توقفنا في الحديث السابق عند إختبار الله جلى وعلى المستمر لعباده في الدنيا عبر مواقف وأحداث تمر بهم ولا يكون للإجتياز والنجاة سبيل إلا باتباع أمر الله وحدوده التي فصلها لنا تفصيلا. يقف الإنسان بتفكيره المحدود وعلمه القليل *وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا*- سورة الإسراء- أمام محاولة إيجاد أسباب وحكمة من وراء تنفيذ شرع الله ومنهاجه فكل أسباب الدنيا التي يعرفها قد تكون غير كافية بالنسبة له حتى يقتنع ويتبع شرع الله. ( لماذا أنت موجود؟ (الجزء الثاني) )
time shigher educationفكما تذكر عزيزي القارئ المثال الذي طرحناه سابقا عن مشاركة الأخ الغير بار بأخته المتوفية لابنتها الوحيدة في الميراث بالرغم من إنقطاع الصلة بينهما وتأكد البنت من عدم مراعاة الخال لحقوق القربى معها في المستقبل. هنا تشعر البنت بالحيرة والدهشة بعد فقدان الأم وانتفاء جميع الأسباب التى حاول المشتغلون بالدين فرضها كإجابة على هذا السؤال لماذا يكون للخال نصيب مما تركته أمها وهو في وجهة نظرها لا يستحق؟
تشكل في العقل الجمعي لدى الناس عبر السنين أنه لابد من وجود حكمة وأسباب من وراء أوامر ونواهي الله لنا. والحقيقة أن هذا الجزء صحيح ولكن ما هو غير صحيح أننا لابد وأن نكون على علم دائما بمعرفة هذه الأسباب. غافلين عن حقيقة علمنا المحدود في تفسير علم الله وغير مدركين لتباين إختبار كل شخص عن الاخر حسب موقعه وما منحه الله له وأعطاه من نعم مادية ومعنوية. *وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ* –سورة الأنعام- فأصبح لدى الإنسان قناعة أنه يتبع أوامر الله لأنه يعرف القصد الدنيوي من ورائها.
بمرور الوقت ومع كثرة الزيغ والوساوس والإغراءات يتناسى الهدف الرئيسي من وجوده وهو عبادة الله وخشيته بالغيب. ويرى أنه عندما يقع في أمر ولا يجد سببا مما قد تم تداوله وترسيخه في العقول عبر الزمن يقنع نفسه وفتها بمشروعية عدم تنفيذ أوامر الله. إذن كانت المحاولات الحثيثة لفرض أسباب ومبررات دنيوية لإتباع أوامر الله مدخلا عظيما للشيطان خصوصا في عصرنا الحالي.
فلو تطرقنا إلى أمر شهور العدة مثلا وهي الفترة المحددة التي تنتظر فيها المرأة ولا يحق لها الزواج حتى إتمامها. فهي ثلاثة شهور للمرأة المطلقة وأربعة شهور وعشرة أيام للمرأة التي مات عنها زوجها كما بين الله لنا. لوجدنا أن السبب الرئيسي عند كل المفسرين هو تبين حمل المرأة من عدمه وهو ما ترسخ عبر الزمن. بل وذهب بعضهم إلى أن طول فترة عدة الأرملة يرجع إلى نوع الجنين فقد تتأخر حركته إذا كانت أنثى. يالها من محاولة عجيبة لإيجاد أي سبب من وراء اختلاف مدة العدة في الحالتين! في حين أننا في العصر الحالي يمكن لنا التحقق من حمل المرأة أو عدمه بالتحاليل والأشعة بل وتحديد نوع الجنين وحالته الصحية قبل ان يولد.فهل يحق لنا بعد أن زال هذا السبب ألا تلتزم المرأة بفترة العدة بعد الإنفصال عن زوجها أو وفاته؟ بالطبع لا لأنها من الأوامر المبينة في القرآن الكريم.
لماذا أنت موجود؟ (الجزء الثاني)
مساحة إعلانية
و كما هو الحال في محاولات ربط ما حرم الله علينا بالضرر المادي للأشياء. فقد حرم الله الخمر وارتبط ذلك بذهاب العقل وفقدان الإنسان السيطرة على تصرفاته. فماذا لو قال لك أحدهم أنه يستطيع شرب الخمر ولو كان بمقدار المحيط ويكون في حالة وعي جيدة وعقل حاضر دون أن يسكر، أو شخص آخر سيأخذ القليل من الخمر حتى لا بصل إل مرحلة ذهاب العقل هل سيكون وقتها الخمر مباح؟ حتى في تلك الحالات لن يكون الخمر حلال كما أمر الله.
تعددت أيضا محاولات تفسير تحريم أكل لحم الخنزير وربطها بأضرار مادية وصحية وتلفيق أدلة علمية مزيفة عليها طيلة السنين لإقناع الناس بضررها. في حين أنه يأكلها غير المسلمين وهم في أتم صحة.
لو نظرنا إلى التحريم في الأمم السابقة لوجدنا أن الله عز وجل قدر تحريم شحوم الأبقار والأغنام على بني إسرائيل ليس لضررها وإنما كعقاب لهم على ما اسرفوا فيه على أنفسهم من ذنوب وأكلهم أموال الناس بالباطل وإستباحتهم لما حرم الله وتحريمهم لما أحل الله كما جاء في قول الله عز وجل في سورة الأنعام *وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ۖ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ۚ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*
وفي سورة النساء: *فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا*
ربما لم يكن يعلم اليهود وقتها أن هذا المنع والتحريم كان عقابا لهم على ما اقترفوه من ذنوب. لذلك كانت شرائع الله محل إختبار الله المعين لكل أمة على حدى يتناسب مع أحوالها وما قدر الله لها.
من هنا نستخلص أن دين الله هو المنهاج والنبراس الدال على حقيقة وجود الإنسان على الأرض ألا وهي عبادته وحده والأصل فيها إختباره بما أمر ونهى الله عنه. تلك الحقيقة البسيطة الخالية من أي تعقيد لو عمد الإنسان على إعمالها وتذكير نفسه بها لن يجد الشيطان إليه سبيلا إن شاء الله. فهي بمثابتة حائط الصد أمام أي فتن. نسأل الله لنا ولكم أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
آمال حافظ
لماذا أنت موجود؟ (الجزء الثاني)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال حافظ من مصر. تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. عملت في مجال إدارة الفنون وتنظيم المعارض. كما شاركت في فعاليات ثقافية بمنظمات المجتمع المدني ولها دراسات متعددة في مجال الإعلام.