الفرانكوفونيون العرب: أدبهم عربي أم غربي؟

تبني أدباء وكتاب وقصصيون وروائيون كثيرون الكتابة بالفرنسية “فضاءً لغويًا لأعمالهم” دون لغتهم الأم “العربية”. فهل يعد إنتاجهم وإبداعهم هذا أدبًا عربيًا أم غربيًا؟ وهل يعتبر “خيارهم اللغوي” ـ تحت ضغط الإغتراب، وقسوة المنافي ـ خيارًا محليًا توافقيًا محضًا، أم تطلعًا نحو الصدارة والعالمية؟ (الفرانكوفونيون العرب)

الفرانكوفونيون العرب
Mayo Oshin – Mission.org

هل يمكن وضع ما أنتجه الطاهر بن جلون، ورشيد بوجدرة، وألبير قصيري، وصلاح ستيته، واندريه شديد، وأمين معلوف، ومحمد مولي السهول، وعبد الحق سرحان، وسليم باشي، وعبد الوهاب المؤدب، وفؤاد العتر، وعمر منير، ومالك شبل، جورج شحادة، وليلى صبار وغيرهم مع ما أثمره العقاد، والرافعي، والمنفلوطي، والمازني، والزيات، وشوقي، وحافظ، وناجي، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، بطرس البستاني، وأحمد توفيق المدني، ويوسف السباعي، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، والشرقاوي، وعبد الحميد جودة السحار، محمد البشير الإبراهيمي، ومحمد عبد الحليم عبد الله، ومي زيادة، وعائشة عبد الرحمن، وفدوي طوقان، وبهاء طاهر، وعبد الرحمن منيف، وجمال الغيطاني، وأحمد السقاف، وأحمد العدواني، وغازي القصيبي، ومحمد جابر الأنصاري، وغادة السمان، وإدوارد الخياط، وعبده خال، وإبراهيم الكوني، وسعدية مفرح، وأحلام مستغانمي، وعلاء الأسواني، ويوسف زيدان، وغيرهم؟ أم أن أدب الأولين غربي يرفد (الآخر)، ويسهم في “علو كعب” ثقافته ولغته؟

وتتوالي سلسلة من الأسئلة: “هل من أجل أن تكون روائيًا كبيرًا يجب أن تمر عبر فرنسا، كون المركزية الثقافية الفرنسية مُهيمنة، نوعًا ما؟ “. وهل لغتنا العربية ليست وسيلة للوصول للعالمية؟ وهل كانت “نوبل” في الآداب لنجيب محفوظ فلتة من الفلتات لن تتكرر؟ وهل كان أبداع الرواية ـ وبخاصة المغاربيةـ بالفرنكوفونية، هروبا من أسر تناول “أمور” يصعب علي الكاتب بالعربية الاقتراب منها؟ وهل تختلف طريقة التعامل مع النص الأدبي في الفرنسية والعربية؟ ولماذا يسعون لترجمة إبداعاتهم للعربية ثانية؟ أهو تأنيب للضمير أم تلبية لنداء الهوية؟ وماهي تجربة كتاب اختبروا العلاقة مع اللغتين، كالطاهر بن جلون الذي واصل الكتابة بالفرنسية لعدم تمكنه من الإبداع بالعربية، و”رشيد بوجدرة” الذي انتقل إلى الكتابة بالعربية من دون أن يبدع فيها، كما أبدع بالفرنسية التي سيطر عليها. ولماذا يري نقاد فرنسيون أن: “تذوق أشياء مجلوبة من الخارج أمر يسييء إلى لغتهم”؟

وإذا ما تجاوزنا الرؤية القائلة بأن: “الفرانكوفونية” مشروع ثقافي ـ نتج عن مشروع إمبريالي ـ يتطلع إلى غايات سياسية محددة، ويتحرك من خلال تنفيذ القرارات المتخذة من أجل نشر اللغة الفرنسية وثقافتها باستعمال أساليب متعددة (راجع شاكر نوري: منفى اللغة: حوارات مع الأدباء الفرنكوفونيين”، كتاب مجلة “دبي” الثقافية العد: 48، أبريل 2011). فلا شك أن “الأدب ابن لغته” ومن هذه القاعدة توجد رؤية مفادها: أن ما أبدعه الفرانكوفونيون العرب من أدب وفكر هو إضافة للأدب الفرنسي وليس للأدب العربي. إذ الإبداع متعتان: متعة فكرية، وأخري لغوية في آن. لذا فالأدب الفرانكوفوني الذي يكتبه العرب باللغة الفرنسية أنما هو معزول عن بيئته العربية واقرب إلي الفرنسية. فقارئه يفقد معه متعة التواصل نتيجة تلكم الغربة اللغوية. لذا “قلت للفرنسيين: أراكم مخطئين انكم تجهلون اللغة العربية” (حسب قول “رشيد بوجدرة”، الذي يعتبر “الكاتب النموذجي للثقافة المزدوجة”).

الفرانكوفونيون العرب

إقرأ أيضاً:  الميتا شعرية في ديوان حتى مطلع الشعر للشاعرة سارة الزين

مساحة إعلانية


أما”أندريه شديد” فكانت تقول إن لغتها الأم، إلى حد ما، هي الفرنسية، لأن والديها كانا يتحدثان ويكتبان بالعربية. فيما كان الجميع يتحدثون في المنزل بالفرنسية. وتفيد بأنها لم تحاول يومًا الكتابة بالعربية، لأنها لا تعرفها في شكل كامل، حتى تكتب بها أعمالًا أدبية، على رغم أن معظم رواياتها تدور في العالم العربي. وترى “شديد” مع الروائي الجزائري “بوعلام صنصال”، والكاتبة “ليلى صبار” أن للكتاب الفرنكوفونيين إضافات خصبة كبيرة إلى الفرنسية. فأهمية الأدب الفرانكفوني تكمن في أنه يفتح “فضاءات جديدة” للغة الفرنسية. ومن الكتاب العرب ـ منهم الشاعر اللبناني “صلاح ستيتيه” ـ من أضاف إلى الفرنسية نكهةً جديدة، ممزوجةً بالعطر العربي وأساطير الشرق. وحملوا النار المتوهجة إلى لغة آخذة في البرود يومًا بعد آخر. فإذا كان الأمر كذلك فلم يختار ـ كما يقول “فؤاد العتر”ـ بعض الفرانكوفونيين أن يكتب بوضعية “العبد الصغير”؟

لذا فعلي علي الطرف الآخر يري عدد من المثقفين العرب أن المعيار يجب ألا يكون للغة وحدها، وإنما للموضوع المُعالج. فمعظم الفرانكوفونيين العرب ـ ومنهم الأديب الطاهر بن جلون ـ لم ينسلخوا تمامًا عن بيئاتهم العربية. المادية أو المعنوية. فهم يؤكدون دومًا أن ما يميزهم، ويميز معالجاتهم ومقارباتهم هو “الجزء العربي الموجود في ذواتهم العربية الأصيلة”. لذا نجد ملامح وسمات وموضوعات وجماليات هذه البيئات، بمختلف ظروفها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، تتجلي في أغلب كتاباتهم وإبداعاتهم.

ويشير “الطاهر بن جلون”، إلي إنه لو كتب بالعربية التي لا يسيطر عليها تمامًا، فسينتج نصوصًا متواضعة، غير جديرة بجماليات هذه اللغة وعظمتها. . بينما يشير ” ستيتيه” إنه لا يسيطر على العربية والفرنسية، وربما يتقن الفرنسية التي تسيطر عليه. وأنه يعتز بإشتغاله، عبر ثلاثين عامًا، بالفرنسية، لكن لمصلحة الثقافة العربية. ومن ثم ـ برأي هذا الفريق ـ ليس هناك ما يمنع من إعتبار النتاج الأدبي الفرانكوفوني، بأجناسه الإبداعية والفكرية، ليس فقط إضافة حقيقية إلي الأدب العربي. ولكن أيضًا “أدبًاً عربيًا مقرؤءًا بلغة فرنسية”. وقد خطا خطوة كبيرة علي طريق الذيوع والإنتشار العالمي (د.سعيد اللاوندي: مثقفون في مهمة رسمية، دار إيجي مصر للطباعة والنشر، ط1، 1999م، ص: 31).

وإذا ما أعتـُبرت “الفرنسية أداة عمل”، فيجدر اعتبار هذا الأدب الفرانكفوني “أدبا عربيًا أتيح له أن يترجم إلي اللغة الفرنسية في ترجمات صحيحة وسليمة”. كما هو الحال مع ترجمات “نجيب محفوظ”، و”الغيطاني”، و”عزيز الحبابي”، و”إدوارد الخياط” الخ. بل يرون ـ كـ”ياسمينة خضرة”، الاسم المستعار للكاتب والضابط الجزائري السابق “محمد مولي السهول”ـ أهمية نشر الفكر العربي في اللغات الأخرى. وهو ما يحاول القيام به الذين يكتبون بالفرنسية من ذوي الأصول العربية. والخلاصة: اللغة حياة الأمم، و”رمزها” المُعبر عن ثقافتها وحضارتها. ديوان آدابها، ووعاء علومها، وترجمان أفكارها ومشاعرها، وسبيل تواصلها واجتماعها. فلا تستقيم حياة، ولا ثقافة، ولا فهم لتراث، ولا تعايش مع معاصر إلا بها. ويبقي أن إبداع الفرانكوفونيين العرب سيظل يثير جدلًا كبيرًا في الأوساط الثقافية العربية والغربية في آن.

أ. د.ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري

(الفرانكوفونيون العرب)

إقرأ أيضاً:  الإستبن لم يلمس الأرض! - خرافات تقرأها في إعلانات بيع السيارات المستعملة


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

المصابرة والتصبر طريق للصبر

الأربعاء فبراير 22 , 2023
تمت قراءته: 1٬163 الصبر هو انتظار الفرج من كل ضيق وعلى الصابر أن لا يشتكي للناس بما به من وجع فيخرج من دائرة التصبر ويسقط من قائمة الصابرين والصابر هو مطالب بالتصبر والمصابرة دون محاسبة كقول صبرت كذا وكذا وهذا خطأ فالصبر يحتاج صبر آخر ليواسيه ولا ييأس من رحمة […]
المصابرة والتصبر طريق للصبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة