شيت عليه السلام

الحمد لله رب المشارق والمغارب، خلق الإنسان من طين لازب، ثم جعله نطفة بين الصلب والترائب، خلق منه زوجه وجعل منهما الأبناء والأقارب، تلطف به، فنوع له المطاعم والمشارب، وحمله في البَرِّ على الدواب، وفي البحر على القوارب، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيد البشرية، وخاتم الانبياء والرسل، أمّا بعدُ:
أن النبي شيت -عليه افضل الصلاة والسلام- هو ثالث أبناء آدم عليه السلام، وقد ولد عام «3670»ق. م بعد موت ودفن هابيل، وقد سماه أباه شيت أي هبة الله؛ لأنه عوض لهما عن هابيل، كما يعد هذا النبي أحد أنبياء ديانة الصابئة المندائيون، إن تسمية ديانة الصابئة كما هو ثابت هو اسم أقدم ديانة سماوية توحيدية، وهي ديانة الله الأولى التي أنزلت على نبيه ورسوله آدم، لهذه الديانة السماوية كتابهم المنزل الذي يسمى «جنزاربا» أيّ الكنز العظيم، والذي يجمع صحف أنبياء الصابئة، حيث لهذه الديانة الموحدة العريقة سبعة أنبياء هم: «آدم، شيتل بن آدم أو شيث، أنوش، نوح، سام بن نوح، دنانوخ أيّ إدريس وآخرهم يحيى بن زكريا». وحسب سفر التكوين يقال: ولد شيث عندما كان عمر آدم 13 سنة، وكان شبيها بأبيه آدم، وقد علمه آدام كل الأسرار التي تعلمها، وحسب الكتاب المقدس: عاش شيث 912 سنة.

شيت عليه السلام
مقال

وإن ما تم ذكره عن آدم في الأديان الثلاثة ضعيف بعض الشيء.

إقرأ أيضاً:  حقيقة التعمق بين الجائز والمحرم

مساحة إعلانية


ففي اليهودية مثلا: – (شيت عليه السلام)

يشير راشي (رابي شلومو يتسحاقي) إلى أن شيث هو جد نوح، بالتالي أب كل البشر الذين نجوا من طوفان نوح، وفي الغنوصية، يرى شيث كأنه بديل أنزله الرب عوض هابيل، الذي قتله قابيل، كما يقال: أن آدم علم ابنه شيث الأسرار التي أصبحت بعد ذلك قبالة، أمّا عن كتاب الزوهار يقال: أن شيث هو أب كل الأشخاص الصادقين والأتقياء، وحسب صدر عولام راباه، ولد شيث في السنة 130 من تقويم سنة العالم، وحسب الآقداة، كان له 33 إبنا و23 ابنة، وحسب صدر عولام، مات شيث في سنة 1042 من تقويم سنة العالم.

أمّا ما ورد ذكره في المسيحية: – (شيت عليه السلام)

فإن كتاب اليوبيلات يذكر حسب طقوس الإسكندرية أن ولادة شيث كانت في سنة 13 من تقويم سنة العالم، وحسب نفس الكتاب، تزوج شيث أخته أزورا التي كانت تصغره بأربع سنين، وذلك سنة 231 س. ع. وفي سنة 235 س. ع، أنجبت أزورا ابنها أنوش، كما يقال أنه في المسيحية يخلد ذكرى شيث بصفته واحدًا من الآباء القديسين في الكنيسة الرسولية الأرمنية مع آدم، قابيل وآخرين مع يوم احتفال يصادف 26 يوليو من كل سنة، لأنه يدخل ضمن قائمة آباء يسوع، حسب إنجيل لوقا.

أمّا عن الدين الإسلامي:

فلا يوجد ذكر لشخصية شيث في القرآن، حيث تذكره الأحاديث النبوية والتقاليد الإسلامية على أنه الابن الثالث والبار لأبويه آدم وحواء، ويرى على أنه هبة من الله لعبده آدم بعد صبره على فقدان هابيل، وقد دوّن المؤرخ والفقيه السني ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: أن شيث نبي كأبيه آدم عليه السلام، حمل رسالة الدعوة بعد وفاة والده إلى البشرية، ويصنف بين آباء ما قبل الطوفان الصالحين من أبناء آدم، وتشير بعض المصادر أن شيث قد تلقى الصحف الأولى المذكورة في سورة الأعلى من القرآن:
(إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ (19)) [الأعلى]

وأيضا ما تم ذكره في حديث أبو ذر الغفارى، رضى الله عنه، عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أُنزل على شيث خمسون صحيفة» [1]الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء الصفحة أو الرقم : 1/221 | خلاصة حكم المحدث : تفرد … Continue reading

ويذكر الطبري، وأئمة آخرون أن شيث قد دفن آدم ودفن معه النصوص المقدسة في قبر آدم (قبر الكنوز).

