البروتين “الأزرق”.. مزارع سمكية في عمق البحار

سنويًا. يزداد المعدل العالمي لاستهلاك البروتين. ومع تناقص معدلات صيد الأسماك، وكلفة إنتاج اللحوم، قد يصبح استزراعها مصدرًا هاما ً للبروتين الحيواني. الأكثر استدامة، وتحقيقًاً “للأمن الغذائي”. (البروتين الأزرق.. مزارع سمكية في عمق البحار)

مزارع سمكية
ويكيبيديا

يتجاوز عدد سكان العالم حاليًا 6.9 مليار نسمة. وسوف يرتفع إلى 9.3 مليارًا بحلول عام 2050. ويعتبر أزدياد معدل أستهلاك البروتين الحيواني (وبخاصة اللحوم، والمأكولات البحرية) مؤشرًا دالًا التمتع بمستويات معيشية مرتفعة. لكن تربية الأبقار والدجاج والحيوانات الأخرى تستلزم مناطق زراعية، ومراعي شاسعة (ومتزايدة بنحو 50% – 70%)، ومياه عذبة، ووقود أحفوري يلوّث الهواء، وأسمدة كيمائية يُرمى في الأنهار والمحيطات.

كما لم يتغير مردود الصيد العالمي (توفر الأسماك 7% من البروتين العالمي) خلال العقد الماضي، بل إنه آخذ في التناقص. فالعديد من المصايد الطبيعية للأسماك قد استُغلت لأقصى حد ممكن. أما أحواض مزارع الأسماك التقليديّة عبارة عن سلسلة من الحظائر الشاطئية المعانقة للشواطئ. وهي تثير، في العادة، الاستياء لبشاعة منظرها، ولتلويثها مياه البحر لما ينتج منها من فضلات الأسماك وبقايا الطعام التي تعكر المياه الضحلة الهادئة. مما تزيد من تكاثر الطحالب الضارة التي تضر بالعديد من الأحياء البحريّة، وتعمل على نفوق عدد من الكائنات الحية التي قد تعيش تحت تلك الحظائر.

لذا ظهرت الحاجة لأشكال جديدة وحديثة من الإستزراع السمكي. مزارع كبيرة وبعيدة عن الشواطئ Offshore Aquaculture ومثبتة في قاع البحر. وقد ظهرت، هذه المزارع السمكية غير التقليدية، بعد سبعينيات القرن العشرين كواحدة من 20 عمليّة عالميّة تحاول الإستفادة من آخر التخوم الزراعية على الكرة الأرضية وأعظمها: المحيط. فما مدى استدامة هذه المزارع “الزرقاء”، وفعاليتها الاقتصادية؟

تتكون المزارع “المائية” من جزء فوق سطح الماء يضم أماكن الإدارة والمراقبة والتخزين والإتصالات). وجزء مغمور عبارة عن أحواض (محوّطة بأقفاص/ سياج يحمي من هجوم الأسماك المفترسة) تصل أحجامها إلي 130 ألف متر مكعب (تعادل 31 فدان ماء). ووتنتشر هذه المزارع في البلدان الآسيوية والدول الإسكندنافية، وتكون بعيدة عن الشواطيء فلا تسبب تلوثها. وهناك ـ علي سبيل المثال ـ سبع حظائر في المياة الزرقاء علي شاطئ كونا Kona، أكبر جزر هاواي، وتبعد نحو نصف ميل من الشاطئ. ويبلغ حجم الواحدة من مزارع “كونا” حجم صالة رياضة مدرسيّة. مثبتة في قاع البحر بين التيّارات السريعة التي تزيل الفضلات وتخفف من تركيزها بسرعة إلى مستويات أقل ضررا في البحر الجاري.

(مزارع سمكية)

إقرأ أيضاً:  الأجبان ساحرة موائد الطعام

مساحة إعلانية


ويتابع المزارعون زراعاتهم السمكية عبر الغوص (بأقنعة، وقصبات التنفس، وملابس الغوص) ليرعوا قطعانهم من الأسماك عالية القيمة من البروتين (الأزرق) كالتونة، والسالمون، والبكلاه، والقاروص، الجمبري (الروبيان)، والوقار(الهامور)، والأسماك صفراء الذيل الخ. لكن الجانب الذي يصعب معالجته في استزراع الأسماك البحرية (مياه مالحة) هو الحاجة إلى استخدام أسماك صغيرة برية لإطعام الأسماك الكبيرة. ولا تستزرع الأسماك الصغيرة بسبب وجود صناعة تقوم بصيدها وطحنها لتصنع منها علف الأسماك الكبيرة واستخلاص زيت السمك. ويخشى النقاد من أن يؤدي الطلب المتزايد من مزارع السمك إلى القضاء على الأنشوا البري والسردين والأسماك الأخرى التي تستخدم كغذاء (الزراعة المائية تستهلك 68% من العلف).

علي أي حال. تنتج الزراعة المائية 47% من الحاجة الكلية إلى المأكولات البحرية للبشر. وتستطيع أن تزود على نحو مستديم 62% من البروتين العالمي الكلي بحلول عام 2050 فيما إذا استمرت بالنمو بالمعدل الحالي نفسه الذي يبلغ 7.4%، واستمرت الزراعة بالنمو بمعدل 2.0%. وقد عمد بعض المهتمين إلى تصور أكثر جرأة. حيث يحق لكل أمّة إدارة مسافة 200 ميل بحري اعتبارا من شواطئها، وتلك مساحات شاسعة غير مستغلة بعد في إنتاج الطعام للبشر. وتمتلك الولايات المتحدة إمكانات محتملة واسعة. حيث تستطيع مزارع الأسماك في البحر القريبة من السواحل والبعيدة عنه أن تتوسع على نحو كبير في المياه الاتحادية. كما تمتد «المنطقة الاقتصادية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية» إلى 200 ميل بحري من الساحل. والمنطقة البحرية للولايات المتحدة (أزرق) أكبر من يابستها. فهي تبلغ 3.4 مليون ميل مربع بحري.

ويمكن إقامة حظائر أسماك مغمورة في مياه المحيط ومزودة بمحركات كبيرة لتسبح في تيارات هذا المحيط الدائمة، ومن ثم ترجع بعد عدة أشهر إلى نقطة البداية أو إلى مناطق بعيدة كي تورّد السمك الطازج إلى أسواقها. ففي أواخر عام 2008، قام المدير السابق لمركز هندسة الاستزراع المائي في معهدMIT بتجربة أول حظيرة سمك مغمورة ذاتية الدفع في العالم. وذلك قبالة شاطئ بروتريكو. يقول المهندس “گودي”: إن الحظيرة، وهي على شكل قفص منحني السطوح قطره 62 قدمًا، برهنت على قدرتها على المناورة عندما زوِّدت بزوج من مراوح الدفع طول كل منها ثمانية أقدام. ومن الممكن إطلاق عشرات المزارع المتحركة تباعا – كل تسعة أشهر- في التيارات البحرية التي يمكن التنبؤ بحركتها أثناء عبورها البحر الكاريبي.

(مزارع سمكية)

