منذ نهاية سنة 2019 عاشت البشرية نوعًا من التغير الذي فُرض عليها -بفعل بشري مقصود أو قضاء نزل- فتغيرت العديد من المفاهيم في الحياة لدى الناس. لم نعد نركن لتلك الرتابة في الحياة و النمطية.
فدخول فيروس كورونا لحياة الناس فرض عليهم تغير عادات دأبوا على القيام بها واستعاضتها بغيرها أكثر جدوى، كما تخلوا عن عادات وجدوا أنها كانت تأخذ من وقتهم وحياتهم الكثير.
يقول الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [1]سورة الشرح.
و يقول محمد عليه الصلاة والسلام “عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ”. [2]رواه مسلم.
فما التغيرات التى حصلت في حياتنا بسبب الكورونا
أولًا: منع الصلوات في المساجد بعدما كانت ملجأ للعابدين يزورونها في أوقاتها الخمس مستأنسين بملاقاتهم لربهم ركعًا و سجدًا، صار لزامًا عليهم تأديتها بالمنازل مع الأهل والأبناء، فكانت فرصة ليجتمع الأب مع أفراد عائلته يؤمهم، و يراقب كيف يؤدي أبناؤه صلواتهم كما يحرص على أوقات آدائهم إياها. فاكتشف الكثير من الآباء كم غافلين عن تربية أبنائهم دينيًا. فهذا لا يتقن الؤضوء و ذاك يجمع صلواته الخمس و هذا يؤديها دون أركانها. فانتبهوا للغفلة التى صاحبتهم و هم من وكلهم الله برعاية رعيتهم و الحرص على ما يفيدها و ما يقربها لله.
“كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” حديث شريف. [3]رواه عبد الله بن عمر.
فكان من نعمة الله أن أعطى لرعاة المنازل فرصة ليعيدوا ترميم ما غفلوا عنه.
ثانيًا: كثير من الآباء لم يكن يعرف المنزل إلا وقت الأكل والنوم فكان الغريب يعرف عن أبنائه مالا يعرفه عنهم كأب. وكانت الزوجات يكابدن عناء التربية و أعمال المنزل دون حافز من رب البيت فلا يعرف مرضها من شفائها ولا تعبها من راحتها. فكان لبقاء الأزواج في المنزل فرصة ليكتشفوا شقاء زوجاتهم وحالة أبنائهم. ليروا و يقدروا عملهن في البيت صحبة أبنائهم.
ثالثًا: حاورت أحد الرفقاء فقال أن الحالة الاقتصادية في بيته تشهد إستقرارا -كونه عاملًا بالوظيفة- فلم يعد ينفق كثيرًا بسبب الحجر. فانتبهت أن كلامه صحيحًا فقد كنت أعمد للدخول للمحلات كل يوم و أنا في طريقي للبيت لكن من الحجر صرت أقتني متطلباتي مرتين، إحداها بداية الأسبوع، وثانيها في منتصفه فقط. فتغيرت عاداتي التى لم أنتبه يومًا أنه يمكن تغييرها. ولست أشك أن الكثير حصل معه الشيء ذاته بطريقة ما.
رابعًا: أزمة كورونا جعلت البشرية تفكر في وظائف جديدة غير تلك المعروفة، فمع الحجر وتوقيف عديد الأنشطة التجارية اضطر بعض الناس لخلق البدائل فلجأوا للتجارة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما ظهرت خدمات التوصيل للبيوت فكانت البديل عن الوظائف المفقودة. كما إزدهرت صناعة الحلويات بين النساء مع البيع والشراء فصارت الغرة منهن متقنة و صاحبة حرفة.
أزمة كورونا قد لا تكون المقصد ذاتها!
فالله سبحانه يختبرنا في أعز الأشياء عندنا. فعند غلق المساجد اعتادت النفوس الصلاة في البيوت ولما فتحت من جديد -مع تدابير وقائية مزعومة- ركنت النفوس للصلاة في المنازل فيما اشتاق البعض لدخول المساجد والعودة لمحادثة الله في بيته. فكان امتحان لنا لنثبت مدى تعلقنا ببيوت الله فصدق فيهم معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام ورجل قلبه معلق بالمساجد فلا يخرج منها الا وقلبه معلق للعودة لها فكان جزاؤه الجنة باذن الله.
خامسًا: خصلة التعاون و التآزر طالما حث عليها ديننا ، لكن مع تسارع حياتنا و طغي المادة بدأنا ننسى بعضنا، فلم يعد الغني ينظر للفقير فجاءت الأزمة هذه لتعيدنا لجادة الصواب فظهرت مبادرات كثيرة من شباب لمساعدة الفقراء و من الميسورين في مساعدتهم لمعدومي الدخل فتجلت صفة التعاون في صورة جميلة وطدت علاقات انقطعت دهورًا.
سادسًا: ما يلاحظ بعد ظهور كورونا أن الاصابة بالإنفلونزا الموسمية قد انخفض معدله ويعزى هذا لنظام النظافة الذي اتبعه الناس، فثقافة غسل اليدين وتنظيف البدن والتى هي من صلب ديننا عززت تقوية الأبدان فصارت أقوى على مجابهة الأسقام.
سابعًا: أزمة كورونا أظهرت للعرب وللعالم أن صفة الضعف اللصيقة بهم لم تكن إلا منومًا سلطه الغرب ليبقوا في الحضيض، فمع بداية الأزمة تهاوت الانظمة التى كانت تفتخر أنها الأقوى فلا أمريكا ولا الصين ولا بريطانيا أو غيرهم من الدول المتطورة إستطاعت النجاة من فتك الوباء. فظهر جليًا أنه مهما بلغ الانسان من التطور فمخلوق صغير مجهري قادر أن يفتك به و يعيده صاغرًا. فالأزمة ساوت العرب بغيرهم فالكل نال نصيبه من الوباء ومن رحمة الله أن كانت نسب الإصابات لدى الدول -الضعيفة- أقل من غيرها -المتطورة- لحكمة يعلمها الله وحده.
صحح مسارك
كل الأزمات و الإبتلاءات التى نمر بها هي رسائل من الله لنا لنصحح ما أخطأنا فيه وقد تكون رسالة لنعود لجادة الصواب وقد تكون رسالة إمتحان ليرتقي عباده الصالحين بصبرهم ورضاهم بقضاء الله والعمل من أجل الآخرة.
محمد دباغ
آولف – الجزائر
الجمعة 30 ابريل 2021
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد دباغ من الجزائر، أستاذ تعليم ثانوي، متحصل على شهادة ليسانس لغة إنجليزية سنة 2007. ناشط بعدة جمعيات ثقافية وخيرية وخريج المدرسة الكشفية. يهوى المطالعة وكتابة القصص القصيرة والمقالات وكذلك الرحلات الإستكشافية.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | سورة الشرح. |
---|---|
↑2 | رواه مسلم. |
↑3 | رواه عبد الله بن عمر. |