إقرأ أيضاً:  الغيرة عند العرب

مساحة إعلانية


في الأدب الإسلامي – (شيت عليه السلام)

كما يبين الأدب الإسلامي أن شيث وُلد عندما تعدى عمر آدم عليه السلام المئة سنة، وأن آدم عيّن شيثًا لحمل أعباء الرسالة وقيادة أبناء آدم الأولين، وقد أورد المؤرخ والمترجم السوري الدمشقي أبو الوفاء المبشر بن فاتق صاحب كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم فصلًا كاملًا عن شيث، ويذكر كذلك في الرواية الإسلامية أن شيثًا أوتي الحكمة فعلم موعد الطوفان العظيم، وطريقة آداء الصلاة الليلية، كما يعود نسب البشرية حسب اليهودية و‌المسيحية و‌الإسلام إلى شيث، حيث لم يخلف هابيل أي بنين، وأبناء قابيل لقوا حتفهم في الطوفان العظيم، وذلك حسب الرواية الإسلامية.

وتذكر الروايات أيضًا أن عدة حرف تقليدية إسلامية، تعود إلى شيث، مثل صناعة الأمشاط من قرون الحيوانات، كما يؤدي النبي شيث دورًا كبيرًا في التصوف، وأورد ابن العربي في كتابه «فصوص الحكم» فصلًا عن شيث أسماه «حكمة الانتهاء في كلمة شيث».

وقد ذكر أن قبر شيت يتموقع في بلدة النبي شيث في جبال وادي البقاع في لبنان، حيث يوجد مسجد باسمه وصفه الجغرافي ابن جبير في القرن الثاني عشر، وفي روايات أخرى من جغرافيي القرون الوسطى العرب الذين عاشوا منذ القرن الثالث عشر فيها يصفون وجود قبر النبي شيث في بلدة بشيت جنوب غرب بلدة الرملة، وحسب صندوق استكشاف فلسطين فلفظ بشيت يعني بيت شيت، وقد هُجِّرٙ سكانها عام 1948 مع تأسيس إسرائيل، ولكن نجت القبب الثلاث التي يقال أنها قبر لشيث في موشاف أسيريت.

ويقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية:

«لما مات آدم قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث وكان نبيًا، ومعنى شيث: هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قَتَل قابيل أخاه هابيل، فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش بالخلافة، ثم بعده ولده قينان ثم من بعده ابنه مهلائيل – وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة، وأنه أول من قطع الأشجار، وبنى المدائن والحصون الكبار، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقًا من مردة الجن والغيلان، وكان له تاج عظيم، وكان يخطب الناس ودامت دولته أربعين سنة، فلما مات بعد 912 عامًا، قام بالأمر بعده ولده يارد فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده خنوخ، وهو النبي إدريس على المشهور.

إقرأ أيضاً:  قصة أصحاب الكهف

مساحة إعلانية


أمّا عن قصة خلافته وكيف تولى الخلافة بعد آدم:

فقد ذكر أنه قبل أن يموت آدم -عليه السلام- بأحد عشر يومًا مرضَ، فأوصى إلى شيث من بعده، وكتب وصيته في كتاب وأعطاه إياه وأمره أن يخفيه عن أخيه قابيل لأنَّه كان قد قتل هابيل حسدًا، وكان شيث أفضل ولد آدم وأكثرهم شبهًا بأبيه، وقد أنزل الله تعالى عليه خمسين صحيفة، وبعد أن تولَّى قومَه وسكن الجبل، منعَ قومه من الاختلاط بقوم أخيه قابيل الذين كانوا يسكنون في السهل، لأنَّ الشيطان كان قد أضلَّهم واتَّخذوا المعازف والملاهي، وغرقوا في اللهو، وقد كانت نساء القوم جميلات، بعكس الرجال، وأمَّا رجال قوم شيث فقد كانوا يتمتعون بالجمال بعكس نسائهم، وقد تسلل واحد من قوم شيث ورأى المتَع التي يخوض فيها القوم في السهل، فدعا عددًا من الرجال وقيل عددهم مئة، ونزلوا إلى قوم أبناء قابيل، ووافقت أهواؤهم أهواء بعض النساء، ووقعوا في الفاحشة والزنا، وقيل: إنَّها كانت أوَّل حادثة زنا، وهذه القصة مروية في الإسرائيليات وقد روى بنحوها ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى}، وسردَ تلك القصة.

وفيما نعرفه عن موت شيت عليه السلام:

قد قيل أن إبليس قد تأمر مع العصاة من قوم شيت وقد دفنوه حيا حتي يتخلصوا من أحكامه وتشريعاته، وبعد موته أصبحت الأرض موطن فسق وفجور إلى أن أرسل الله الأنبياء والرسل.

سارة عبدالله “أناندا”
كاتبة، شاعرة، منشده

(شيت عليه السلام)

إقرأ أيضاً:  بانوراما "العيش" المصري


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء الصفحة أو الرقم : 1/221 | خلاصة حكم المحدث : تفرد به يحيى بن سعيد العبشمي عن ابن جريج. الدرر السنية
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الطب فى مصر القديمة

الخميس أغسطس 11 , 2022
تمت قراءته: 1٬685 بسم الله الرحمن الرحيم (الطب فى مصر القديمة) مقدمة – الطب فى مصر القديمة مصر كنانة الله فى أرضه حفظها الله وخصها بالعديد من المميزات عن غيرها من الدول والأقطار سواء فى العصر القديم أو الحديث، قام على أرضها أهم وأعظم حضارة فى تاريخ البشرية هي الحضارة […]
الطب فى مصر القديمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة