وكعادة السفر تسمع به الكثير من الحكايات خاصة وإن صادف حظك رفقاء، ومع كل حكاية ترتسم آمال وآلام البشر فى مشهدية الحكي. وفى طريقك تمسك كلماتهم وانفعالاتهم فتحيا معهم حكيهم وتغوص بين ضحكاتهم وأدمعهم، ولعل فى حكى بعضا منها مواساة لبعض قلوبنا العالقة بالدنيا. حكايات طريق (الجزء الأول)
الحكاية الأولى: زواج ذكر – حكايات طريق (الجزء الأول)
فى هذه المرة كان الرفقاء يتحدثون عن فرح صديق لهم، هذا الذكر والذى منه الكثير ببلاد العرب تزوج المرة الأولى من الإسكندرية وأنجب ولد ثم قرر الزواج بأخرى وترك الزوجة والولد لأنه شعر بملل!
عادت الزوجة إلى أهلها ولا يعلم هو شئ عنها أو عن ابنه فلا يهم عنده كيف يعيشون. ثم تزوج الثانية من العراق، فقد جلس يبحث على صفحات الفيسبوك عن ضالته كما قال لتنسيه الملل، وبعد سنة أرسلها لتزور أهلها وبمجرد وصولها اتصل تليفونيًا ليرمي اليمين -على حد قولهم- وكأن حدود الله وشرعه أمر يُرمى ويُدبر له، فلم يكن ما أظهر من رقة سوى خطة ليجعلها تترك كل ما هو حقها ليأكله بالحرام والعادات والتقاليد التي يبرأ منها شرع الله.
وجاءت المرة الثالثة ولا تدرى كيف لمثل هذا أن يؤتمن لمرة ثالثة! ولكن فى وسط مجتمع لا تملك فيه المرأة إلا أن تكون سلعة لدى ذكور لا ترى خطأ من شابهها بل وتبرر له حدثت المرة الثالثة، ذلك الذكر الذي قرر بيع ابنته اشترط للزواج أن يوقع الذكر العريس على وصل أمانة ويدفع مهر وقدره، وكأن هذا هو ما يحمي ابنته فهو ببساطة يبيع ابنته لذاك الشخص الهوائي بالمال.
وفى مجتمع لا يُجرم الذكر ولا يُعلى شأن الرجال الحقيقيين ينتشر النوع الأول ويندثر الرجال ثم نتساءل لماذا تندثر أخلاق الرجال في مجتمعاتنا؟
الحكاية الثانية: أنثى وحق – حكايات طريق (الجزء الأول)
دائما ما أكون ضد فكرة التعميم لوصف البلاد فلا يوجد ما يسمى هذه بلد “حرامية” أو تلك مدينة “بلطجية” أو قرية كريمة وأخرى بخيلة، ورغم تعريف التعميم بأنه لايعنى الجميع بل الأغلبية فقط ولكنك إن قابلت أحد سكانها لن تستطيع منع ذكر صفة بلاده والصادم أن تُقابل شخص ظلمته الأيام وولد فى أحد تلك التى تحمل صفة سيئة.
وهذه حال تلك المرأة التى جاء حظها فى قرية يٌقال عنها “بلطجية وحرامية حتى الشرطة بتخاف تنزلها”.
تزوجت هذه المرأة من رجل طيب أراد أن يبتعد ببيته من أجواء تقتل نفسه وأسس أسرة صغيرة فى القاهرة ملجأ كل من أراد التحرر، ولكن القدر لم يمهله فى حلمه وأصيب بمرض يحتاج لعلاجه التردد على القاهرة بشكل دورى بمبالغ متكررة أو البقاء فيها والعمل قدر المستطاع على الأقل سيقلل ذلك من مبالغ الانتقال الدورى.
وكأنثى اعتادت الاستئذان قبل التصرف طلبت مساعدة والد الزوج فهو يملك الأراضى والدخل ولكنه لن يعطيهم أى مساعدة فكما قرر الابن السفر للقاهرة قرر الأب ألا يساعده، وأصبحت بهذا فى الحياة وحيدة.
ولأنها قوية كما اعتادت تحملت مع زوجها وذهبا للقاهرة لضمان أفضل علاج ولتُصبح سنده الوحيد من الحياة.
عشر سنوات كبرت بها الأسرة وأصبح لهم طفلان وظنت أنها وأخيرًا استقرت حياتها وكم كان فخرها بقدرتها على الصمود ولكن الأقدار أبت أن تجعل من الابتسامة لها صديق ومات الزوج.
كانت تحيا بدخلها البسيط سعيدة تقاوم كل شئ ببسمتها وجاءت وفاة الزوج لتضيف لها عبء جديد يسمى الميراث وما أدراك ما الميراث فى مثل هذه البلاد، ورثت بأبنائها أراضي كانت فى الأصل ميراث الزوج من أبيه وكان مجرد وجوده فى الحياة يضمن لها ولأسرتها دخل تلك الأراضى وبمجرد وفاته وضع أخوته أيديهم على كل شئ.
– “ملكيش حاجة عندنا”
— “كيف ذلك وأنا أم لطفلين ولد وبنت!”
– “اعملى اللى تقدرى عليه هو ده كلامنا”
لتجد أسرتها الصغيرة فى مهب الريح فى بلاد تخشى الشرطة دخولها ويخشى أخوتها مساندتها لأنها أنثى!
ثم يكبر طفل صغير ليأخذ بثأره ويتسائل المجتمع لماذا لا تحل مشكلة الثأر في بلادنا!
أعطوا الحقوق تأمنوا الروح.
الحكاية الثالثة: خاص وفقط
وإذا ما حدثتهم عن أهمية الخصوصية سمعت ما لا يُرضيك ولكن فى تلك القصة ما يجعلهم يقدسونها. علمت زوجة بخيانة زوجها مع صديقتها والتباهي “بقرطستها” [1]خداعها بين القريبين منه كالمعتاد من القصص ولكن الدليل اليوم كان جزء منه رسائل التواصل الإجتماعى فقررت أن تنتقم بطريقتها الحديثة جدًا.
سجلت في إحدى تلك المجموعات التى تنتهك كل الخصوصيات وتحكى فى كل الدواخل بحجة الفضفضة بين النساء وعلى ما يبدو لم يكن ذلك هدف تلك المرأة، بل اعتبرته انتقام مستحق.
كتبت “بوست” تحكي فيه قصة خيانة زوجها وصديقتها، وإلى هذا الحد ربما تكن فضفضة، لولا أنها “منشنت” الصديقة فى البوست وكم هو جلي هدف هذا “المنشن” وقد تحقق فلم تبخل أى مارة بكل ما تملك من الإهانات للصديقة.
إلى هنا كان الأمر جرس إنذار لجروبات الفضفضة وهنا قررت الصديقة وضع بصمتها الخاصة و”منشنت” الزوج ليجد الزوج نفسه فى ملتقى إهانات متعدد الجنسيات بفضيحة أخلاقية تجوب الشعوب.
هنا فقط اعترف الزوج بمعنى الخصوصية وأنه لا يجب حكاية أسرار بيوتنا على المقاهي تارة ولأخيه وأمه وأخته تارة أخرى فقرر أن يُنهى تلك الفضيحة بأن يُطلق زوجته فى نفس البوست عقابًا لها على إفشاء الأمر!
وبالطبع فى مجتمعنا كانت الزوجة مخطئة بالفضفضة ولم يكن هناك أى عيب فى فضفضة الزوج لأنه ببساطة “مفيهاش حاجة يعنى لما يحكى لكل أهله أزاى بيقلل من زوجته لكن فيها كتير لو هى حكت خيانته”!
الحكاية الرابعة: ذات العيون الرمادية
ذات العيون الرمادية. تلك الجميلة التى لا تسعى إلا لعمل بسيط يملأ حياتها، وأسرة صغيرة تملؤها بحنانها.
جلست فى هدوء شديد وولع بطعامها تستمع لزملائها في العمل ينتقدون يستنكرون ويحلمون بما يستحقون، كانت توزع نظراتها فى مؤازرة لكل ما يهمسون ويتهامسون به ولكنها على عكسهم تلمح الرضا والسكينة من عينيها الجميلتين.
لن يُبعد عيناك عن عيناها إلا تدخل أحدهم لينزع طمأنينة سريرتها مباغتا ذلك الهدوء الكونى ليسألها “ما رأيك؟”
لكنها تتمسك بكيانها بكل قوة وببسمة جميلة -لا تناسب مطلقًا ما يبغون منها- نظرت لهم قائلة: أنا أحب ذلك المكان كالسمكة لا أستطيع البعد عنه. وإبعادي عنه قتل مع سبق الإصرار، أتعلق بكل ما يحوي، حائطه وكرسيه له لدي مكانة عظمى، أعشقه رغم كل شيء وأي شيء فهو أول فرحة عمل لي، ربما لستم مثلي ولكني أيضًا لست مثلكم.
ربما ليست مثلهم ولكنهم لن يتركوا حقها يومًا فهم ليسوا مثلها.
#ندى_الصناديقي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
ندى الصناديقي من مصر. تخرجت ندى من كلية العلوم بجامعة أسيوط، وكانت لها كتابات متنوعة منذ الصغر حتى أنها أسست نادى أدب بكليتها وساهمت فى بعض الحركات المجتمعية لتثقيف الشباب، ثم اتجهت بعد تخرجها للعمل الإعلامى، وهى تهوى القراءة والسفر.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | خداعها |
---|