الطب فى مصر القديمة

بسم الله الرحمن الرحيم
(الطب فى مصر القديمة)

مقدمة – الطب فى مصر القديمة

مصر كنانة الله فى أرضه حفظها الله وخصها بالعديد من المميزات عن غيرها من الدول والأقطار سواء فى العصر القديم أو الحديث، قام على أرضها أهم وأعظم حضارة فى تاريخ البشرية هي الحضارة المصرية القديمة التي يعود تاريخها لأكثر من سبعة الاف سنة ومازال عظمة وفخامة تراثها وتاريخها موجود حتى وقتنا الحاضر. (الطب فى مصر القديمة)

الطب فى مصر القديمة
أنا أصدق العلم

لذلك فى هذا الموضوع سوف ألقي الضوء على جانب واحد من الجوانب والمجالات التى برزت فيها حضارتنا المصرية القديمة، وهذا المجال الذي سنتحدث عنه هو مجال الطب عند المصريين القدماء، وكيف توصل المصري القديم الى معرفة العديد من الأمراض وتشخيصها ومعرفة أسبابها، والبحث عن طرق ناجحة لعلاجها، إن اكتشاف علم الطب فى مصر القديمة يعود إلى أول طبيب فى التاريخ المصرى وهو الطبيب إيمحوتب، والملقب بأبو الأطباء، فهو لم يكن مجرد طبيب فقط بل كان موسوعة علمية لم يشهد التاريخ الفرعونى له شبيه، لعل من أبرز عباراته التى تدل على مدى الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتحلى بها الطبيب وتبين بأن مهنة الطب منذ القدم مهنة لها قدسيتها ومبادئ أخلاقية، فقط أوصى الطبيب المصرى القديم إيمحوتب الأطباء قائلا:

” لا تسخر من الإنسان الذي به إعاقة، ولا تسخر من الذي فقد بصره، ولا تضحك من الرجل الذى عقله فى يد الله “.
إقرأ أيضاً:  الحضارة العربية الإسلامية في النظم و العلوم و الفنون

مساحة إعلانية


وبالنسبة لأهم مصادر لدراسة الطب فى مصر القديمة يمكن أن نجد ما توصل إليه المصريين القدماء فى مجال الطب محفوظا فى البرديات التى تم العثور عليها والتي من أبرزها:

بردية إدوين سميث

هذه البردية يرجع تاريخها لسنة 1550 ق. م، تعود إلى السنة التاسعة من حكم أمنحوتب الأول، تختص هذه البردية فى علاج الجروح وأمراض المستقيم وأمراض الشيخوخة، بالإضافة إلى جراحة عظام الجسم بأكمله من الرأس حتى القدمين، يرى برستد أن هذه القرطاسية هي أقدم ما كتب فى تاريخ الجراحة، كما يرى الأستاذ كامل حسين أن صاحب هذه القرطاسة يحتمل أنه عاصر بناء الأهرام.

بردية ايبرز

أما عن بردية ايبرز يرجع تاريخها أيضا لسنة 1550 ق. م، تختص هذه البردية بمجموعة من الأبحاث قد دونها الكاتب مثل توسلات للالهه، وصفات لأمراض الجلد والأطراف والعيون، وأمراض النساء وعلاجها، مؤلفات عن القلب والشرايين، تبدأ هذه البردية بالآتى ” هنا يبدأ كتاب تحضير الأدوية لكل أجزاء الجسم وأمراضه، وقد ولدت فى هليوبوليس. وملوك الخلود والنجدة ولدت فى سايس مع الهات الأمومة. ومنحنى سيد الكون كلمات أستعين بها على طرد الأمراض من الآلهه “.

بردية كاهون

يرجع تاريخها لسنة 1900 ق. م، تختص فى أمراض النساء والولادة والحمل والطب البيطرى.

بردية برلين

هذه البردية يرجع تاريخها لسنة 1300 ق. م، تضم مجموعة من التعاويذ والوصفات الطبية.

