس دياستيل لاكتيس: من الباكتيريا التي عادة ما تُستخدم لإنتاج مركب الدياسيتيل الذي يميز الزبدة بنكهتها ورائحتها الرائجة بين المستهلك.
-اللوكونوكتوك سيتروفوريم أو لوكونستوك باراسيتروفوريم تعمل أيضا على إنتاج الدياسيتيل بالتعاون مع ستريبتكوكيس لاكتيس المسؤولة عن إنتاج الحموضة.
الجبن:
لا يمكن بتاتا التحدث عن الجبن دون ذِكر باكتيريا حمض اللاكتيك كونها من تُعرّف هذا المنتوج، بل إنها من تعطيه هويته.
فلكل استخدام لنوع من هاته الباكتيريا، ينتج عنه نوعا خاصا من الجبن.
دور باكتيريا حمض اللاكتيك في تعليب وحفظ الأغذية:
- الحموضة: تعد باكتيريا حمض اللاكتيك من الجراثيم البروبيوتيك، وذلك أن انتشارها في وسط مغذي وتكاثرها على حسابه يؤدي إلى إنتاج حمض اللاكتيك وبذلك نقص في حموضة الغذاء.
هذا النقصان في الحموضة يُحد من تكاثر باكتيريا التعفن والتي لا تستطيع التعايش في وسط حمضي، فكلما تناقصت الحموضة كلما نَقُصت هاته الباكتيريا إلى حين أن يصل مستوى الحموضة إلى 4، وهنا فإن باكتيريا حمض اللاكتيك بنفسها تتوقف عن العيش لنحصل على منتوج مستقر يُمكِّننا من المحافظة عليه لوقت طويل. - مضادات الجراثيم والميكروبات: حفظ الأغذية من خلال طريقة الحموضة قد لا تكون عملية حين نتحدث عن المصانع الكبرى التي تعمل على أطنانا من المنتوجات التي تحتاج الكثير من الوقت وكذا مراقبة مستمرة خشية إفساد الغذاء.
فيُستخدم بعض أنواع باكتيريا حمض اللاكتيك التي تتميز بإنتاج مركبات مضادة للميكروبات، مثل الأحماض العضوية، بيروكسيد الأكسجين، الباكتيريوسين. كما أن استخدام هاته المركبات قد أُكد على أنها خالية من كل أخطار ضد صحة الإنسان.
تم استعمال هاته الباكتيريا لإنتاج بعضا من المواد الحافظة الكيميائية مثل النيزين، التي تم استخراج خصائصها من لاكتُكوكيس لاكتيس، التي تستخدم خاصة في تعليب اللحوم. ثم هناك النتاميسين والتي تم إعدادها من خلال باكتيريا ستريبتوميس نتالينسيس، والتي تُستعمل عادة للحد من الفطريات في الجبن.
خاتمة:
اعتماد باكتيريا حمض اللاكتيك أصبح حلا لا مفر منه في مجال صناعة الأغذية، كما لا يمكن نكران فضل هاته الأخيرة لكل ما قدمته لتطوير وازدهار هذا المجال.
فبالرغم من ذلك، لا يمكن استبعاد الأخطار التي تَكمُن في استعمال هذا النوع من الكائنات الحية، فحتى لو بَلغت فوائدها سقف الغنى، فهي تبقى سيفا ذو حدين.
و لهذا، يجب الحرص على حُسن استخدامها واحترام المعايير العالمية التي وُضعت أساسا لتجنب كذا أضرار.
ملك رسموكي
أخصائية بعلوم وتكنولوجيا الأغذية
(باكتيريا حمض اللاكتيك في منتوجاتنا الغذائية)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
ملك رسموكي من مواليد غشت 2002 بالمغرب، أخصائية صناعة الأغذية، طالبة ماجيستير “التكنولوجيا و علوم التغذية” بجامعة محمد الخامس بالرباط.
بدأت مَلَك الكتابة منذ ست سنوات باللغات العربية، الفرنسية و الإنجليزية. فبالرغم من ميولها العلمية إلا أن فن التأليف و الأدب استهواها لتدوين عدة من القصص والمقالات التي تهتم بشتى المواضيع. تعشق ملَك المطالعة، البحث و دراسة التاريخ.