كرنفالات الشعوب متاحف “انثروبولوجية” مفتوحة، تعرض مختلف الثقافات والعادات والتقاليد. إنها مهرجانات عالمية بهيجة، واحتفالات تراثية عريقة. تحمل قواسم ثقافية، وتمازجات حضارية. منها ما أدرجته منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن “روائع التراث الشفهي، غير المادي للإنسانية”.
لاتزال حياة الشعوب والأمم، تزخر بالعديد من الكرنفالات والمهرجانات والاحتفالات المتنوعة. والكرنفالات Carnivals: احتفالات صاخبة، واستعراضات شعبية واسعة. ولعل مصدر الكلمة جاء من الإيطالية: كارنوفالي Carnovale المتطورة من اللاتينية: كارنيم carnem، وتعني (اللحم)، وليفاري levare، وتعني (السماح). وقيل أنها نشأت من اليونانية: كاروس نافيلس Carrus navalis، وتشير لموكب شعبي يُقل “الإله أبولو”.
ولعل أغلب الكرنفالات كانت تبدأ وقت الإنقلاب الشتوي (عند بواكير فصل الربيع). وتتسم إجمالًا. بارتداء الأقنعة، وملابس التنكر الباهرة، وعزف الموسيقى، وترديد الأغاني، وآداء الرقصات المحمومة، ودق الطبول لطرد الشياطين الضارة بالمحاصيل إلخ. ومع مرور الزّمن، أصبحت الكرنفالات احتفالات “فلكلورية” مشهودة ومشهورة. عالميًا. تتوحد أهدافها، وتتنوع أشكالها، ومضامينها، ودوافعها، وطقوسها، وأوقاتها، ونوع السعادة التي تمنحها لممارسيها.
أشهر كرنفالات العالم
يعتبر كرنفال “ريو دى جانيرو” بالبرازيل من أشهر الكرنفالات العالمية. عطلة وطنية، يُحضر له طوال العام، ويحتفي به في أنحاء البرازيل. لكن الكرنفال الأكبر يقام بالعاصمة “ريو” (28 فبراير- 4 مارس سنويًا). حيث تعمها الاحتفالات الغنائية، والرقصات البرازيلية، وبخاصة “السامبا”. ويرتدي المشاركون أغطية الرأس الملونة، والأزياء المٌبهجة، ولا تغيب الألعاب النارية، والعروض الفلكلورية، والمنافسات الإستعراضية. أما كرنفال “أورورو” (Carnaval de Oruro) فمهرجان ثقافي سنوي في “بوليفيا”. أعلنته اليونسكو عام 2001 كأحد “روائع التراث الشفهي غير المادي للإنسانية”. ويقام الإحتفال عند أقدام تمثال “عذراء سوكافون” المُرتفع لنحو 150 قدمًا. وتقام الاستعراضات الراقصة من خلال آلاف الموسيقيين، وعشرات الفرق الشعبية. وينتشرون على امتداد خمسة كيلو مترات وسط البلدة. ويرتدي الناس ملابس طريفة وغريبة، ويحتفلون ليومين. ويبرع منظموه في إبراز تميز “بوليفيا” بثراء ثقافتها، وتمازج أعراقها.
وفي عام 1922 اضطر سكان “نيجابا”في”السلفادور” لإخلاء بلدتهم بسبب نشاط بركاني. وفي غمرة ذلك، تساقطت كرات من النيران، فظن الناس أن القديس “سانت جيرومينو” يحارب الأشرار دفاعًا عنهم. وتخليدًا لذلك يقيمون مهرجانًا سنويًا، فيتكون فريقان للتراشق بكرات النار. وقد يستخدمون، في المباريات، أسياخًا وأقمشة مشتعلة بعد غمسها في الكيروسين. وقبلها يتأهب المشاركون بارتداء ما يحميهم من تلك الكرات النارية. وتسير في كرنفالات “أوروجواي”، وأشهره “كرنفال مونتيفيديو”، مواكب ضخمة. وتنعقد حلبات “تابالادوس” للمنافسات المرحة المتنوعة. وفيها يتبارون في مجال الموسيقى والإستعارضات والألعاب إلخ.
