بداية تاريخ الفتوات
قديمًا بمصر في أيام الجاهلية وما قبلها، كان في كل منطقة رجل قوي يحمي عشيرته ويتصدى لأي طامع يُمني نفسه بنهب الخيرات المختلفة، وهذه بداية تاريخ الفتوات قبل حتى إختراع الإسم.
ومع مرور الزمن وتحديدًا في عصر المماليك، مصر والقاهرة تحديدًا أصبح لها شكل واضح المعالم أكثر. صار هناك أحياء مثل بولاق أبو العلا وكرداسة والسبتية وغيرها، وكل حيّ به حارات، وكل حارة لها الشخص القوي الذي يحمي أهلها ورجالات الحارات المتجاورة يتبعون أقوى رجل في الحي، ويقال عليهم “مشاديد” له أي أعوانه من الرجال (يقال في العراك: أضربك واللي يتشددلك) وهذا مغزى المقولة.
والرجل القوي صار اسمه “فتوّة”، وعلى عكس مفهوم سائد في الأيام الحالية، أن وصف شخص بالفتوة يعني هو شخص “بلطجي” مثلاً! مصطلح بلطجي نفسه خاطئ!
أصل كلمة بلطجي
في الجيوش الفرنسية قديمًا كان هناك فريق من الرجال يحمل كل منهم بلطة لتكسير فروع الأشجار في الغابة، أو هدم العوائق المختلفة، وذلك لشق الطريق لبقية الجيش ليعبر في سلاسة!
ومن وظيفة هؤلاء الرجال أطلق على الواحد منهم “بلطجي” أي حامل البلطة، وترجع التسمية للأتراك، وخاصة للجيش العثماني قديمًا، فالإسم يتكون من شقين “بلط” ألا وهي البلطة، و “جي” وهي صفة المهنة، مثل سفرجي، مكوجي، بوسطجي..إلخ
من هو الفتوة؟
أما الفتوة فكان شخصًا من الأقوياء، أداته “النبوت” وهو غصن غليظ – عادة – من شجر الليمون، يُترك في الزيت المغلي فترة طويلة، ليترك ليونته المعهودة ويصبح أقوى. وكان الفتوة يحرص على إقامة العدل، فينصر المظلوم ويُجير الضعيف، ويأخذ من الغني ليُعطي الفقير. وبالطبع التصدي لأي عدوان على أهل “حتته”، وكان بمثابة البوليس الشعبي بمعرفة البوليس الرسمي للدولة.
موقف مشرف من تاريخ الفتوات
وكانت تبلغ الشهامة ببعضهم إلى حد التصدي للدولة ذاتها نصرة لأهل “الحتة”، مثل الحادثة الشهيرة من التاريخ.
ففي آواخر العصر المملوكي، فُرضت ضرائب جائرة على الشعب، وكان اسمها في هذه الفترة “إتاوات” أو “فردات” جمع فردة، وقد خرج فريق من الدولة يتبع الأمير (البرديسي) وقتها لجمع “فردة” جديدة، وحينما وصلوا لدرب مصطفى بالقرب من باب الشعرية، انهالت النساء عليهم بالمقشات وحلل الطهي هاتفات (إيش تاخد من تفليسي با برديسي)، وحينها تصدى فتوات الحسينية لهم وذهبوا لبيت القاضي وهددوه للضغط على البرديسي لوقف الإتاوة، وقد كان ذلك خوفًا منهم.
إنهيار تاريخ الفتوات المشرف
ومع الوقت بدأت الأخلاق في الفساد وتهاوت القيم، وصارت الإتاوة مبلغًا إجباريًّا يجمعه مشاديد الفتوة من أهل الحارة لحمايتهم، ومن ضيوف الحارة من التجار والحرافيش ليمروا من البوابات، ومن يتعذر عليه دفع الإتاوة يُمنع من الدخول للحارة، أو تصادر بعض أو كل ممتلكاته، أو قد يُعرض للضرب لو اعترض!
وقد برع نجيب محفوظ في رسم الحارة المصرية بأحداثها في روايته “الحرافيش”.
وصارت الفتونة مهنة ملوثة. كره الناس الفتوات الظالمين لظلمهم، لكن لم يقدروا عليهم لاقتناعهم الذاتي تدريجيًّا بضعفهم وقوة الفتوات بعد عدة محاولات فردية. وبعدها، مع أي اعتداء على الحارة من فتوة حارة مجاورة يرتمي الناس على أقدام الفتوة طالبين الحماية والأمان، لينهض الفتوة مزهوًا بنفسه، حاميًا الحارة ومطالبًا بعدها بما يشاء من المال أو الطعام أو البنات!! ومن يعترض يخرج عن دائرة حمايته، ويتعرض للسلب والضرب.
كره الناس الفتوّات ومع مرور الزمن اختفوا تدريجيًا، حتى صارت مهنة منقرضة في عصرنا الحالي.
أطيب التحايا،
محمد أبوجادالله
#أبوجادالله_يكتب
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
الكاتب مسئول عن كتاباته على منصة المقالة.
مساحة إعلانية
مهندس و كاتب و مصور فوتوغرافي من مصر، يعمل في مجال صناعة السيارات منذ عقد من الزمان، حاصل على العديد من الجوائز.