علاقات غير مفهومة وليست ذات معنى

طالعنا منذ عدة أشهر تريند هاني -الذي لم يكن وقته ولا مكانه، ولن يفيدنا بشيء يومًا ما-، لكن لفت نظري تعليق وجودي جميل: (علاقات غير مفهومة)

لما هما متفاهمين قوي كده، وقادرين تكون المساحات القوية دي بينهم، مش بيتجوزوا ليه؟
علاقات غير مفهومة
Freepik

السؤال وجودي ومهم جدًا في الحقيقة، لكن لكي نستطيع أن نجاوبه بصورة صحيحة، يجب أن نتكلم عن أشياء مختلفة.

  • أولها: ما هي مساحات التعامل المتعارف عليها فى مجتمعنا؟
  • ثانيها: ما معنى الصداقة؟
  • ثالثها: ما هو الزواج فى عرفنا العربي؟

وفى محاولة منا لإجابة السؤال الوجودي السابق، سنحاول غزل إجابات الثلاثة أسئلة السابقة سويًا.

أولًا: مساحات التعامل وأزمة المجتمع معها (علاقات غير مفهومة)

من المهم جدًا أن نسأل عن مساحات التعامل المتعارف عليها فى مجتمعنا. ربما إن اتفقنا بداية أننا مجتمع أناني فى أغلب توجهاته، سنوفر إجابة ضمنية لشكل مساحات العلاقات والتعاملات بشكل عام فى مجتمعنا. فببساطة شديدة، المساحات تُعطى حسب مصلحة الفرد دون الآخر، إلا من رحم ربى، وفهم التعامل بمبدأ المشاركة الحقيقية؛ عندها فقط هو من يفهم لمن وكيف تكون المساحات فى أنواع التعاملات المختلفة.

(ببساطة: أغلب الشعوب العربية لا تعرف ما المساحات المفروضة للعلاقات، وتتعامل بمنطق التطفل الزائد)

إقرأ أيضاً:  الطبقية الفكرية

ثانيًا: الصداقه مصلحه أم سمو؟ (علاقات غير مفهومة)

ولأن الصداقة هى إحدى صور التعاملات بشكل عام، فمن البديهي أن نسأل عن معنى الصداقة.

تعريفات الصداقة متنوعة ومختلفة، وكل فرد يتطرق لها حسب رغباته. لكن العموم قد يمكننا من التأكيد أن الصداقة هي سند. قد يكون سندًا ماديًا كالقوة، أو معنويًا كالعاطفة، أو النوعين مجتمعين. فى النهاية لابد من توفر مساحة أمان قوية بين الأطراف، غالبًا يوفرها مشتركات مختلفة قد تكون أحداثًا أو صفات.

وللأسف، وجود صداقة حقيقية فى مجتمعنا أمر صعب للغاية، مع الأخذ فى الاعتبار ما اتفقنا عليه منذ البدء، أننا مجتمع أناني، مصلحة الفرد فيه مقدمة دائمًا دون الآخر.

(ببساطة الصداقة عند الأغلب: بم ستفيدني وأين سأجدك؟!)

ثالثًا: الزواج احتياج وضرورة أم مجرد واجهة اجتماعية؟

وبما أن الصداقة المعنية هنا خطوة فى مفهوم الزواج، لذا فلنسأل: ما هو الزواج فى عرفنا العربي؟

فى الواقع، مجتمعنا يتعامل مع الزواج وكأنه مفروض أو جبر حياتي، وهنا تكمن المشكلة، لتحوله لأمر ليس من وظائفه.

الزواج ليس إجبارًا، بل هو اختيار. ربما وجود الأب والأم والأخوة وكل ما هو ذا صلة دم، إجبار يجب أن نتعامل معه، أيًا كانت الطريقة سلبًا أو إيجابًا. أما الزواج فلا، اضطرار التعامل مع فرد من اختيارنا غير مبرر!

الزواج ليس علاقة روتينية عقيمة، بل هو تجسيد أسمى لبناء حياة مشتركة، تستند لطرفين، إن لم يتفقا على السند، انهار البناء، حتى وإن زيناه من الخارج.

لكننا فى مجتمع يرى الزواج روتينًا، وحساباته التوافقية لا تحمل التوافق النفسى للطرفين غالبًا، ويحتمل دائمًا عبارات مثل: “التعايش والتكيف والتطنيش و و و…” من عبارات التعامل مع الاختلاف الكلى والشامل وكأنه لايهم.

(ببساطة: الزواج فى مجتمعنا خطوة تطور طبيعى للحاجة الساقعة، مش مهم تفاصيل الأفراد المهم شكلها الحلو)

إجابة السؤال الوجودي

هنا، أظننا أنه يمكن أن نعود سويًا لإجابة السؤال الوجودي للتعليق: “لما هما متفاهمين قوي كده، وقادرين تكون المساحات القوية دي بينهم، مش بيتجوزوا ليه؟”

السؤال استنكارى ومنطقى جدًا، وإجابته الاستنكارية الواضحة: “طبعًا المفروض يتجوزوا، لكن حقيقي ليه مش بيعملوا كده؟!”

مع افتراض أننا أمام فردين لديهما من الوعى ما يفهمان به معنى وجود علاقة لا تتهم بالأنانية فى ظل مجتمع أناني -كما أوردنا سابقًا-، ولديهما من التجربة ما يميزان به سمو علاقة الصداقة، ولديهما العقلية المدركة لقدرتها الاختيارية فى عملية الزواج.

والأهم أنهما يملكان القوة الكافية لمواجهة مجتمعهم بعلاقة صداقة ضد عرف المحيط العام. ألا يجدر بنا السؤال، لم يتمسكان بعلاقة زواج خاطئ بدلًا من مواجهتها؟!

هل ما يمرون به خلل نفسى فى الشعور؟ أم خلل فكرى للمفاهيم؟ أم هى تراكمات صدأ من انقلابات معايير المجتمع الواهية كما أسلفنا بالإيضاح؟!

وإن كانا بهذا الوعى للمساحات الآمنة، وبمعنى الصداقة الحقيقية، وبالاشتراكية التى تساهم فى بناء الثقة والسند، لِمَ لَم يواجهان واقع زواجهما الخاطئ، ويتخليان عن الاختيار الخاطئ، ليبنيا علاقة صحية لزواج حقيقى؟!

ربما إن كانا فى مجتمع مدرك وفى بيئة صالحة، لما اضطررنا لمثل هذا الحوار والتفسير. ربما كانا ليصبحا زوجين فى مجتمع صحي فكريًا وعاطفيًا!

أو ربما ليس لهم كل هذا الوعى، وفقط يمارسون نوعًا نفسيًا من التمرد الخالي من أي معنى أو هدف، مع الحفاظ على موروثاتهم القهرية للعلاقات.

#ندى_الصناديقي

 

إقرأ أيضاً:  اعوجاج البنية النفسية في المجتمعات العربية


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

لأنك الله

الخميس يوليو 8 , 2021
تمت قراءته: 2٬120 كنت أشاهد فيلمًا وثائقيًا يتحدث عن الصين. و كان يعتبرها هي القوة القادمة. والتي سيكون لها ثقل مستقبلي، اقتصاديًا، وربما في مجالات أخرى. لكن كل ما سبق لا يعنينا، وبينما أنا أشاهد، إذ بي ألحظ أن البلد مليء بكاميرات المراقبة. وعندما بحثت، وجدت أنها تصنف كأول دولة […]
لأنك الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة