صلاح السعدني.. فيلسوف الفن

يصادف هذه الأيام ميلاد الفنان القدير صلاح السعدني الذى توارى عن الأنظار منذ سنوات لذا فنحن نجوب القنوات التلفزيونية باحثين عن فناننا العظيم الذي ترك خلفه إرثا كبيرًا من الأعمال المتميزة، لم يكن فحسب فنان يقوم بأداء دوره الفني ببراعة لكنه كان لديه فلسفته الخاصة التي تحول أى شخصية يقوم بتجسيدها إلى واحدة سهلة وبسيطة كضحكته اللامعة البراقة التي لا تنم سوى عن شخصية مثقفة ليست كغيرها ممن امتهن ذاتها المهنة.

صلاح السعدني
صدى البلد

عندما علمت منذ سنوات أنه سوف يتم كتابة الجزء السابع من مسلسل ليالى الحلمية ازدادت غبطتي ثم توقفت متعجبة هل سيعود الفخرانى لدور الباشا بعد مرور كل تلك السنوات بل هل سنرى سليمان غانم من جديد في عمل لن يكتمل سوى بهيكله الأساسي دون ذلك سوف يصبح مثلما تابعنا على الشاشات مجرد مسلسل ليس له علاقة بتحفة أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ فلم يكن سليمان بخفة ظله وشخصية لم ولن يتم الوصول إليها من ذى قبل.

محطات كثيرة قام باجتيازها ببراعة، لم يلوى أحدهم ذراعه ذات يوم فهو يجسد ما يحلو له كأنه يحمل مخططًا لمستقبل وحده يعلم مذاقه الخاص. كانت بدايته بمسلسل “بابا عبده” لتتضح لنا ملامح شخصيته المؤثرة ثم يقوم بالتمرد على حلم كل فنان وهو السينما من أجل ذلك الخط القوي الذي يسير عليه بتعقل، حكمة وتفرد ليعبر كل الأسماء بذكائه المعهود ويستحوذ على منطقة لا ينازعه عليها أحدهم من عمالقة الفن فيبدع بدور “أرابيسك”. يكسر القاعدة فالبطل دومًا ما يكون هو صاحب القيم الذى ينقصه العصا طوال العمل، فيقوم بعمل تركيبة البشر الطبيعية لنجد أنفسنا أمام أسطورة حسن أرابيسك بانسانيته، جنونه، طموحه وأخطائه.

لم يتوقف السعدني عند هذا الحد ولم يكرر ذاته بشخصية أرابيسك فسرعان ما اقتلعها ليربح الرهان من جديد بعمل تليفزيوني أقوى فتابعنا سويًا مسلسل “حلم الجنوبي”، كيف لفنان أن يغير جلده بسرعة وسهولة كالعمدة، أقنعنا بدوره الصعيدى وقصته المشوقة التى أخبرتنا الكثير عن تراثنا الحضاري، تاريخه لم يتوقف بل استمر لسنوات وهو يعبر الحواجز برشاقة وذكاء يحقق الصعب وهو مبتسم رصين، حتى كانت أدواره البراقة “رجل فى زمن العولمة، للثروة حسابات أخرى، الباطنية، وغيرها” كثير من الأعمال المتنوعة التى أمتعنا بها طوال عمله الفنى.

لازلنا نتابع أعماله الرائعة لكن يجب علينا وقفة مع مسلسل” الأصدقاء” وهو يبدع بأداء دور العالم المصرى بكل تفاصيله، فهو يحمل العبقرية ومعها صورة طفل كبير، تنقل بين جنبات الدور بسلاسة وانطلاق حتى كانت دموعنا بالحلقة الأخيرة وهم يغتالون عالمنا المصرى، لم تكن سوى دموع صادقة بحجم صدق الدور الذي قام بأدائه صلاح السعدني بحب وتعقل كبيرين.

توقفت كثيرًا عند آخر أعماله وأنا أتابعه عن كثب فهو لا يزال يفعل الكثير، رأسه الناقدة لا تتوقف فها هو سيناريو جديد بفكر جديد مختلف وصادم للجمهور بذات الوقت “القاصرات” زواج فتيات صغيرات بعمر الزهور وكيف يقوم باجتذابهم. كانت قصة صادمة للجميع لكنى استقبلت اختياره باعجاب كبير فهو كما هو متميز يجوب بين “الحواديت” ليخرج لنا أمتعها لتبقى اسطورته الرائعة التى قام بآدائها بأواخر التسعينات وهى “المراكبي” كم كنت عظيمًا أستاذي وأنت تدخل بتلك الشخصية المهمشة التى تشبه كثيرين ممن لفظتهم الأرض بعيدًا، أراه دوري المفضل كيف لأحد أن يخلط الأداء الهزلى مع التراجيدي بهذه الكيفية!

كنت ومازلت فناني المفضل الذي تتمثل به كل الصفات التى يجب أن يتقيد بها الفنان من ثقافة، علم، أخلاق وموهبة، فنان لن يختلف عليه الكثيرين فيبقى مؤثرًا بكم الروائع التى قدمها وكم القضايا التي قام بطرحها بكل جرأة فيظل هو “السعدنى” أقصد صلاح السعدني. فيلسوف الفن الراقي.

نهى إبراهيم عيد

(صلاح السعدني)



لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

لماذا يقضم بعض الأطفال أظافرهم؟

الخميس نوفمبر 4 , 2021
تمت قراءته: 1٬312 قد نُشاهد أشخاصًا بالغين، وبخاصة أيام الإمتحانات النظرية والشفهية، والمواقف المُتسمة بمظاهر قلق وتوتر وهم يقضمون أظافرهم. فضلًا عن شيوع هذه المشكلة عند الكثير من الأطفال. فما أسبابها، وأعراضها، وسبل التعامل معها؟ (لماذا يقضم بعض الأطفال أظافرهم؟) مشكلة قضم الأظافر (وقد ترتبط بمص الإبهام، وحك الأسنان ببعضها، […]
لماذا يقضم بعض الأطفال أظافرهم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة