أصبحت دبلوماسية “تويتر” Twiplomacy أو Twitter for diplomats وسيلة قوية للحضور في المجال الرقمي بشكل مباشر. وبات موقع “تويتر” منصة رئيسة يعتمد عليها كثير من قادة ودبلوماسي العالم في تعزيز مصالحهم الخارجية، والتعبير عن مواقفهم من الاتفاقيات والأزمات الدولية، وتدشين القرارات الرسمية، كالقوانين والتعيينات الوزارية الجديدة، قبل أو بالتزامن مع نشرها عبر الجرائد ووسائل الإعلام الرسمية. (تويبلوماسي)
عبر التاريخ. مرّ فن الدبلوماسية (إيصال سياسة دولة ما، وقيمها، وثقافتها) بمحطات مختلفة. لكن أحدًا لم يكن يتصور أنه ـ في عصر الثورة الرقمية ـ لم يعد يقتصر الأمر علي المراسلات الرسمية، أو البرقيات اللاسلكية، أو المكالمات الهاتفية، أو بعثات السفارات الدولية، أو هيئات القنصليات الخارجية، أو أعضاء المكاتب التمثيلية، أو “ماراثون” الصالونات التفاوضية. بل تعدى الأمر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وصار لزامًا على الرؤساء والدبلوماسيين والحكومات مواكبة هذا التطوّر سريع الخطى.
وفي عام 2018 رصدت دراسة لشركة “بي سي دبليو تويدبلوماسي” 951 حسابًا فاعلًا لرؤساء دول، وحكومات عبر “تويتر”، منها 372 حسابًا شخصيًا، 579 حسابًا تابعًا لمؤسسات وهيئات وزراء خارجية في 187 بلدًا ويتابعها 485 مليون شخصٍ حول العالم. وهناك 193 دولة من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة تمتلك حكوماتها حسابات رسمية على “تويتر”. ويمتلك مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني ـ منذ أول سبتمبر/أيلول 2015ـ حسابًا رسميًا على “تويتر”. كما هو الحال مع سبع سفارات صينية حول العالم. وخلُصت النتائج إلى أنّ منصة “تويتر”تعتبر”قناة الاتصال الرئيسة للدبلوماسية الرقمية” لنحو 131 وزير خارجية، 107 وزارة خارجية عبر العالم.
أما علي موقع “فيسبوك” فيملك زعماء وحكومات 179 دولة من أعضاء الأمم المتحدة صفحات على فيسبوك، ما يشكل 93% من إجمالي الدول الأعضاء. ويصل عدد الصفحات الرسمية لهذه الدول إلى 677 صفحة يتابعها 311 مليون شخص. وبالحديث عن موقع “إنستغرام” فهو شبكة التواصل الاجتماعي الثالثة من حيث الشعبية الدبلوماسية الحكومية؛ إذ يملك 81% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، 403 حسابًا على تلك الشبكة، ويتابعها 4 آلاف و228 شخصًا.
وبتاريخ 25 يونيو 2014، بلغ إجمالي عدد تغريدات قادة العالم 1.935. 308 بمعدل 4 تغريدات يوميًا. ومن جهتها قامت الرئاسة الفنزويلية PresidencialVen@ بما يقارب 50 ألف تغريدة (أي نحو 40 تغريدة يوميًا). وللإيغال في العولمة الثقافية. تغرد حسابات لحكومات دول بعدة لغات مختلفة عن لغتها الرسمية. وتمتلك الرئاسة الفنزويلية أربعة عشر حسابًا رسميًا بلغات عدة، إلا أنها ليست نشطة سوى عبر حسابات بالعربية، والإنجليزية، والبرتغالية، والروسية، والإسبانية. وتغرّد وزارة الخارجية الفرنسية ـ التي دشنت حسابها الخاص علي تويتر منذ عام 2012 بخمس لغات غير الفرنسية وهي: العربية، والإنجليزية، والألمانية، والروسية، والإسبانية. ويضم حسابها نحو مليون متابع، والنسخة العربية تضم 220 ألف متابع. أما الخارجية الروسية فتغرد بلغتين بجانب الروسية وهي (الإسبانية والإنكليزية).
(تويبلوماسي)
مساحة إعلانية
حسابات “تويتر” الأكثر متابعة – تويبلوماسي
يهتم تقرير الحضور الدبلوماسي على “تويتر”وتصدرها”بيرسون – مارستيلر” Burson-Marsteller المتخصصة في قطاع العلاقات العامة والاتصالات بتحديد مدى استخدام زعماء العالم لمواقع التواصل الاجتماعي. وفي 25 يونيو 2014، ضمت قائمة زعماء العالم الخمسة الأكثر متابعةً على “تويتر”: الرئيس الأميركي “باراك أوباما” BarackObama@ بواقع 43 مليون متابع لحساب حملة الرئيس الأميركي، وليترفع عدد متابعيه ـ عام 2015ـ إلي ما يقارب 57 مليونًا. وبلغ متوسط إعادة تغريدات الرئيس “أوباما” نحو 1400 مرة فقط، على الرغم من ضخامة عدد متابعيه. ثم حل حساب الرئيس الأميركي الحالي “دونالد ترامب” ليتابعه أكثر من 52 مليونًا من البشر. كما أنه يعد أكثر الزعماء تفاعلًا بمتوسط يزيد عن عشرين ألف تغريدة.
فيما جاء “البابا فرنسيس” Pontifex_ar@ في المركز الثاني (14 مليون متابع) على حسابه في “تويتر” الذي يغرّد فيه بتسع لغات: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، واللاتينية، والبولندية، والبرتغالية، والإسبانية. وبعد عام ـ فى 2015ـ ارتفع عدد متابعيه ليصل إلي أكثر من 19 مليونًا ونصف المليون. ثم ليصل إلي 47 مليون متابع لحسابه. ويبلغ متوسط إعادة تغريداته باللغة الأسبانية أكثر من عشرة آلاف لكل تغريدة. فيما حل الرئيس الاندونيسي “سوسيلو بامبانج يودويونو” SBYudhoyono@ ثالثًا ً(خمسة ملايين متابع).
ويليه رئيس الوزراء الهندي “نارندرا مودي” NarendraModi@ رابعًا. ويحرص رئيس الوزراء الهندي على الاستفادة القصوى من الشبكة العالمية كأداة تمكنه من نشر رسائله لنحو 42 مليون متابع لحسابه الشخصي، 26 مليون لحسابه الرسمي. وأتي حساب البيت الأبيض WhiteHouse@ خامسًا (نحو ستة ملايين متابع عام 2015).
ومن أبرز السياسيين الأوربيين النشطاء على “تويتر” ويغردون بأنفسهم، رئيس المجلس الأوروبي “دونالد تاسك”، ورئيس الوزراء الدنماركي “لارس راسموسن”، ورئيسة وزراء النرويج “إرنا سولبرغ”. كما كان كل من الرئيس المكسيكي “انريكي بينيا نييتو” EPN@ (ما يزيد على مليوني متابع) ورئيس مجلس الوزراء البلجيكي “إيليو دي روبو” ElioDiRupo@ ورئيس مجلس الوزراء الكندي “ستيفن هاربر” PMHarper@، بالإضافة إلى وزارة الخارجية الأميركية StateDept@ من أوائل المنضمين إلى “تويتر” وذلك عام 2007. وتعد رئيسة الأرجنتين “كريستينا فرنانديز دي كيرشنير” CFKArgentina@ أكثر قادة أميركا اللاتينية متابعةً مع 2.894. 864 متابعًا، متفوقة على الرئيس الكولومبي JuanManSantos@ مع 2.885. 752 متابعًا. ولدى الرئيس والبرازيلي “ديلما روسيف” dilmabr@ والفنزويلي NicolasMaduro@ ما يزيد على مليوني متابع.
صعود وهبوط، وندرة التواصل البيني – تويبلوماسي
بينما تتضاعف سنويًا أعداد متابعي حساب الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” على تويتر. تشهد حسابات كل من رئيس الوزراء الروسي “ديمتري ميدفيديف”، ووزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، ووزير الخارجية الأوكراني “بافلو كليمكين” هبوطًا ملحوظًا. وفي فبراير/شباط 2018، شهدت معظم الحسابات الحكومية الكازاخية، والروسية، والأوكرانية انخفاضًا هائلًا في أعداد المتابعين لها، بعد أن قررت منصة تويتر خفض (وغلق) حسابات الأشخاص المزيفين والوهميين. وأصبح “ماكرون” بعد تضاعف أعداد متابعيه على تويتر بنحو ثلاث مرات منذ توليه منصبه الرئاسي في 14 مايو/أيار 2017، ثالث أكثر زعيم أوروبي يحظى بعدد متابعين (لديه أكثر من مليوني متابع جديد). وأصبح حساب الرئاسة الفرنسية على تويتر يغرد بمعدل تغريدتين يوميًا، في حين وصل ذلك العدد إلى ستة عشر تغريدة في عهد سلفه “فرنسوا أولاند”.
وأشارت دراسة إلى أن معظم قادة العالم الأكثر متابعةً لا يتابعون إلا القليل من نظرائهم، ويندر التواصل المباشر فيما بينهم. وعلى سبيل المثال، وجد أن حسابات الرئيس الأمريكي السابق “بارك أوباما“، و”حساب البيت الأبيض” تتابع حسابات ثلاثة من زعماء العالم فقط وهم: “إرنا سولبرغ” رئيسة وزراء النرويج، و”ديمتري ميدفيديف” رئيس الوزراء الروسي، بالإضافة إلى الصفحة الرسمية لحكومة المملكة المتحدة. وكان وزير الخارجية الفرنسي “لوران فابيوس” LaurentFabius@ الأكثر تواصلًا مع 91 من وزراء الخارجية وزعماء العالم. فيما حلت هيئة العمل الخارجي الأوروبي eu_eeas@ في المرتبة الثانية بتواصلها المتبادل مع 71 حسابًا، وجاء وزير الخارجية السويدي “كارل بيلدت” CarlBildt@ في المركز الثالث (68 حسابًا).
وتسمح المتابعة المتبادلة بين وزراء الخارجية بإجراء المحادثات الخاصة والرسائل المباشرة على شبكة “تويتر”. ومن جهة أخرى، ظهر بوضوح توجه وزراء الخارجية إلى استخدام هذه المنصة من أجل ترسيخ التواصل المتبادل وخلق شبكة دبلوماسية افتراضية. وليس بالضرورة أن يقرأ قادة العالم كل تغريدة موجهة إليهم، لكن مما لا شك فيه أن فرق عملهم تراقب باستمرار ما يجري على تويتر”.
(تويبلوماسي)
مساحة إعلانية
لماذا دشنت “دبلوماسية التغريدات”، وما هي حدودها؟
هل يتوجب على الدبلوماسيين التخلي عن أسلوبهم وكلماتهم المُنمقة من أجل التقيد ب 140 حرفًا فقط؟ لعل أساليب الاتصالات القديمة لم تعد تجدي نفعاُ. فالنشرات الصحفية والمقابلات التلفزيونية والإذاعية والصحفية المنظمة وحتى المقالات الرسمية لم تعد تؤثر بالشكل المطلوب كما كانت عليه سابقًا. ولا يمكن القيام بها كل يوم. لذا أضحت وسائل التواصل الاجتماعية هي الأكثر فعالية اليوم. حيث يمكن التواصل/ التأثير في الناس بشكل أكبر وبناء مجموعة متتابعة من الرسائل المهمة على مر الزمن. وهناك حقيقة أخرى هي أن كثرة المعلومات يمكن أن تؤدي لعدم اهتمام الناس بها فضلاُ عن تخصيص الوقت الكافي لقراءة المقالات الطويلة والمعمقة أصبح شيئا نادراُ. أما التغريدات والرسائل القصيرة فتقوم بتأثير فوري ومباشر. وتوفر فرصة للحصول على المعلومات في الوقت المحدد في زمن تتسارع وتيرة أحداثه بشكل كبير. حتى بات من خلال “دبلوماسية التغريدات”. أن تنشر الدول بياناتها الهامة، وتعلن عن صفقاتها التجارية، بل وتطلق تهديداتها بالزر النووي.
وفي ظل هذا العدد الهائل من المشاكل الدولية اليوم، فإن الدبلوماسية تحتاج حقًا إلى الجمع بين فن إدارة الدولة القديم، وبين الأدوات الجديدة التي وفرتها التقنيات الحديثة. وإذا أراد الدبلوماسيون الاندماج بصورة فعالة مع المواطنين، عليهم أولًا أن ينصتوا، ويتصلوا ويتواصلوا. وفي هذه الشأن نشر السفير البريطاني السابق لدي لبنان “توم فليتشر”كتابه:”الدبلوماسية المجردة السلطة والكفاءة السياسية في العصر الرقمي” ليؤكد علي أهمية حضور الدبلوماسيين علي منصة تويتر وقام بنفسه بنشر ما بين 6-7 تغريدات يوميًا ليصل لنحو عشرة آلاف تغريدة خلال فترة عمله في بيروت، بجانب مدونة شائقة عن تجربته اللبنانية. (تويبلوماسي)
دبلوماسية “تويتر” أكثر جدلية وتعقيدًا – تويبلوماسي
يثور تساؤل: إذا كانت الشبكات الاجتماعية التي تتغذي علي “الشحن الانفعالي العاطفي” هي المجال الأمثل لممارسة الدبلوماسية؟ لاشك أن “الدبلوماسية الرقمية”عبر”تويتر” لها مثالب ومنافع. فهي منصات جديدة تحمل رسائل مقتضبة والتفاتة متعمدة تفارق الممارسات الدبلوماسية المتعارف عليها. ويعد “الغموض” أخر شيء ترغب به الحكومات فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية. لذا فالأسلوب المقتضب التلقائي على منصة “تويتر” والمحدد بعدد الأحرف يتعارض مع التصريحات الدبلوماسية المدروسة والواضحة والمحددة. ومازال العديد من الدبلوماسيين “حذرين” في التعامل مع “الدبلوماسية الرقمية”، وأكثر تمسكًا بالقواعد التقليدية “لا يودون أن يكونوا طرفًا في دبلوماسية تويتر”.
والتغريديات الدبلوماسية غالبًا ما تمزج المواقف الرسمية والقضايا المهنية بالآراء الشخصية. ويُعد جانب “الشخصنة” في الدبلوماسية الرقمية عنصرًا هامًا لأنه يتجاوز المفردات الدبلوماسية الجافة ليضيف لمسات من الدفء الإنساني (إظهار أن شخصًا حقيقيًا وراء التغريدات)، بل وروح الدعابة والمرح أحيانًا. ومع أن روح “الدعابة” قليلة في العمل الدبلوماسي التقليدي ويمكن أن تفضي لنتائج عكسية. كما لا يتردد بعض الدبلوماسيين والسفراء في الحديث عن “التجارب الشخصية” جنباُ لجنب مع الترويج للهوية الثقافية وتعريف رعايا البلد المضيف بثقافة دولهم.
وعلى جانب آخر قد تتسبب التغريدات في إثارة جدل ومشكلات لأنها لا تقر مسبقًا من قبل الوزارات المعنية كما الحال في المراسلات الرسمية. وقد تؤدي المفردات البسيطة النابعة من الحرية المتاحة للدبلوماسيين إلي خلق توترات وأزمات دبلوماسية وإشعال الشبكات الاجتماعية. فالبعض لا يتردد ـ عبر “تويتر”ـ في توجيه النقد والإعراب عن الاستياء من مواقف نظرائه. ومن المفرقات أن التغريديات الدبلوماسية (المستفزة) تلقي ردودًا أكثر، وانتشارًا أوسع بين عدد كبير من المتابعين. ويري المتحفظون أن: “ليس هناك شيئًا يسمي رأيًا شخصيًا، فكل ما يقوله الدبلوماسي يعتبر مسئولًا عنه وقد يستخدم ضده أو ضد حكومته التي يمثلها”. وفي عالم لم تعد فيه العلاقات الدولية حكراُ علي الحكومات (دوائر مغلقة).
تتسم هذه المنصات بجاذبيتها لمنظمات/ ونشطاء المجتمع المدني خارج المحيط الدبلوماسي. مما جعلها (دوائر مفتوحة) حيث “الحق في التعبير” وإيصال الرأي لمسامع الآخرين عبر الشبكة العنكبوتية. وبذلك تحولت “العلاقات الدبلوماسية”إلي”علاقات جيوسياسية” أكثر شمولًا تدار من قبل فاعلين جدد.والخلاصة: طالت الثورة التقنية الرقمية المهن التقليدية العريقة كالدبلوماسية. فغدت “الدبلوماسية الإلكترونية” أداة محورية في إستراتيجية التأثير، و”منبرًا” هامًا في العلاقات الدولية لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه. وغدا مجرد التواجد علي منصة تويتر “عملًا دبلوماسيًا” لتعزيز مصالح البلدان والترويج لدبلوماسيتها. (تويبلوماسي)
أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري
(تويبلوماسي)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
أ.د ناصر أحمد سنه كاتب وأكاديمي من مصر، تخرج في جامعة القاهرة (1985)، ويعمل: أستاذًا ورئيسًا لقسم الجراحة – كلية الطب البيطري – جامعة القاهرة. وقد بدأ الكتابة منذ نحو ربع قرن، وله أكثر من خمسمائة مقال (ثقافي متنوع) منشور.. ورقياً والكترونياً، وثلاثة كتب منشورة.