يعيش المرء في عالمنا الحديث أيامًا ثقالًا قد تجعل الحليم حيران نعم إنه زمن السرعة وعدم التروي في كثير من الأمور. وتدور الدنيا مسرعة من حولنا ومن لم يدرك اللحاق بها قد يظن أنه فقد الكثير. وعلاقة البشر بعضهم ببعض ربما تكون علاقة فاشلة فاسدة لأنها لم تقم في أيامنا هذه على الإنصاف بل غالبها إن لم تكن جميعها تقوم على التعصب فتكون الشيطنة أو الملائكية.
نعم أصبحت العلاقة حتى عند من ينسب للإلتزام يكون حجر زاويته التعصب إما لمذهب أو لشيخ أو لجماعة أو لمؤسسة.
وأصبح لسان حال الكثير إلا من رحم الله إما أن تتحلى بفكري فتكون من الملائكة أو لك رأي آخر فتكون من الشياطين وذلك ربما يمر مرار الكرام وأقول ربما لأنها أحكام دنيا وعند الله تجتمع الخصوم.
ولكن الذي يؤذيك ويضيق به صدرك أن تتعدى الأحكام الدنيا وتصل إلى الربوبية كأن يتحكم أحدهم في جنة أو نار ويدخل من يشاء في هذه ومن يشاء في تلك.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [سورة المائدة 8]
فانظر رحمك الله إلى كمال الإنصاف وعظمة القرآن وسماحة الإسلام إذ يوصي ربنا عباده المؤمنين بذلك الإنصاف حتى عند الخصومة وأن تكون الشهادة عادلة ولا يحملكم بغض قوم ألا تعدلوا بل إن التقوى التى هي المرجوة من جميع العبادات أن تكون عادلًا حتى في تعاملك مع خصومك.
موازين العلاقة
والعلاقة تختلف باختلاف أصحابها ولكن وجب أن تعلم أن الله لم ينهاك حتى عن مجاورة غير المسلم لعله يسمع كلام الله حتى ولو كان على الشرك.
فما بالك بمن لا يريد مجاورة المسلم لخلافات شخصية أو سياسية وينزل أحكام وأفعال على الأعيان وصاحب هذا الأمر لفي جهالة عظيمة إذ أنه فقد علم حق الإسلام وحق الجوار ولذلك كان الأمر من الله بالإصلاح بين القوم.
وكان الوصف من كلام سيد المرسلين بضعف الإيمان. حينما قال أنه لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه. ويروقني أن نُقعد قاعدة ونأسس لها في العلاقة بين الناس ولا أجد أجمل من كلام الإمام علي رضي الله عنه حينما قال:
أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما
وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما
فلربما هذا الذي كرهته لتعصبك أو اختلافك معه في رأي من الآراء ربما هذا هو نفسه الذي يعينك على نوائب الدهر ربما يكون هو السبب الذي يسببه الله لك ليأخذ بيدك للحق والخير يومًا ما فساعتها كيف تنظر لنفسك وكيف تسامحها.
فالأمر يحتاج لوقفة ومراجعة نفسك ومن لم تحبه فلا تكرهه وإن لم يكن لك في كل بلد حبيب فلا يكن لك في كل بلد عدو.
وعلى العكس هذا الذي أفنيت عمرك للدفاع عنه والعداء من أجله والرهان عليه فلربما يسببه ربك سبحانه وتعالى ليكون سببًا في شقائك. فلا يوجد على ظهر الأرض من يوالى ويعادي من أجل ذاته إلا رسول الله ﷺ وما خلافه فكل يؤخذ من قوله ويرد.
فاحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما
وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما
مساحة إعلانية
وما فائدة الخصومة (بين الشيطنة والملائكية)
ولو كان هناك عقل ووقف أحدنا مع نفسه وقفة خالصة لله أصلها الإنصاف بعيدة عن التعصب الذي يجعل من الخلق إما شياطين وإما ملائكة وعرف وفهم وأعتقد أن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله لَما أيد وفوض أحدًا على الإطلاق ولا نهر وابتعد وخاصم على الإطلاق وإنما كل بقدر.
فمن أحسن نتفق ونقول أحسنت. ومن أساء نقَوم وننصح ونقول أخطأت.
فلا أحدا صواب على الإطلاق ولا أحد خطأ على الإطلاق.
ولكن الشيطان يتدخل لأصحاب العنجهية والكبر والفجور في الخصومة ويوسوس لهم أن لا أحد يعلم علمهم ولا أحد يصل لفكرهم وهؤلاء تجدهم في خصومة حتى مع انفسهم. فالسماحة لا تعرف لهم طريق.
معظمهم لا يستطيع العيش بدون خصومة بدون أعداء حتى ولو أنه يصنع عدو لنفسه من مخيلته كي يرى لنفسه قدرًا وتكون له عند الخلق منزلة. وزمن النفحات والعطايا من رب الأرض والسموات لا يكون من المغفور لهم لأن خصومته لا تكون لله ولا لدين وإنما تعصب من أجل الدنيا. حتى ولو زعم أنه من أجل دين فيكون على خطأ وخطر عظيم.
وفي النهاية (بين الشيطنة والملائكية)
لا تشيطنوا الخلق ولا تجعلوا منهم ملائكة ولكن كونوا منصفين ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا.
فقول الحق ولو على أنفسكم هو أقرب للتقوى.
ولا تتعصبوا لأحد مهما كان إلا لرسول الله ولا تنسلخوا مما قرأتم وإنما اجعلوها قراءة تغيير، قراءة سلامة صدر ونظافة قلب. وإلا ما فائدة إضاعة الوقت في القراءة إن لم تستفد منها.
أسأل الله ألا يجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، وأن يخرج الأحقاد والأضغان من صدورنا.
اللهم اهدنا واهدِ بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى.
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
بين الشيطنة والملائكية
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.