لا خلاف على أن دور النشر تلعب دورًا هامًا في الحركة الثقافية، وذلك نظرًا لإهتمام شريحة كبيرة من الشباب بالقراءة ومتابعة كل ما هو جديد. وعلى الرغم من الإتجاه الذي يعتقد بأن الكتاب الإلكتروني سوف يكون هو صاحب اليد العليا في المستقبل القريب إلا أن الكتاب الورقي هو المفضل لدى الكثيرين. وتشهد الساحة الثقافية المصرية على مدار العام إعلانات دور النشر عن استقبالها للأعمال الأدبية للشباب المبدعين، بشرط تحمل التكلفة كاملة أو مناصفة بين الدار والكاتب/ الكاتبة بينما يبحث الغالبية عن النشر المجاني. هذا ما يجعلنا نتوقف قليلًا أمام المعضلة التي تواجه الجميع سواء دار النشر أو الكاتب/الكاتبة أو كيفية التسويق. (دور النشر بين مقصلة الإبداع)
إذا نظرنا إلى وضع دور النشر في مصر، سنلاحظ أن هناك فجوة بينها وبين وزارة الثقافة، والتي من المفترض أن تكون أكبر مستفيد من هذا الإنتاج الثقافي المتجدد.في حين تواجه دور النشر العديد من التحديات لعل أهمها تكلفة الطباعة في ظل الظروف الإقتصادية الراهنة مما يجعلها أمام اختيارين لا ثالث لهما. أولًا التعاقد مع كتاب لديهم العديد من القراء أو حاليًا ما يُعرف بالمتابعين، وذلك لضمان بيع الكتاب وبالتالي تجنب الخسارة المادية. وثانيًا هو التعاقد بشرط تحمل الكاتب/ الكاتبة تكاليف الطباعة كلها أو نصفها، فمن الناحية التجارية يعد هذا حق الناشر حيث التجارة الناجحة لا تعرف الخسارة المادية. ومع غياب دور وزارة الثقافة في مساعدة دور النشر بالوسائل المتاحة أمامها، سادت الفوضي المشهد الثقافي وضاعت الفرص أمام المواهب الحقيقية. علاوة على ارتفاع أسعار الإيجار أمام دور النشر داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب بالإضافة إلى إقامته مرة واحدة في السنة. كما لا يوجد معرض خاص للطفل يشمل الكتب والعروض الفنية الثقافية التي يتجمع حولها الأطفال وأسرهم.
دور النشر بين مقصلة الإبداع
مساحة إعلانية
ننتقل من هذه النقطة إلى المحور الخاص بالكاتب/ الكاتبة الذين يواجهون معاناة ليست بالهينة بعد الإنتهاء من كتابة النص، والتي تكمن في محاولات النشر. يعلم شباب الكتاب الذين لا يزالون في بداية الطريق أن النشر مع دور النشر ذات الصيت شبه مستحيلة، ومن ثم تبدأ رحلة البحث عن دور النشر التي تقبل الإبداعات الشبابية بغض النظر عن جديتها. تنقسم هذه الشريحة بين اتجاهين، الإتجاه الأول وهو الدفع المادى من أجل النشر، والإتجاه الثاني هو انتظار الدور التي تنشر بالمجان. يعتبر الإتجاهين من عوامل تحطيم آمال الشباب حيث يواجه الكُتاب الذين يوافقون على مبدأ الدفع مقابل النشر العديد من المشاكل، لعل أهمها عدم ضمان الجدية في استخراج أرقام الإيداع، وذلك بسبب غياب الرقابة على دور النشر التي تهتم فقط بتجميع المال.
لا تتوقف المشاكل عند هذا الحد بل يصل إلى عدم وجود الكتب على الأرفف خلال الفترة الخاصة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي يعد أهم حدث ثقافي بالنسبة للكاتب/ الكاتبة. أما بالنسبة للدور التي تقبل النشر بالمجان، فالكتاب ينتظرون مدة طويلة كي يتم مراسلتهم بقبول أو رفض العمل، ومن ثم إهدار الوقت وضياع الفرص الضئيلة التي تنتظرهم من دور النشر الأخرى. يقع الكاتب/ الكاتبة سواء وافق على الدفع أو انتظار فرصة النشر المجاني في متاهة لا متناهية من العبث التي بدورها تؤثر بالسلب على الحركة الثقافية. وينبغي هنا الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية لاحظها الجميع منذ عدة سنوات ألا وهى اضمحلال المحتوي لبعض الكتب، والتي تستخف بعقلية القارئ، وذلك إما بسبب شهرة الكاتب الذي يضمن بيع عدد كبير من النسخ أو بسبب عُرف الدفع مقابل النشر.
الأزمة الحقيقية التي يواجهها كل من الناشر والكاتب هى التسويق، فنحن في بلد يقدر عدد سكانها بنحو مائة وعشرين مليون نسمة ولم يُسمع عن كاتب تجاوز عدد شراء كتابه أكثر من مليون نسخة مثلًا! وهنا علينا أن نطرح السؤال الهام، هل نحن شعب غير مثقف لا يهوي القراءة؟! أم نحن شعب لم يعد يمتلك مقومات الثقافة والمثقفين أصبحوا مهمشين؟ أم الصراع الثقافي الدائر حاليًا بين الموهبة الحقيقية وفرصة النشر الجدية له يد في هذا الأمر؟ كلها أسئلة ينبغي علينا التوقف أمامها قليلًا. فإذا كان هناك كُتاب ومبدعين، فلماذا لا يوجد قراء؟ لجأ البعض إلى النشر الإلكتروني بهدف الوصول إلى أكبر عدد من القراء حول الوطن العربي، على الرغم من عدم الإنتفاع المادي التي تعود على الكاتب. فقد أصبح هدف الكُتاب هو إتاحة المحتوى الذي يقدمونه بغض النظر عن الربح المادي، وكأننا نتوسل الناس كى يقرأوا. من ناحية أخرى، نلاحظ أن البعض ممن يمتلكون شبكة جيدة من العلاقات هم من يحتلون المشهد بالرغم من عدم جدية المحتوي الخاص بهم مما له تأثير سلبي على الحالة العامة.
إن حالة الفوضى وغياب الرقابة على عملية النشر ليست في مصلحة جميع الأطراف بل على الجهات المعنية التدخل لوضع ضوابط تمكن من استمرارية العملية. ليس من مصلحة أحد أن يشير أحد الكُتاب إلى أنه تم النصب عليه من قبل أحد الناشرين أو عدم وجود كتابه في معارض الكتاب أو عدم جدية الناشر في التسويق. وفى نهاية المطاف، يتم وضع النسخ على الرف كنوع من التباهي أنه كان يوجد يومًا ما كاتب/ كاتبة هنا، ولا عزاء للإبداع.
سارة أبو ريا
(دور النشر بين مقصلة الإبداع)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
سارة أبو ريا من مصر. تخرجت من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وآدابها جامعة القاهرة ثم إلتحقت بالمعهد العالي للسينما قسم السيناريو. لديها كتب منشورة في مجال السيناريو بالإضافة إلى بعض المقالات.