إقرأ أيضاً:  شاي بالملح، والبهار

مساحة إعلانية


المزارع السمكية البروتين الأزرق
ويكيبيديا

خمس طرق متنوعة – البروتين الأزرق.. مزارع سمكية

  1. أقفاص البحر المفتوحة: قد تستطيع سلسلة من الأحواض المتنقلة والمغمورة بالماء والمتحكم فيها من بعد وتدار عن طريق مراوح أو دافعات، ركوب تيارات متوقعة، لتصل بعد عدة أشهر إلى مناطق بعيدة تكبر أثناءها الأسماك. وقد توزع آلات العلف المخزن في الصاري المركزي.
  2. أقفاص بعيدة عن الساحل: يوضع السمك الصغير في قفص مثبت يبلغ حجم صالة الألعاب الرياضية، ويستمر غمر الصاري المركزي للحوض تحت الماء حتى ينضج السمك. ويرسل مركب أو زورق بخاري الطعام إلى الداخل عن طريق أنابيب، وتزيل التيارات الطبيعية فضلات السمك، ويرفع الحوض إلى سطح الماء لجني الأسماك وللتنظيف.
  3. أطواق التوربين: يلتصق بلح البحر والأعشاب البحرية بسرعة بأسلاك تركيبية وتنمو نموًا طبيعيًا. ويمكن وضع هذه الأسلاك حول التوربينات أو بينها في المزارع الهوائية البعيدة عن الشاطئ لتعزيز الاستثمار ولتساعد على تقليص المنافسة على المساحات البعيدة عن الشاطئ.
  4. البرك الشاطئية: يفقس جميع السمك البحري في برك على اليابسة، ثم ينقل العديد منه إلى أحواض في البحر عندما تصبح الأسماك كبيرة كفاية (أصبعيات). إلا أن بعض المبتكرين يربي السمك ليصل إلى أحجام يمكن جنيها في برك شاطئية، حيث يسهل التحكم في الملوثات والأمراض والسمك الهارب.
  5. أحواض شاطئية: الأحواض المتشابكة الثقيلة هي نسبيًا سهلة الإرساء والتحكم فيها. وتستطيع مزودات الطعام الآلية أن تقلص من هدر الطعام فهي تتوقف عن العمل عندما تكتشف حساسات الأشعة تحت الحمراء في قاع البحر بقايا طعام تخرج من دون أن تؤكل. كما تستطيع الأعشاب البحرية وبلح البحر الذي يتغذى بفضلات الأسماك فيما لو رُبي فورًا “في اتجاه مجرى الماء” أن تقلل من التلوث وتزيد من الدخل الإجمالي. كما يمكن وضع عدد كبير من الكائنات آكلة الفضلات، مثل قنفذ البحر الأحمر، تحت الأحواض.

لا شك أن “سياسة الپروتين الأزرق” تحتاج إلى تطوير مستمر لتقنياته ومعداته. فأدوات مثل منظفات آلية للشبكات وأجهزة التغذية الأوتوماتيكية وأجهزة التصوير المتحكم فيها من قبل الأقمار الصناعية لمراقبة صحة الأسماك والأعطال التي قد تصيب الأقفاص. كذلك بحاجة إلي سياسات مناسبة، ومجالات منافسة منصفة كي تتمكن من النمو وتحقيق الاستدامة. ولكي نخفّف الضغط على اليابسة ونتوجه نحو البحار، حيث تتاح فرص القيام بالزراعة المائية على نحو صحيح، ولعقود قادمة.

وجملة القول: من أين يتم توفير الطلب المتزايد علي الپروتين الذي يحتاجه البشر؟ سؤال يقلق الكثيرين من المعنيين بالأمر. في نظر بعض العلماء تستلزم دعوات إطعام العالم تحويل إنتاج پروتيننا الحيواني إلى البحار. ولكن كي تستطيع ثورة “الطعام الأزرق” أن تملأ هذا الطلب المتزايد، عليها أن تعمل وفقا للطرق البيئية السليمة. ويعتمد توفير “البروتين الأزرق” عبر المزارع المائيّة الجديدة البعيدة عن السواحل علي حُسن تشغيلها. وعبر المزارع الشاطئية فيما إذا كانت قابلة للتنظيف والتأقلم مع البيئة المجاورة.

أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري

(مزارع سمكية)

إقرأ أيضاً:  القواقع الصالحة للأكل.. زراعة المحار


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

العلم وسنة الإستخلاف في الأرض

الأربعاء يونيو 8 , 2022
تمت قراءته: 2٬172 خلق الله سيدنا آدم أبا البشر أجمعين وأنبأ ملائكته بأنه خليفته في الأرض، فلما استنكرت هذه المخلوقات النورانية أن يكون لبشر هذا المقام جعل الله له الحجة عليهم بالعلم. (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ […]
البحث العلمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة