أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير!

قد يمن الله ﷻ على عبده بالخيرات والنعم الكثير وآلائه الغفيرة ومن كثرة تقلب المرء في تلك النعم العظيمة فإن ضعيف الإيمان الذي لم يعرف أن يؤدي شكر تلك النعم قد يسئمها ويصيبه المَلل منها وما ذلك إلا بسبب ضعف الإيمان وقلة المعرفة بشكر هذه النعم ثم يكون العقاب على قلة الشكر وجحود تلك النعم الصغار والذلة ويتنزل غضب من ربنا ﷻ. (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)

أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير
89.7 NPR News – WOSU Public Media

يتجلى لنا ذلك في قول الله سبحانه وتعالى:

(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [سورة البقرة 61]

فانظر إلى حال هؤلاء القوم الذين أنعم الله عليهم بالخيرات والنعم ثم كفروها وكيف كان عاقبة أمرهم بل وختم الله الآية بعلة أخرى وهي تشابه الأولى وهي نكرانهم لكل جميل وقتلهم لأنبياء رب العالمين.

وكذلك هناك كثير من الخلق من يكفر نعم الرب

نعم والناظر في حياتنا يجد عجب العجاب إذ أنك ترى في خلق كثير إلا من رحم رب العالمين تجدهم يكفرون بنعم ربهم ولا يؤدون شكرها بل ويستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير ثم سرعان ما تُسلب تلك النعم وتجده يبكي على حاله ولا يدري أن ذلك بما قدمت يداه والله يعفو عن كثير.

وبالمثال يتضح المقال وأصِل بإذن الله إلى ما أردت التحذير منه خلال مقالي هذا.

تجد ((الرجل / المرأة)) قد أنعم الله عليهما (بالحلال) وتكوين أسرة متنعمة في نعم المولى عز وجل من الخيرات وربما يزيدهما من فضله ويهبهما من نعمة الأولاد ويكون ذلك نتيجة استقرار تلك الأسر ثم وهما في هذا الرغد وذلك النعيم يتناسوا شكر رب العالمين بل ربما يكفروها بما هو أكبر من عدم شكرها تراهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.

تراهم ينظرون للحرام رافضين الحلال يبدأ أحدهما بالسير في هذا السبيل المظلم ويعيش ويكون علاقات حرمها الله وربما لا يعنيه إن كان الطرف الآخر يسير في نفس السبيل أم لا وربما يكون الجانب الأخر ضعيف الإيمان فيظن أن العقاب لا يكون إلا كما فعل ولا يدري كل منهما أن الكل يوم القيامة آتي الرحمن فردًا وكل إنسان محاسب على فعله وليست بحجة خطأ الطرف الآخر.

وبعد هذا الجحود وعدم الشكر على ما أحله الله وكأن لسان حالهم استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فيكون ساعتها العقاب والجزاء من جنس العمل فيكون خراب تلك البيوت التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان ولكنها كفرت بأنعم الله. (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)

وياليتك ترى الندم والتوبة وإنما لا ترى إلا النزاع وادعاء محبة الأطفال وأن كليهما لا يهمه في الأمر غير الأولاد وكذبوا فلو أن مصالح الأولاد تهمهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه. بل ويذرهم ربهم في طغيانهم وضلالهم حيث أنهم صموا آذانهم وجعلوا على أبصارهم غشاوة فلا يرون خيرًا ولا يسمعون حقًا رافضين نصح الناصحين وعلى ذلك فقس في كل مواقف الاستبدال.

ومن هنا يتبين لك أن..

النعم تحتاج إلى شكر – أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير

نعم النعم تحتاج إلى شكر ولما لا والله عز وجل يقول ولئن شكرتم لأزيدنكم فمن أراد الزيادة لتلك النعم لزمه شكرها وزيادتها تكون في البركة والطمأنينة والاستقرار والهداية والعفة والطهارة والقناعة والرضا وتزيين الحلال وتشويه وذم وبغض الحرام حتى عند منغصات الحياة تجد أحدهم يميل للأخر حتى تسير الحياة (والمركب تمشي) وأما الشكر الذي يكون سببًا لتلك الزيادة في النعم فيكون بصدق الإيمان دون تزييف ولا تدليس فغالب الناس إلا من رحم الله يهتم بالمظهر ويترك الجوهر يهتم بما يراه الناس ويسمعونه ولا يهتم بإصلاح نفسه على الحقيقة التي لو أصلحها لسار في طريق الشكر من الأمانة وعدم الخيانة فذلك من الشكر.

وكذلك من خلق جو أسري مفعم بالإيمانيات والروحانيات التي تساعد على تماسك تلك الأسر وذلك يكون بالالتفاف على كتاب الله وسنة رسول الله وقراءة في سير الصحابة وإقامة الصلاة في تلكم البيوت وإمامة الرجل لزوجه وأولاده والسعي بين الناس للصلح بين المتخاصمين وأعمال البر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلو كان أحدهما أو كلاهما أمرا بمعروف ونهيا عن منكر لاستحى أن يقترفه أو يجره على نفسه فكل ذلك من شكر النعم الذي يجلب لها الزيادة.

إقرأ أيضاً:  وقت تساقط الأقنعة

لا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير – أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير

نعم لا تكون من هؤلاء القوم الذين لا يفقهون ولا يعقلون وتكون من الذين أرادوا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير جاحدًا لتلك النعم فينقلب بك الحال ومما أراه سببا في ذلك الاستبدال هو عدم تقوى الله في السر كما نتظاهر بتقواه في العلن وأنه مع وجود تلك النعم وأقصد نعم التواصل من شاشات وتليفونات وسهولة المنكر حتى لو زين ذلك الشيطان بأنه من باب مساعدة أحدهم، ثم تكون خطوات الشيطان التي بدأها بما أحله الله ثم نهاها بخراب البيوت فإن المبالغة في استخدام تلك الوسائل لهي من الخطورة بمكان حيث يقضِ أحدهم الساعات الطوال التي ربما لا يقضيها ولا تقضيها مع ما أحله الله وكذلك المناقشات في شئون البيت والاهتمام بالأولاد وذلك لأنه أو لأنها وجدت الراحة في تلك المحادثات فطبيعي أن المحادثات خالية من الأوامر والنواهي والعبوس والغلظة في العبارات بل ربما يتخير أحدهما عبارات لا أقول كما يتخيرها لشريك حياته أو أولاده بل ربما لا يتخيرها مع والديه.

فيبغض الحلال ويزين له الشيطان الحرام والتزيين يكون عندما يرى من حوله حرمة الشيء وقباحته وهو لا يرى فيه إشكال بل يراه أمرًا عاديًا. وكذلك هنا أقول يتمادى فيما هو فيه بسبب رفضه لنصح الناصحين.

حافظوا على النعم التي أنعمها الله عليكم

حافظوا على تعب الآباء والأمهات وتعبكم حافظوا على تلك البيوت حافظوا على الأولاد حافظوا على كل جميل.
واعلموا أن تعب الطاعة سيذهب ويبقى ثوابها.
ولذة المعصية ستذهب ويبقى عقابها.
وعاقبة ذلك الجحود وكفر النعم يظهر في الدنيا قبل الآخرة.
ولا تعرضوا أنفسكم لسخط ربكم وغضبه ثم تشكون حالكم.
ولا تقولون مالا تفعلون فلا تكونوا للناس ناصحين وانتم لا تحبون الناصحين.

حفظنا الله واياكم من كل مكروه وسوء، ورزقنا حسن الرضا وحسن الشكر على نعم الملك ﷻ.

كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر

 

إقرأ أيضاً:  غرباء الدنيا ناجون في الآخرة


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

ذكاء المحمول وجهل الحامل

الثلاثاء يوليو 27 , 2021
تمت قراءته: 1٬832 زمن ولى – ذكاء المحمول قبل أن نخوض في هذه المقالة، لا بأس أن نتحدث في افتتاحيتها عن العلاقات الإنسانية قبل ظهور المحمول أو الهواتف الذكية، وكيف كان الناس يتبادلون الزيارات فيما بينهم للإطمئنان على بعضهم، وكذلك عن الأجواء العائلية الجميلة والعائلة مجتمعة تشاهد التلفاز، أو تستمع […]
ذكاء المحمول وجهل الحامل

اقرأ أيضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة