بسم الله و الحمدلله و الصلاة و السلام على محمد بن عبدالله النبي الأمي ،
أما بعد (تجريد أفكار العقاد من سيرته الذاتية)
مقدمة تعريفية :-
هذا المقال هو تجريد لأفكار العقاد التى بثها في كتابه المسمى ” أنا ” تحدث فيه عن ذاته و تفاصيل حياته .. كتب وألف العقاد ما يقرب أو يزيد عن مائة كتاب ومخطوطة ، و توفي في عام 1964 عن عمر يناهز 74 عامًا ..
و وجب التنويه أن المقال لا يحوي على جديد عن ما جاء في الكتاب ، فهي قصاصات و عبارات كنت قد دونتها أو ميزتها من بين صفحات الكتاب، وقد وضعتها في المقال كما هي دون تعليق أو تلفيق و دون تصريف أو تحريف .
تنفع من لم يطلع على الكتاب و تشوقه و تنفع من قرأه و تذكره …
والله ولي التوفيق .
(تجريد أفكار العقاد من سيرته الذاتية)
مساحة إعلانية
1- (أنا )
الكاتب الأمريكي ” وندل هولمز ” يقول : إن الإنسان – كل إنسان بلا استثناء – إنما هو ثلاثة أشخاص في صورة واحدة .
الإنسان كما خلقه الله .. الإنسان كما يراه الناس .. والإنسان كما يرى هو نفسه.. فمَن من هؤلاء الأشخاص الثلاثة هو المقصود بعباس العقاد؟!
ومن قال إني أعرف هؤلاء الأشخاص الثلاثة معرفة تحقيق أو معرفة تقريب؟!
2- ( ثلاثة أشياء جعلتني كاتبًا )
إنني أومن بكلمات التشجيع التي يتلقاها الناشئ في مطلع حياته ممن يثق بهم ويعتز برأيهم ، فيمضي إلى وجهته على يقين من النجاح.
و أومن بالظروف وفعلها في تمهيد أسباب النجاح ، وتيسير البدء في طريقه ، ثم المثابرة عليه إلى غايته القريبة والبعيدة.
و أومن بالرغبة في الوجهة التي يتجه إليها الناشئ، والعمل الذي يختاره ، ويحس من نفسه القدرة عليه ، والاستعداد له مع الاجتهاد ، و التذرع بالوسيلة الناجحة .
أومن بها مجتمعات، ولا أومن بها متفرقات .
أومن بالتشجيع والظروف والرغبة تتلاقى معاً ، وتتوافق في الخطوات الأولى… ولا أومن بها متفرقة يتيسر بعضها و يتعذر سائرها في مستهل الطريق .
3- ( هجرت وظائف الحكومة )
” الاستخدام رِقُّ القرن العشرين .”
كان هذا عنوان مقال كتبته في ” الجريدة ” حوالي سنة ١٩٠٧ وأنا في وظيفتي الحكومية ، وكنت يومئذ على أهبة “الاستعفاء” منها للاشتغال بالصحافة …
ومن “السوابق ” التي أغتبط بها وأحمدالله عليها أنني كنت – فيما أرجح – أول موظف مصري استقال من وظيفة حكومية بمحض اختياره، يوم كانت الاستقالة من الوظيفة والانتحار في طبقة واحدة من الغرابه ، وخطل الرأي عند الأكثرين، بل ربما تكون حوادث الاستقالة أندر من حوادث الانتحار …
… كنت أومن كل الإيمان بأن الموظف رقيق القرن العشرين.
4- ( لماذا هويت القراءة )
كلا … لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحاسب…
وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا ،وحياة واحدة لا تكفيني ،ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة .
والقراءة دون غيرها هي التى تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد؛ لأنها تزيد هذه الحياة نت ناحية العمق ، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب…
فكرتك أنت فكرة واحدة…
شعورك أنت شعور واحد …
خيالك أنت خلال فرد قصرته عليك …
ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فطرة أخرى، أو لاقيت بشعورك شعوراً آخر ، أو لاقيت بخيالك خيال غيرك .. فليس قصاري الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين أو أن الشعور يصبح شعورين ، أو أن الخيال يصبح خيالين …
كلا… إنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات الفكر في القوة و العمق و الامتداد.
و المثل في ذلك محسوس في عالم الحس و المشاهدة ، ومحسوس في عالم العطف و الشعور.
ففي عالم المشاهدة يجلس المرء بين مرآتين فلا يرى إنسانا واحداً أو إنسانين اثنين ، ولكنه يري عشرات متلاحقين في نظره إلى غاية ما يبلغه النظر في طل اتجاه .
(تجريد أفكار العقاد من سيرته الذاتية)
مساحة إعلانية
5- ( الكتب المفضلة عندي)
ومن جهة أخرى فإن الكتب طعام الفكر ، وتوجد أطعمة لكل فكر كما توجد أطعمة لكل بنية ،ومن مزايا البنية القوية انتا تستخرج الغذاء لنفسها من كل طعام ، وكذلك الإدراك القوي يستطيع أن يجد غذاء فكريًّا في كل موضوع .
وعندي أن التحديد في اختيار الكتب إنما هو كالتحديد في اختيار الطعام، وكلامها لا يكون إلا لطفل في هذا الباب أو مريض ، فاقرأ ما شئت تستفد إذا كان لك فكر قادر أو معدة عقلية تستطيع أن تهضم ما يُلقى فيها من موضوعات، وإلا القابلية حكمًا فيما تختار ؛ لأن الجسم في الغالب يغذيه ما نشتهيه .
ولا تغني الكتب عن تجارب الحياة، ولا تغني التجارب عن الكتب؛ لأننا نحتاج إلى قسط من التجربة لكي نفهم حق الفهم، أما أن التجارب لا تغني عن الكتب؛ فذلك لأن الكتب هي تجارب آلاف من السنين في مختلف الأمم و العصور ، ولا يمكن أن تبلغ تجربة الفرد الواحد أكثر من عشرات السنين .
6- ( عرفت نفسي )
لقد علمتني الحياة أن الناس تغيظهم المزايا التي ننفرد بها ،ولا تغيظهم النقائص التي تعيبنا، وأنهم يكرهون منك ما يصغرهم لا ما يصغرك ، وقد يرضيهم النقص الذي فيك ؛ لأنه يكبرهم في رأي أنفسهم، ولكنهم يسخطون على مزاياك؛ لأنها تصغرهم أو تغطي على مزاياهم …
فبعض الذم على هذا خير من بعض الثناء، لا بل الذم من هذا القبيل أخلص من كل ثناء؛ لأن الثناء قد يخالطه الرياء. أما هذا الذم فهو ثناء يقتحم الرياء.
7- ( عرفت طريقي للنجاح )
أول هذه الأسباب الرغبة الصادقة في النجاح ، فإنني لا إخال أحدًا ينجح في عمل لا يرغب في نجاحه.
ويلي هذا السبب الأول أن يُعنَى العامل بعمله لذاته ، لا للنتيجة التي يترقبها من ورائه، سواء كانت ربحًا من المادة أو شهرة على الألسنة او وجاهة في المجتمع أو التاريخ.
..
وسبب لا يقل عن الرغبة الصادقة والعمل للعمل لا للنتيجة المترقبة منه هو الثقة بالنفس والاستخفاف بالعقبات، وبإنكار المنكرين عن جهل أو عن حسد ، أو تباين في الرأي والخليقة .
..
ومن الحق أن أتبع هذا بالتفرقة بين النجاح و تحقيق كل ما يراد ، وكل ما يرجوه المرء من نفسه و يرجوه عنه الناس.
فما من أحد يحقق كل ما يريد وكل ما يُراد منه ، وإن كان أنجح الناجحين ، وإنما يُقاس النجاح بما أستطيع فعلًا ، وبما يُستطاع حقًّا لو اتسع الوقت وأسعدت الظروف.
(تجريد أفكار العقاد من سيرته الذاتية)
مساحة إعلانية
8- ( تعلمت من أوقات الفراغ )
أوقات العمل تملكنا …
ولكننا نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد ، فهي من أجل ذلك ميزان قدرتنا على التصرف ، وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله ، وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة …
فالذي يعرف قيمة وقته يعرف قيمة حياته، ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب ؛ لأن مالك وقته يملك كل شيئ ، ويصبح في حياته سيد الأحرار.
إن أفرغ الناس هو الذي لا يستطيع أن يملأ ساعات فراغه ، وعندنا في الشرق كثيرون، بل كثيرون جدًا، من هؤلاء الفارغين.
على القهوات، وعلى أفاريز الطرقات، في الصباح و في المساء ،خلال أيام الصيف و خلال أيام الشتاء …
في كل وقت و في كل موسم وكل مكان ألوف الشبان الأقوياء والرجال الناضجين يقضون ساعات الفراغ في لعب النرد و الورق ،أو في تعاطي الراح أو الدخان ،أو في مراقبة الغاديات و الرائحين و الرائحات.
ليس هذا وقتًا فارغًا لأنهم مشغولون فيه ، وليس هذا وقتًا مملوءًا لأنهم يملأونه بما أهو أفرغ من الفراغ .
هذا ليس بوقت على الإطلاق…
هذا عدم خارج من الزمان ،خارج من الحياة!
وليس معنى “وقت فراغ ” أنه الوقت الذي نستغني عنه ونبدده ونرمي به مع الهباء ،ولكن وقت الفراغ هو الذي بقى لنا لنمكله ونملك أنفسنا فيه ، بعد أن قضينا وقت العمل مملوكين مسخرين لما نزاوله من شواغل العيش وتكاليف الضرورة .
****
( ماذا نتعلم من ساعات الفراغ ؟ )
نتعلم منها كل شيئ ولا نتعلم من الحوادث أو الكتب أو الأعمال إلا احتجنا بعده أن نتعلمه مرة أخرى في وقت فراغ …
فالمعارف التي نجمعها من التجارب و الكتب محصول نفيس ،ولكنه محصول لا يفيدنا ما لم نغربله ونوزعه على مواضعه من خزائن العقل والضمير …
ولو تتيسر لنا هذه الغربلة ، وهذا التوزيع في غير أوقات الفراغ.
إن معارف التجربة و الاطلاع زرع في حقله ينتظر الحصاد والجمع والتخزين، ولا فائدة للحرث والسقي و الرعاية ما لم تأتِ بعد ذلك ساعة التخزين …
وهي ساعة الفراغ …
ساعة هي ألزم لنا من ساعات العمل؛ لأن العمل كله موقوف عليها في النهاية ، فلا ثمرة لأعمال الحياة بغير فراغ الحياة .
(تجريد أفكار العقاد من سيرته الذاتية)
مساحة إعلانية
لابد من فراغ !
ولا بد من فراغ نحفظه !
والفراغ الذي نحفظه هو الذي يحفظنا؛ لأننا نستخلص منه خير ما ندخره من غربلة التجارب والمعارف و العظات .
9- ( فسلفتي في الحياة )
أما الواقع الذي أعلمه من نفسي هو أن الطبع أغلب هنا من التطبع …
فلم أشعر قط بتعظيم إنسان لأنه صاحب مال ، إن لم يكن أهلًا للتعظيم بغير مال …
ولم أشعر قط بصغري إلى جانب كبير من كبراء الثراء ، بل شعرت كثيرًا يصغرهم حيث يستحقون التصغير …
***
وفلسفتي في العمل تتلخص في أصول ثلاثة هي :
قيمة العمل فيه …
وقيمة العمل في بواعثه لا في غاياته …
وأساس العمل كله النظام …
فإذا عملت شيئًا له قيمته ، فثق أنها قيمة ” محفوظة ” لا ينقص منها قول منكر ، ولا يزيد فيها قول معترف …
***
فلسفة حياة في بضع سطور : غناك في نفسك ، وقيمتك في عملك ، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك ، ولا تنتظر من الناس كثيرًا …
10 – ( الحياة .. هل هي جديرة بأن نحياها ؟ )
… فليس من الضروري أن تكون شروطك كلها منجزة بين يديك في كل ساعة ؛ لأن الحياة ليست ساعة واحدة، وليست يومًا واحدًا ،وليست سنة ولا بضع سنوات …
11 – ( اعترافاتي )
…،فلا أملُّ الوحدة- وإن طالت – بغير قراءة و لا تسلية ،ولا أزال أقضي الأيام على حدة ؛ حيث يتعذر على الآخرين قضاء الساعات و اللحظات.
.. فليس كل انطواء كبتًا للنفس ،أو كتمانًا لسر من الأسرار الخفية، وهناك فارق كبير بين السكوت خشية الكلام ،والسكوت لأنك لا ترى حاجة إلى الكلام .
فإذا سكت الإنسان خاشيًا فهنالك عقدة نفسية ، وإذا سكت الإنسان لأنه لا يشعر بالحاجة إلى الإفضاء والتصريح فلا عقدة هنالك، ولا كتمان.
وقد تعودت أن أقول ما أريد حين أريد، فلا أعكف على العزلة كبتًا ولا حذرًا ، ولا أحس التناقض بين الانطواء والاستراحة من آفات الكبت والعقد النفسية .
.. ولا أطالب أحدًا بجميل؛ لأن جميلي سابق لكل جميل، ولكنني لا اعترف كذلك بأنني لا أطيق التواضع الكاذب ، الذي هو رياء في المتكلم ، وغفلة في السامع ، فإذا بخسني الباخسون حقًّا فدعواي إذن أمام ضميري لا يزعزعها إجماع الخافِقَين.
أعترف بأني أحب الشهرة و الخلود، ولكنني اعترف كذلك بأنني لا أطلبهما بثمن يهيض من كرامتي ،..
الخاتمة :-
ختامًا أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا ..
و أسأله أن ييسر لي إتمام هذه المجموعة من المقالات التي يأتي في مقدمتها هذا المقال أُلخص فيها الكتب النافعة في عبارة جامعة من أصل متن الكتاب دون تحريف في مقال خفيف .
جمعه و اعتنى به الفقير إلى رحمة ربه /
شهاب أحمد قرضى (ابن قرضى)
تحرير /
الأربعاء ،١٧ مايو
(تجريد أفكار العقاد من سيرته الذاتية)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
شهاب أحمد قرض من مصر. هو صديق الكتاب ورفيق المعرفة وحامل الحق الثقيل فوق ظهره ومُحمل بآراء قد تُزعج البعض!