بردية لندن – الطب فى مصر القديمة

هذه البردية الكتابة عليها غير واضحة فهى ممسوحة، لكن من الملاحظ فى هذه البردية هو امتزاج الطب بالسحر.

إقرأ أيضاً:  أسس تعلم اللغة الإنجليزية وغيرها للمبتدئين (الخلاصة)

مساحة إعلانية


بردية كارلزبرج – الطب فى مصر القديمة

يرجع تاريخها لسنة 1200 ق. م، تختص بأمراض العيون والولادة.
أما بالنسبة لمدارس الطب فى مصر القديمة، فقد كان من أشهر مدارس الطب مدرسة سايس، وكانت هذه المدرسة تهتم بتدريس علم الولادة، وأمراض النساء أيضا كان يوجد مدرسة أخرى فى هيلوبوليس لتدرس علم الطب كانت تسمى مدرسة إيونو.
والجدير بالذكر أن المصريين القدماء حرصوا على عدم تفش سر المهنة؛ لذلك يرى ديودور الصقلي أن التدريس أحيانا كان يتم من الأب لابنه سرا، وهذا نفس الشيء الذي نجده عند الأغريق، فقد كانت أسرار مهنة الطب محصورة على سلالة أسقليبيوس، كما كان أبقراط يفرض على الأطباء قسم كتمان سر المهنة، وعندما غزا الإغريق مصر ظل الكهنة محتفظين بأسرار العلوم.

أما عن الأطباء فى مصر القديمة فقد كان الطبيب يطلق عليه “سينو” هذه الكلمة بالهيروغليفية تحتوى على قنينة ومشرط، والأطباء فى مصر القديمة لم يميزوا بين الطب البشرى والبيطرى، فقد برعوا فى كليهما، فقد كانوا يتمتعوا بقدر كبير من الشهرة والمهارة لدرجة أنهم وصفوا بأبناء بيون وهو طبيب الالهه هذا طبقا لما ورد على لسان هيرودوت.

أما عن أشهر الأطباء القدامى فى مصر الطبيب إيمحوتب الذى عاش فى مصر فى عصر الأسرة الثالثة سنة 3000 ق. م، ذكره سير وليم أوزلر قائلا عنه: ” أنه أول شخصية طبيب ظهرت فى التاريخ البشرى “، حظى هذا الطبيب بمكانة مرموقة فى عهد الملك زوسر، وبلغ الأمر إلى حد التأليه والتقديس كما ربط الإغريق بينه وبين إسكليبوس إله الطب عندهم.

الطب في مصر القديمة
ويكيبيديا

أما عن الأمراض المعروفة فى مصر القديمة نجد أن الطبيب المصري القديم قسم الأمراض لنوعين الأول خارجي والثاني داخلي، فقد اعتقدوا أن الأمراض الخارجية تحدث إما بسبب مثيرات خارجية أو بسلاح أو بنار وغيره، أما الأمراض الداخلية تحدث نتيجة أسباب خفية.

إقرأ أيضاً:  الوزير أبو سعيد عثمان بن جامع ودوره السياسى فى دولة الموحدين

مساحة إعلانية


عرف المصريون القدماء العديد من الأمراض، فقد عرفوا مرض الطاعون ومرض الديدان (الأسكارس) وعالجوه بالخس والبصل والشبت، كما عرفوا البول الدموي ومرض السكر، وعرفوا أنواع من الشلل، عرفوا أيضا مرض السيلان لكنهم لم يعرفوا مرض الزهرى، وعرفوا شلل الأطفال.

برع الطبيب المصرى القديم فى علم التشريح، اعتمد على تشريح الحيوانات، ومن ثم جاءت الكتابة الهيروغليفية مستوحاة من الحيوان فمثلا الأسنان مستوحاة من ناب الفيل، والرحم هو صورة لرحم البقرة ويعرف بإسم حميت أو موت – رمث.
أما عن طرق الفحص كان الفحص يمر بعدة مراحل أولا يتم فحص المريض بسؤاله عما يشكو به من الآلام، ثم الرؤية، ثم حس الأعضاء وشم العرق، وعرفة حرارة الجسم، ثم فحص البول والبراز.

كما عرف المصريون القدماء الطرق وهو أن يوضع اليد على الجسم والطرق عليها كما هو الوضع فى الوقت الحاضر، بعدها يقول الطبيب للمريض ” انظر إلى اليمين، ثم إلى اليسار، وإلى أعلى وإلى أسفل “، فإذا لم يستطع المريض ذلك فيشخص نقل فى فقرات الرقبة، أما إذا أصيب الجسم بالحمى، وحدثت به تقلصات، وإذا وجدت وجه المريض وقد غطاه العرق، وجمدت عروق رقبته وأسنانه، وأزرق وجهه والتوى حاجباه، وبدأ وكأنه يبكي فقل: ” هذا مرض لا أقدر له على شئ “، ولكن فى حالة ظهور علامات الاسترخاء فضع فى فمه أنبوبة ملفوف حولها قماش، وعالجه وهو جالس حتى يصل إلى النقطة الحاسمة من مرضه.

برع المصريون القدماء فى طب الأسنان، فمن أشهر هؤلاء الأطباء الطبيب حزى رع – بسماتيك سنب – نى عنخ سخمت – نفر يوتيس.

كانت الإصابة بتسوس الأسنان محدودة للغاية، ولكن من الشائع الإصابة بالخراريج، يقول سميث ” لم يكن فرعون فى ترف طيبة أن يواجه دسائس الكهنة فحسب، ولكنه كان ضحية لآلام الأسنان أيضا “، مشيرا إلى ما تعرض له أمنحوتب الثالث، فقد عالجو هذا التسوس بالعسل والصمغ وسلفات النحاس.

أما عن الولادة فقد عرف المصريون عدة أمور فى الطب متعلقة بالمرأة وصحتها فعرفوا الولادة والإجهاض، وعرفوا اختبار الحمل للمرأة ومعرفة إذا كان عقيما أو العكس، فمن خلال إدخال لبوس من الثوم فى فرج المرأة وإذا وجدت رائحته فى الفم دل ذلك على سلامتها وقدرتها على الإنجاب والولادة، وذلك لأن هذه الرائحة تمر من البول الى التجويف البرتيوني ثم إلى الرئتين ثم النفس، هذا فى حالة سلامة البوق وخلوه من الانسداد، هذه الطريقة أثبتها الطب الحديث وذلك من خلال الحقن بمادة الليبيودول والأحساس بطعمها فى الفم، وحقن الفنول فثالين ثم البحث عن هذه المادة فى البول.

عرفوا أيضا إختبار الحمل وإذا كان الجنين ذكرا أو أنثى، فقد كان هناك عدة طرق لمعرفة جنس المولود منها أن تتبول السيدة على حبة قمح مرة ومرة أخرى على حبة شعير، فإذا أنبت القمح كان المولود ذكر والعكس إذا أنبت الشعير تكون المولودة أنثى، أما فى حالة عدم إنبات أى من القمح أو الشعير دل ذلك على سلبية التحليل أى أنها غير حامل.

لكن هناك سؤال قد يسأله البعض وهو كيف كانت تتم عملية الولادة؟

كانت السيدة تجلس فى شكل القرفصاء أو السجود ويقف خلفها الالهه نيت، وسيدة مساعدة وأخرى تحمل علامة الحياة عنخ، وأمامها القابلة والمرضعة والخادمة فى بعض الأحيان يوضع حجرين بين فخذ السيدة الحامل ربما استخدم؛ لوضع رأس السيدة عليه كبديل لكرسى الولادة فى الوقت الحاضر، فلقد عثر على كرسى من هذا النوع فى مقبرة خنموزي، وظن البعض أنه استخدم لقضاء الحاجة، ولكن من المحتمل أنه قد استخدم فى عملية ولادة.

أما عن الرمد فقد كانت أمراض العيون من الأمراض المنتشرة فى مصر القديمة ولذلك اهتم الأطباء بعلاج أمراض العيون، كان أطباء الرمد فى حماية إله تحوت ذلك الإله الذى عالج عين حورس بعد أن مزقها عمه ست إلى أربع وستين قطعة، أيضا الإله آمون هو الطبيب الذى يشفى الأعين بغير دواء فقد عرف بآمون فاتح العينين، والمخلص من الحول.

إقرأ أيضاً:  التفاوت البشري

مساحة إعلانية


كما ارتبطت أمراض العيون بآلهة أخرى مثل إلإله دواو وهو إله الرمد وتركزت عبادته فى مدينة أون، عرف أيضا المصريون القدماء المياه البيضاء فوق العين والسحابة والدهون، والعمى الليلى، وعالجوه بكبد بقرة مدخن، وقد أثبت الطب الحديث صحة هذا العلاج لإحتوائها على فيتامين، واعتمد علاج العين على استخدام مركبات الأنتمون والكحل، وسلفات النحاس وكبريتات الرصاص، هذا كله يستخدم فى وصفات سحرية لعلاج العيون وبرع فيها المصرى القديم.

خاتمة – الطب فى مصر القديمة

فى الختام أرجو أن أكون قد وفقت فى إلقاء الضوء على مدى تقدم حضارتنا المصرية القديمة فى مجال الطب، وإبراز أهم مصادر الطب المصرية القديمة، فقد تضمنت هذه الدراسة عدة موضوعات كان أهمها برديات الطب فى مصر قديما، وبعض الأمراض التى نجح المصرى القديم فى اكتشافها ومعرفة اسبابها وطرق علاجها، كما ذكرنا أيضا طرق الفحص والتشخيص قديما وبعض الطرق والوصفات الطبية القديمة التي استخدمها الطبيب المصري القديم، وأثبت صحتها العلم الحديث، فالهدف من هذه الدراسة هو توضيح مدى قدسية مهنة الطب، وأنها من أنبل وأعظم المهن التى عرفتها البشرية، فالطبيب المصرى القديم ضرب مثالا رائعا على مدى إنسانية هذه المهنة، وأن صاحبها يجب أن يتحلى بالعديد من الأخلاق الطيبة الحميدة بالإضافة إلى الضمير الحى، ففى النهاية اختم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله” (الراوي : – | المحدث : ابن باز | المصدر : فتاوى نور على الدرب لابن باز | الصفحة أو الرقم : 1/387 | خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية)

رنا حسين شوقي
طالبة جامعية

(الطب فى مصر القديمة)

إقرأ أيضاً:  سلطان المال


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


المراجع:

– عبد العزيز صالح، حضارة مصر القديمة وآثارها، ج1، فى الاتجاهات الحضارية العامة حتى أواخر الالف الثالث ق. م، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1992.
– أمين عبد الفتاح محمود عامر، الحضارة المصرية القديمة، مكتبة نورهان، طنطا.
– سمير أديب، تاريخ وحضارة مصر القديمة، مكتبة الإسكندرية، 1997.

 

⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

السياحة في كوريا الجنوبية

الأحد أغسطس 14 , 2022
تمت قراءته: 1٬294 إن انتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي جعلتنا أكثر تطلعا لتفاصيل حياة الناس، وطريقة عيشهم وايضا التقاليد والثقافات المنتشرة في الدول الأخرى مما يجعلنا نفكر ونرغب في السفر للخارج. (السياحة في كوريا الجنوبية) السياحة في كوريا الجنوبية إن السياحة في الخارج تجعلنا نعيش خارج منطقة الراحة الخاصة بنا، […]
السياحة في كوريا الجنوبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة