مقولة تنسب لأبي فرج الأصفهاني نصها: ” إني رأيت أن لا يكتب أحد كتابًا في يومه إلا قال في غده، لو غيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحسن ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر” (فن الكتابة)
فالكتابة هي فن يسمح لصاحبه أن يخرج مكنونانته الأدبية فيسوغها في قالب جميل يعكس الإحساس وحالة الصراع داخله. فينتج لنا إما شعرًا أو نثرًا.
و مع ظهور وتطور منصات الكتابة من وسائل تواصلية أصبح بإمكان كل واحد أن يكتب وينشر ويكون له جمهورًا -صغير أم كبير – يقرأ ما كتب. لكن الملاحظ أن الكثير من الشباب يفتقرون للكثير من الأمور الأساسية للكتابة الأدبية السليمة. فجملة الأخطاء الإملائية والنحوية والتركيبية التى تطغى على معظم النصوص المكتوبة تنقص من قيمة المكتوب وتنفر القاريء الجيد وسبب هذا الضعف يعود لتخطي الكاتب الناشيء المراحل الضرورية للتكون.
مساحة إعلانية
لذلك كان ينبغي أن يتمتع الكاتب بجملة من المؤهلات والشروط حتى يقدم شيئًا مقبولًا يستمتع به القاريء. وإضافة لكونها فنًا فهي عمل وجب إتقانه. قال عليه الصلاة والسلام: ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه”. ولعليَّ أرى الشروط هذه مجملة في:
أولا: سعة الإطلاع وكثرة القراءة المتواصلة والمتنوعة، مُجهزًا على كل ما تطاله يده كإجهاز النحل على حديقة الأزهار. فالنحل يصنع عسلًا يداوي الأبدان والكاتب يصنع عسلًا يداوي النفوس ويمتع الذائقة الأدبية. فيأخذ الكاتب من كل فن ليوسع مداركه وتنمو معارفه بحقيقة محيطه وكذا العالم الكبير الذي سيوجه له كتاباته.
أجهد نفسك على علم تستريح به
ولا تعيشن بعلم واحد كسلا
فالنحل لما اجتنى من كل فاكهة
حوى جوهرين الشمع والعسلا
فالشمع نور يستضاء به
والشهد يبرى لنا الأسقام والعللا
ثانيا: منادمة أهل الاختصاص والفن الذي يريد الكتابة فيه، فيتعلم أصوله الحقة ويطلع على مبادئه وتجارب صُناعه. فالشاعر يصاحب الشعراء ويكثر قراءة الشعر وممتهن القصة ينادم كُتَّاب القصص والروايات ليتعلم منهم ويأخذ الوسائل الأولى مقلدًا لهم بداية ثم يشق بعدها طريقه. ” طلب أحدهم من أبي نواس أن يعلمه الشعر، فقال له: احفظ ألف بيت ثم انسها” وهذا لتحسين ذائقته واكتساب كم من المفردات والتراكيب والأسلوب السليم والموسيقى ليُّكَوِّن بعدها الأسلوب الخاص به.
ثالثا: التواضع والحلم، فالتواضع يكسب صاحبه محبة لدى غيره ويجعل صاحبه مُقبِلًا وقابلًا للنقد والتعلم. فالذي يتكبر إنما لنقص يراه في نفسه فيشغلها بمظهر المتكبر حتى يتجنب النقد ويتعرى نقصه.
“ملآى السنابل تنحني تواضعًا. والفارغات رؤسهن شوامخ”
فلا يتواضع إلا من يثق في نفسه ويعرف أن العلم بحر مهما غرفت منه ستكتشف قلة حيلتك وضعفك، قال تعالى: ” وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا”
كما ينبغي أن يتحلى المريد للكتابة بالحلم والأناة، بالصبر على معلمه وعلى تعب القراءة وتعب الحصول على الكتب التى يبغي مطالعتها.
وقد لخص الإمام الشافعي هذا في بيتين:
أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ
سَأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ
وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ
رابعًا: إتخاذ مصحح ومدقق لغوي يعرض عليه كتاباته فيوجهه ويصحح له. فكل عمل يحتاج لتقويم وتقييم حتى يَبين عيبه فيصحح ويثمن جيده. وهذا أمر مهم لتطوير المستوى. فالكتابة فن وعلم يحتاج المبتديء فيها لمعرفة أسرارها وكنهها وهذا لا يتأتى إلا بمعاهدة مصحح ومدقق جيد.
خلاصة نقول أن الكتابة بحر واسع متاحة لكل من يريد التعبير عن أفكاره ومشاعره. لكن ينبغي أن يتعلم المبتديء المباديء والأساسيات الأولى التى تمهد له الطريق ليكون كاتبًا جيدًا. فالذي تكون طريقه الأولى عرجاء سيكون كاتبًا ضعيفًا وأعرجًا وأما من كانت بداياته صحيحة فلا ريب سيكون كاتبًا ناجحًا.
الأحد 08 جانفي 2023
الساعة 16: 50
محمد دباغ
(فن الكتابة)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد دباغ من الجزائر، أستاذ تعليم ثانوي، متحصل على شهادة ليسانس لغة إنجليزية سنة 2007. ناشط بعدة جمعيات ثقافية وخيرية وخريج المدرسة الكشفية. يهوى المطالعة وكتابة القصص القصيرة والمقالات وكذلك الرحلات الإستكشافية.