وقبل وصول الإسبان إلي “كولمبيا”، كانت ثمة احتفالات شعبية تحمل ثقافة السكان الأصليين. ويعتبر كرنفال “بارانكيا”، تقليدًا محلياُ منذ نهاية القرن التاسع عشر. وهو محاكاة ساخرة للاحتفالات التى عقدها المهاجرون الأوروبيون. وظهر ليؤكد عمق التراث الإفريقي في هذا البلد الكاريبي. وأيضًا أدرجته منظمة اليونسكو عام 2003، ضمن “تراث الإنسانية الشفهي غير المادي”. كما خلده أديب نوبل “جابرييل جارسيا ماركيز” فى روايته الخالدة “مائة عام من العزلة”.
ويشارك به سنويًا الآلاف، ويستمر لأربعة أيام من المرح. ويتم تدشينه بطقس “حرب الزهور”، مع ارتداء الأقنعة التنكرية الرمزية، وتقمص الشخصيات التاريخية، والحيوانات ذات القيمة الثقافية. والتزين بلباس الريش، والحلى، والخرز الملون، التى يتمايل بها الحشود على إيقاع الموسيقى الإفريقية والكولومبية الصاخبة. وفي “كولومبيا”. (عيد للمعطف) احتفاءً بصانعي المعاطف الصوفية. وله موكب ومهرجان مميز، حيث يصنع السكان معاطف طريفة لكل شيء. كما تشتهر بكرنفال “باستو”، تخليدًا لذكرى القديس “بيدرو نولكاسون” مُحرر العبيد في القرن الثالث عشر. وعادة ما يحتفل مواطنو أميركا اللاتينية بمهرجان الفأر، تمجيدًا لذكريات العتق من العبودية، حيث يتم تبادل الفئران الميتة.
كما تقيم أغلب الجزر الكاريبية كرنفالات، ومن أشهرها: كرنفال بربادوس، وترينيداد وتوباغو، وأروبا، وكراكاو، وسان توماس. فكرنفال “بربادوس” مهرجان شعبي للمحاصيل (خلال يونيو – أغسطس سنويًا). وتعود أصوله إلى 1780، حيث كانت “بربادوس” أكبر منتج لقصب السكر في العالم. في نهاية موسم حصاده ينطلق احتفال ضخم يعج بالرقصات الشهيرة والمنافسات الحامية الوطيس.
وتعتبر الحفلات الشعبية والفن والتصوير الفوتوغرافي جزء لا يتجزأ منه. لما لها من تاريخ عريق، وإمكانات جمالية متنوعة. أما في “لاشيبا” في “هوندوراس” فتبدأ الاحتفالات السنوية في السبت الثالث من شهر مايو حتى ذكرى سان إيسيدرو. وهذا الكرنفال من الاحتفالات الكبيرة في أمريكا الوسطى. وشمالًا. تشهد الولايات المتحدة الأمريكية كرنفالًا ضخمًا هو “ماردي غراس” في “نيو أورليانز” بلويزيانا، و”فالفستون” في “تكساس” (والولايات المطلة على خليج المكسيك). ففى 4 مارس سنويًا يحتشد الناس، والسياح للاستمتاع بالموسيقى (وبخاصة الجاز الراقصة)، ومشاهدة المسيرات الصاخبة. ويُنثر علي مواكب السير حُلي (متعدد الألوان والأشكال) كتقليد متوارث لجلب الحظ. كما يتميز بوجود أطعمة وأشربة متنوعة.
في القارة الأوربية (كرنفالات)
في القارة العتيقة. تتفوق إسبانيا في إقامة العديد من الكرنفالات. ففي مارس من كل عام يُقام مهرجان “لاس فاياس” في “فالنسية” الساحلية. ويتميز بصنع الدمى والعرائس المختلفة من الخشب والكارتون والشمع إلخ. وعند نهايته تحرق كل الدمى باستثناء الحائزة على أكبر عدد من أصوات الجماهير. فتنضم لنظائرها في متحف “لاس فاياس”. وفي “اشبيلية” (24-30 أبريل سنويًا) برتدي الناس -كبارًا وصغارًا- ملابسهم التقليدية. فالرجال ببدلهم وقبعاتهم السوادء، وأحزمتهم العريضة من الساتان الأحمر، ويمتطون الأحصنة.
بينما تضع النسوة طرحًا سوداء، وشيلان مطرزة بالورود علي أكتافهن، وأزهار قرنفل خلف آذانهن، ويمسكن بمراوح ورقية. تقلهن عربات مزينة بأشرطة ملونة. ويتباري الحاضرون فرادي وجماعات -علي أنغام الجيتار والمغنين الشعبيين- في آداء رقصة (الفلامنكو) الشهيرة. ويحرص الإسبان إقحام الثيران في كثير من مهرجاناتهم القومية. ومن بينها، مهرجان “غوص الثيران”. حيث يستفز المشاركون الثور ليجري خلفهم نحو الماء. ومن ينجح في إقحامه الماء يفوز في المهرجان.
وسنويًا، في قرية “لازا” الإسبانية ينعقد مهرجان لخمسة أيام. فيضرم البعض النيران في مشاعل كبيرة بينما يلقي عليهم آخرون القمامة من الشرفات. ثم يُصنع تمثال يُشبه سمكة سردين ضخمة لتحرق. ويرتدي بعض المشاركين الأسود حزنًا على فراقها، بينما يرتدي آخرون الأبيض تجسيدًا لـ (نفسها المحروقة). وفي اليوم التالي، يتم التراشق بكرات من الطين مليئة بالنمل. وفي الشارع العتيق “بطليوس” يقام مهرجان يحمل ذات الاسم. ويستعد سكانه للاحتفال بالتدرب على العروض الفنية والموسيقية، وتصميم الأزياء بأشكال وألوان بهيجة. وثمة مهرجانات في “قاديش”، و”ساتاخيس”، و”فيلانوفا إي لا قلاترو” الخ.
ففي “ساتاخيس”، ومنطقة “كاتالونيا”، يتسم الحفل بالمظاهر الصاخبة، والرقصات الفلوكلورية. وفي كرنفال “سانتا كروز دي تنيرفي” يتم انتخاب “ملكة جمال الشابات”. أما مهرجان رمي الطماطم Tomatina فتقليد سنوي يقام في شهر أغسطس. ويتم التراشق بمئات الأطنان من الطماطم الناضجة. في أكبر “معركة بالطماطم”، تستمر لأسبوع. وبنهاية سبتمبر من كل عام تستضئ “برشلونة” بأكبر حفلات الشارع Merce. فيصعد مجموعة من الشباب فوق أكتاف بعضهم البعض، ليصل ارتفاعهم لنحو 15 مترًا. ونشأ “مهرجان البلهوانيين” هذا في مدينة “فالس” جنوب برشلونة خلال القرن الثامن عشر، وتطور ليصل إلي ما وصل اليه.
وتشهد البلاد الألمانيّة مهرجانات التنكر السنوية (من 11/11- 11/2). وتنعقد فعاليات في النمسا، وجنوب “بافاريا”، و”دوسلدورف” وغيرها. ففي “فيينا” يُقام مهرجان كبير في دار الأوبرا الشهيرة. بينما -في احتفالات “الفاشينغ”- يرتدي الناس ملابس غريبة، وقد يذهبون بها لمقار أعمالهم أو مدارسهم. أما في شهري يناير وفبراير، فموسم الرقص، وبخاصة في “هامبورغ”. وفي “كولونيا” ينطلق “كرنفال النساء”. وتبدأ الإحتفلات في منطقة “سوابيا” (ومن علي شاكلتها)، جنوب ألمانيا، في 6 يناير، وتسمى “فاستناخت”. أما في المناطق حول نهر الراين (راينلاند)، فتتنوع الاحتفالات الألمانية التقليدية لكل منطقة.
وعلي ساحل البحر الأدرياتيكي في “رييكيا”في”كرواتيا” (والتي ترتبط بألمانيا بعلاقات وطيدة)، شهد كاتب هذه السطور (منذ سنوات قريبة) كرنفالًا ضخمًا لمدة ثلاثة أيام، ملء شوارع المدينة الساحلية. وسادته الأغاني والرقصات، والأطعمة والمشروبات. وحشود غفيرة من الفرق الفنية من داخل “كرواتيا”، وخارجها. كما شهد الكرنفال عروضًا طريفة جسدت روح الدعابة والسخرية في آن. ولا مكان لمحبي الجلوس فالجميع وقوف.
وفي الإثنين الأخير من شهر نوفمبر يقام “مهرجان البصل السنوي” في العاصمة السويسرية “بيرن”. وهو عطلة رسمية. حيث تمتلئ الميادين والشوارع بآلاف الكيوجرامات من البصل. لبيعه. ووفقًا للونه وحجمه. يتم جدله وتنسيقه بأشكال فنية وهندسية جذابة، أو تعبئته في سلال. وتتزين النسوة ببصل صغير في صورة عقد أو إكليل. ويتزاور الناس، وتعج المطاعم بالمقبلين علي تناول ” فصيرة البصل” الشعبية. ويعتبر كرنفال “البندقية” الإيطالية من الكرنفالات العالمية المُميزة. وينعقد -سنويًا- فى الرابع من مارس، وكانت بداياته عام 1268. واليوم. يفد إليه آلاف المشاركين. وتعد “قفزة الملاك” من برج كاتدرائية القديس “مرقس” إشارة انطلاقه. وعلى امتداد الممرات المائية للبندقية. يرتدي الناس أزياء القرن الثامن عشر. وبخاصة “الأقنعة التنكرية”. وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي قررت الحكومة الإيطالية الاهتمام بتاريخ وثقافة مدينة “البندقية”. وتم إحياء كرنفالها التقليدي.
ومن أشهر الكرنفالات الأوربية كرنفال “بينش” Binche في بلجيكا. وهو مُدرج ضمن تراث الإنسانية. إذ يعتبر الأقدم والأروع في القارة العجوز. ويحتشد الزوار والبلجيكيون (بخاصة الناطقين بالفرنسية) في شوارع وسط المدينة التاريخي. ويرتدي المئات زي شخصية “جيل” Gille الأسطورية. وتطلق العروض الراقصة المرحة، والألعاب النارية الصاخبة حتي ساعات الليل المتأخر. ويرتدي البعض قبعات مزخرفة بـ300 ريشة نعام، وأقنعة رمزية، وقباقيب خشبية، وكنزات وسراويل ملونة تسطع منها نجوم لامعة، وقطع فنية على شكل أسود، بالإضافة إلى التيجان، والأجراس، وثمار البرتقال. ويعود أصل الكرنفال إلى محاولة أميرة المجر “ماريا” إبهار شقيقها ملك إسبانيا “كارلوس الخامس”وابنه”فيليبي الثاني”، فنظمت أسبوعًا احتفاليًا. برفقة وفد من مستكشفي الأميركتين. جاء الملك وابنه في ملابس تقليدية من حضارة الإنكا.
ويحاكي كرنفال “ماستريخت” بهولندا مهرجان البندقية الإيطالية. لكن يوجد “عيد للسمك” في بلدة “فلاردنجن” الهولندية، أشهر المدن الأوربية في تصدير سمك الرنجة. ويتزين السكان بالملابس الشعبية المزركشة. حيث تؤكل سمكة (الهارين) طازجة (دون طهي) مع الخل والبصل. كما تقدم المدينة لزوارها ملاهي خاصة بالأطفال، ولُعب قديمة بأسعار رمزية، ومسارح لعروض الأزياء. وبحلول الليل يجمع الفقراء ما تبقي، أو تـُرك من هذه الألعاب والملابس. أما كرنفال “دنكرك” فمن الاحتفالات الأصيلة فى فرنسا. وينطلق، سنويًا، نهاية يناير حتى يوم 22 مارس. ويقام -في أجواء مفعمة بالحيوية، تغمرها أصوات الناى، ودقات الطبول- على شرف الصيادين المحليين. ويرتدي السكان لباسهم التقليدي الزاهي مع السترات الصفراء. وتأسس الكرنفال خلال القرن 18 ولايزال مستمرًا حتي الآن.
ويعتبر كرنفال “نوتينغ هيل” (24- 25 أغسطس)، بالمملكة المتحدة أكبر مهرجان شوارع في القارة الأوروبية. ويحتفي بالطعام والموسيقى والرقص “الكاريبي”. ومجموعة كبيرة من العربات ذات الزينات التي تمثل “حضارة الكاريبي”. وقد انطلق منذ عام 1964 للمّ شمل المهاجرين السود من جزر الكاريبي ويعانون من مظاهر”التفرقة العنصرية”. ومن ثم تحول لكرنفال كبير ومشهود. وتصنع الفطائر، وتنعقد مباريات كرة قدم، وتجمع أموال للأعمال الخيرية، وتُختار أجمل فتاة ريفية. أما في غرب البلاد، فتزداد فيها احتفالات الألعاب النارية.
وفي شهر يونيو سنويًا يتخرج الآلاف من طلاب العالم في جامعة “أكسفورد”. وتوجد تقاليد عريقة لحفل التخرج. فيقرع جرس الجامعة 101 مرة رمزًا لعدد الطلبة الذي بدأت به الجامعة عام 1214. ويرتدي الخريجون الروب والقبعة، وتعزف آلة الترومبيت، وتقام المراسم باللغة اللاتينية. وفي الختام يضرب كل خريج رأسه بأحد الكتب دلالة علي إنتهاء حياته الدراسية. ثم يبدأ حفل الترفيه، ويتمايز كل فريق رياضي بلون يميز كليته، ويجري سباق للقوراب عبر نهر التايمز.
ومنذ العام 1711 وحتي اليوم يقام سنويًا علي مقربة من مقر العائلة المالكة مهرجان للخيول والقبعات الغريبة. حيث يتابري الرجال والنساء في ارتداء كل ما هو غريب من قبعات تجذب انتباه المشاهدين والسياح. وتهتم وسائل الإعلام البريطانية بهذا المهرجان الذي تحضره الملكة “إليزابث”، وتقوم بتتويج أبطاله. لكن ثمة عادة بريطانية خطرة، يرجع تاريخها إلى عهد الرومان. وفيها يركض المتسابقون خلف 7 كجم من الجبن المتدحرج أسفل تلة. ومن يتمكن من أحضار الجبن، يحتفظ به.
كما يعقد في لندن سباق سنوي كبير لمحبي الغوريلا. وهم يرتدون أقنعة وملابس تشبه شكلها، تذكيرًا بالخطر الذي يهدد بانقراضها بحلول عام 2030. بينما إلى ساحات “دبلن” الأيرلندية يخرج المشاركون في يوم القديس “سانت باتريك” بالملابس الخضراء. كما تخرج الأسر، وسط أجواء موسيقية وفنية رائعة، لممارسة التقاليد والأعراف الأيرلندية. ويشهد المهرجان موجة عارمة من الألوان الخضراء والألعاب التقليدية، كما يمر موكب كبير للتعريف بكافة المعالم التاريخية لدبلن، كقلعتها، ومجلس مدينتها إلخ.
وتحتفل بلغاريا، بـ”عيد الورد” في الأحد الأول من يونيو سنويًا. وفيه يحرص الأهالي علي ارتداء ملابسهم التقليدية. ويحمل الأولاد سلالًا لوضع “الورد الثلاثيني” (الواحدة تحمل ثلاثين ورقة) الذي تقطفه الفتيات فجرًا، حتي العاشرة صباحًا. بينما يرددون الأغاني الشعبية المتوارثة، وبخاصة للورود. ويرشون البيوت والشوارع بمائه. ثم يختارون “ملكة جمال الزهور”.
وفي اليونان يعد كرنفال “باتراس” في “بولوبونيس”، هو الأكبر. وتبدأ احتفالاته بين فبراير ومارس. ويتم الاحتفال في “بولندا”، بشكل تقليدي، فيتم جر العربات المغطاة بالثلج على الجليد.وفي دول أوروبيّة عديدة، تقام مهرجانات للخضار والفواكه. حيث تُشكّل من حباتها هيئات لأناس وحيوانات، وعمائر وآلات، ونصب تذكاريّة، وكتل فراغية. وتُزين بها وسائل النقل، وتتحوّل السيارات لمروج خضراء، وكذلك ثياب أصحابها، لتحقيق حالة من التوافق بينهما.
مساحة إعلانية
في القارة الآسيوية (كرنفالات)
في مملكة “بوتان” (أرض التنين الراعد)، تختلف مواعيد وفترات مهرجاناتها حسب كل مقاطعة. ومهرجاناتها، وخصوصًا “درامتسي”، تحمل “دروسًا” للأجيال لتتعلم منها كيف “ينتصر الخير على الشر”. كما يجتمع الأصدقاء والعائلات وهم يرتدون أبهى ما لديهم من أزياء. ويشاهدون رقصات تقليدية تعود لأكثر من خمسة قرون. واختيرت تلك الرقصات البوتانية من قبل اليونسكو عام 2005 “كتراث عالمي غير مادي جدير بالحفاظ عليه”. لما لها من “قوة تصويرية روحانية، مهارات آداء فنية واستعراضية، مع جمال غناء، وموسيقي رواء، وبهجة أزياء”. ويقال إن من يحضر تلك الرقصات “يحظى بزوجة، وحياة طيبتين!”.
لكن كرنفال “التنين” يقام في الصين. فتجري سباقات نهرية للقوراب المزخرفة بألوان التنين. ويرتبط الحفل بأسطورة شعبية مفادها: (أن الشاب “شويوان”، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، لم ينل حظه من التكريم الإمبراطوي رغم موهبته الفذة. فألقي بنفسه في النهر، ثم ظهر في حلم أحد الفلاحين يطلب طعامًا. فبات الناس يرمون حبات الأرز من أجله. لكنه عاد للظهور قائلًا إن السمك يلتهم الأرز وطلب إلقائه ملفوفًا بأوراق الخيرزان ليتمكن أكله). ومنذ القدم أيضًا. يقام فيها “مهرجان المصابيح”. إذ ذات مرة. لم تتمكن إحدى القرى الصينية الفقيرة من شراء المصابيح، لإضاءتها. فقاموا بحك الحديد بشدة في حائط بارد ليخرج منه شرارات مضيئة. ومن ثم على مدار أكثر من ثلاثة قرون، يحتفل الصينيون سنويًا بهذا العيد بتلك الطريقة.
أما مهرجان المصابيح في “تايلاند” فهو من أكثر المهرجانات الملونة شهرة. وأشكاله متنوعة. ويُعقد في ليلة اكتمال القمر، عندما تطير في السماء، أو تسبح المصابيح في الماء يكون لصاحبها حظ في تلك السنة، وتبتعد عنه التعاسة! وقد تُعرض أنواع من المصابيح/ الفوانيس من ثقافات أخري. ولثلاثة أيام. فرحين بالسنة التايلاندية الجديدة. يخرج التايلانديون للشوارع للتعارك برش المياه، بواسطة مسدسات ومدافع مياه. ويطلق علي الاحتفالية “سونجكران” أو احتفال المياه. ويقام أيضًا في عدة دول آسيوية ما بين 13- 15 أبريل. حيث بداية التقويم في هذه الدول الآسيوية. كما ينعقد سنويًا مهرجان القرود في تايلاند. فيتم دعوة ما يقارب 600 قرد من جميع محافظاتها لوليمة كبيرة مكونة من أكثر من ثلاثة اطنان من الفاكهه والخضار. وتقام هذه الوليمة في يوم صيام البطل الأسطوري “راما” بطل “رمانيا” الذي تحكي أسطورته أنه (كافأ ملك القردة بوليمة كبيرة لوقوفه معه في إحدي معاركه).
وتحتفي بعض طوائف “سنغافورة” “بعودة النور” أو “ديبافالي”. ففي الصباح الباكر. تأخذ الأسر حمامات من زيت الزنجبيل قبل ارتدائهم ملابسهم الجديدة. ويجهزون مظاهر الإحتفال التقليدية مثل الزهور والحلوي والفاكهه. ويخرجون للحدائق والزيارات العائلية. وليلًا. يؤدون طقوسهم الدينية في معابد تغمرها الأضواء، وأعواد البخور وفرق الموسيقى من الأطفال. مع اكتمال القمر بدرًا. يبدأ الإحتفال الهندي بعيد “ديوالي” (رمز حلول فصل الشتاء) أواخر أكتوبر سنويًا. حيث يبدأ الفلاحون الهنود في بذر بذور محاصيلهم الشتوية. وهو عيد قومي عريق، للشكر علي المحاصيل الوفيرة. فتذهب بعض الطوائف للاستحمام في نهر “الجانج”. وتدشن الاحتفالات ليلًا، فيضاء كل شيء وفق أسطورة آلهة النجاح “لاكشيمي” (التي يضاء لها كل طريق لتزور البيوت وتضع بركتها فيها. وتوضع لها الحلوي عند كل بيت لتجد ما تأكله خلال تجوالها).
وفي شهر مارس سنويًا، ينعقد مهرجان شعبي للإحتفال ببداية الربيع Holi. حيث ينزل الناس، في شبه القارة الهندية، إلى الشوارع بأزياء متنوعة الألوان والأشكال، ووجوه ملونة بصبغات متعددة، ليقوموا بنثر مساحيق gulal/مياه ملونة علي بعضهم البعض، وتغمرهم فرحة عارمة. وتحتفل اليابان بمهرجان “هانامي”، احتفال تقليدي بزهرة الكرز وبداية الربيع. ومن فعالياته: زيارة الحدائق العامة، وإقامة حفلات الرقص. وهي فرصة جيدة يعرض فيها اليابانيون ملمح من ثقافتهم التقليدية. وفي روسيا تنظم مدينة “فالوجوراد” مسيرة ضخمة “يوم الطفل” في الأول من يونيو سنويًا. ويشمل استعراض الآباء والأمهات لأطفالهم في عربات أطفال رائعة، ومٌبهجة، وطريفة في آن. أما عيدهم المسمي Maslenitsa فمباراة ملاكمة مفتوحة للجميع، وبدون قواعد. وكانت تنتهي المباراة عندما تتمزق ملابس المتسابقين، ويغطي الدم أجسادهم.
وعلي مقربة من القارة الأسترالية. يعتبر مهرجان “الأغذية البرية” قرب مدينة “هوكيتيكا” النيوزيلندية من أغرب مهرجانات الطعام. حيث يتناول الناس يرقات، وديدان برية إلخ في شهر مارس سنويًا.
أما عربيًا. فيوجد “القرقيعان” كتقليد سنوي تراثي يحتفل به في غالب دول مجلس التعاون الخليجي. حيث يطوف الأطفال، في زي خاص، خلال ليالي 13 و14 و15 رمضان (وقد تمتد لصباح يوم العيد أثناء خطبته) يرددون الأهازيج، وتوزع عليهم الحلوى. وتختلف الأهازيج بحسب المناطق، ومنها.
قرقيعان وقرقيعان بيت قصير ورميضان
عادت عليكم صيام كـــل سنة وكــل عام
وفي سيرهم يُصدر الاطفال أصواتًا بقرع الأواني الحديدية، التي تحمل الحلويات. لذا نال التقليد هذا الاسم. وأصبح التفنن في تغليف الحلويات، وتنويع الهدايا، وبهرجة ملابس الأطفال أحد شواغل الأسر والصناع. بينما تتميز مدينة “حمص” السورية بعدد من احتفالات “الخميسيات”. ومنها خميس الحلاوة (خميس الأموات). فتكتسي واجهات المحلات والأماكن العامة بمخاريط من حلاوة “الخبزية”، وحلوى “السمسمية”. وينطلق الناس، مزودين بالحلاوة، للتنزه، وزيارة المقابر، وغرس سعف النخل عليها. وتوزيع الحلوى علي أرواح الموتي. وكان الشباب يقيمون بعض الألعاب ومنها “قبّة حمام الزيني”. حيث يشكل عدد منهم دائرة بتشابك الأيدي والأكتاف. ثم يصعد فوق أكتافهم آخرون بالتشكيلة ذاتها، ويسيرون وهم يردّدون أناشيدهم.
في الختام
عديدة لا تُحصي. كرنفالات ومهرجانات الشعوب، ذات التقاليد الثقافية، والروافد الحضارية المشتركة. منها ما أدرجتها منظمة (اليونسكو) ضمن “روائع التراث الشفهي، غير المادي للإنسانية”، وهي: “أورورو” في بوليفيا، و”بارانكيا” في كولومبيا، و”بينش” في بلجيكا، و”درامتسي” في بوتان، و”ماكيشي” في زامبيا. فقديمًا وحديثًا. تتوزع حياة البشر بين إقدامات وإحجامات، ونجاحات وإخفاقات، وأفراح وأتراح، وبدايات ونهايات.. إلخ. وبين هذه وتلك يشعرون بشيء من الملل من سطوة المألوف الرتيب، والقلق علي القادم القريب. لذا ثمة وسائل يكافئون بها أنفسهم، ويمنحونها شيئًا من البهجة والسرور، والتجديد والأمل. من أجل تحريك الحياة الراكدة، وحقنها بالحيويّة والتجديد والحرية، وقضاء وقت ممتع مع الأهل والأصدقاء.
أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
أ.د ناصر أحمد سنه كاتب وأكاديمي من مصر، تخرج في جامعة القاهرة (1985)، ويعمل: أستاذًا ورئيسًا لقسم الجراحة – كلية الطب البيطري – جامعة القاهرة. وقد بدأ الكتابة منذ نحو ربع قرن، وله أكثر من خمسمائة مقال (ثقافي متنوع) منشور.. ورقياً والكترونياً، وثلاثة كتب منشورة.