كوارث تسببها القوارض

منذ الأزل ولا تزال القوارض تلاحق صحة الإنسان واقتصاده وراحته، فهي تتسبب في انتقال العديد من الأمراض المشتركة، كما تقوم بإتلاف المحاصيل الزراعية، فضلًا عن تسببها في اشتعال الحرائق؛ نتيجة إتلافها للأسلاك الكهربائية وقطعها للعوازل البلاستيكية. وتأثير القوارض على الاقتصاد لا محدود؛ يكفي أن نعلم أن حجم الخسائر الاقتصادية التي تسببها القوارض -في أمريكا وحدها- يقدر بقيمة 20 مليار دولار سنويًا. ترى كيف ذلك؟ هذا ما سنتناوله في هذه المقالة. المصادر ^[1]The Guardian’s article “CDC warns of aggressive cannibal rats facing a shortage of garbage to eat”. Edward Helmore, 25 May 2020. ^[2]Cannibalism in rats and mice”, W. Lane-Petter, Proc. R. Soc. Med. Volume 61 December 1968. 61(12):1295-1296. ^[3]شرح أحاديث عمدة الأحكام. الحديث الـ 237 ما يجوز قَتْلُه ^[4]Rodents – CDC ^[5]Rats and Mice: The Damage They Cause ^[6]Zoonoses Associated with Rodents – Wild ^[7]How Much Damage Could a Rodent Really Cause?  (كوارث تسببها القوارض)

آليات متعددة لنقل الأمراض – كوارث تسببها القوارض

تتميز القوارض بوجود أسنان سريعة النمو، وهي تسعى دائما لقرض المواد الصلبة كالأخشاب والبلاستيك والمعادن للحد من نمو تلك الأسنان، كما تتميز الفئران بصغر حجمها وشدة مرونتها، فهي تستطيع المرور من الثقوب الضيقة والنفاذ عبر الممرات والحواجز والنوافذ، وتتكاثر الفئران بسرعة كبيرة؛ حيث تلد الفأرة الواحدة ما يقرب من 50 فأرًا في العام، ويبلغ عدد الفئران في ولاية نيويورك مثلًا ما يعادل ربع عدد السكان في تلك الولاية -طبقًا لتصريح بصحيفة الجارديان في مايو 2020- وتتعدد طرق مخاطرها كالآتي:

1. تنقل القوارض نحو 35 مرضًا من الأمراض البكتيرية والفيروسية (للإنسان والحيوان) عن طريق تلوث الأغذية والمشروبات بمخلفاتها.
2. تعد بيئة خصبة لتكاثر الحشرات الخارجية.
3. تعد عائلًا وسيطًا لعدد من الطفيليات الداخلية التي تصيب الإنسان والحيوان.
4. قد تقوم بعمل خدوش أو جروح نتيجة عض أيدي العاملين ببعض المصانع أو في محلات بيع الزواحف وغيرها، مما يتسبب في إحداث مرض يسمى حمى عض الجرذ (Rat bite fever).
5. تقوم بالتهام المحاصيل الزراعية -سواء قبل الحصاد أو بعد التعبئة- مما يتسبب في إتلاف الحاويات والأوعية واستهلاك البضائع ونقل الأمراض.
6. تقوم بإتلاف الأثاث الخشبي كالأبواب والمكاتب، بالإضافة إلى حقائب السفر، ومقاعد السيارات، والأقمشة، والأوراق والمستندات، وقد تلتهم الأموال وأوراق البنكنوت وغيرها.
7. تقوم بقرض الأسلاك الكهربية مما قد يتسبب في إحداث ماس كهربي وحرائق كبرى.

أهم الأمراض التي تنقلها القوارض – كوارث تسببها القوارض

تنتقل الأمراض عن طريق القوارض بشكل مباشر وغير مباشر، ويعد تلوث الأطعمة والمشروبات والجروح بلعاب وبول وبراز الفئران هو العامل الأكبر في انتقال الأمراض المشتركة من الفئران، وتتلخص أشهر تلك الأمراض كالآتي:

1. أمراض بكتيرية: عدوى السالمونيللا (ٍٍSalmonella)، وعدوى الإيشيريشيا كولاي (E-coli)، والليبتوسبيرا (Leptospira)، والكامبيلوبكتر (Campylobacter)، وعدوى التوليريميا (Tularemia)، والبوريليا (Lyme disease/ Borrelia)، واليرسينيا (Yersinia) المسببة للطاعون.
2. أمراض فيروسية: فيروس هانتا (Hantavirus)، وفيروس التهاب المشيمة الليمفاوي (LCMV)، وفيروس النيل الغربي (West Nile virus) وعدد من الفيروسات الأخرى.
3. الأمراض الطفيلية: طفيل الجيارديا (Giardia)، والليشمانيا (Leishmania)، والحشرات المختلفة (مثل حشرات الجرب والبراغيث والقراد).
4. بعض أنواع الحساسية الجلدية.
5. داء عض الجرذ والذي ينتج عن آثار العض بأسنان الفأر.

وجدير بالذكر أن الفئران تنقل عددًا من الأمراض إلى الحيوانات والطيور أيضًا، كما تلتهم صغار الحيوانات، وتتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة، كما أن وضع سم الفئران بالقرب من أماكن تواجد الحيوانات والطيور يشكل خطرًا على حياتها إذا تم تناول السم بشكل مباشر أو غير مباشر.

الإضرار بالمحاصيل الزراعية والأغذية

رغم صغر حجم الفأر وضآلة غذائه اليومي إلا أن الإحصائيات تشير إلى أن حجم إتلاف الحبوب والمحاصيل التي يتناولها الفأر كغذاء يزيد 10 مرات عن حجم وجبته اليومية، كما تم رصد حجم الأضرار على المحاصيل فقُدِّر بما يزيد عن 1% من إجمالي حجم إنتاج الزراعي العالمي.

ومن الأغذية المفضلة للقوارض الذرة والدقيق والفول، وكذلك الفواكه الطازجة (كالموز والتفاح والموالح والتوت)، والخضروات (كالجزر والبطاطس والبقوليات والبروكلي)، وأغذية القطط والكلاب، وخلافًا لما كان يعتقد من أن الفئران نباتية التغذية (herbivores) لكن ثبت أنها آكلة للحوم والنباتات معًا (Omnivores)؛ إذ يمكنها تناول البيض واللحوم ويرقات الدود، كما ثبت أنه إذا اشتد بها الجوع تأكل ذيولها، وقد تضحي بصغارها وتلتهمهم لكي تعيش.

القط والفأر – كوارث تسببها القوارض

رغم تنوع وسائل مكافحة القوارض (بين المصائد وسم الفئران وأجهزة الإشعاع) إلا أن المكافحة البيولوجية عن طريق القطط لا تزال عظيمة التأثير، وربما يتضح عمق تأثيرها إذا رجعنا سبعة قرون إلى الوراء عندما ضرب الطاعون أوروبا، وكانت أوروبا تعيش حينئذ عصور الظلام، فانتشرت شائعة بأن القطط هي التي تنقل الطاعون، فنصبت الفخاخ وأقيمت المذابح للقطط، لكن بعدها فوجيء الجميع بانتشار الطاعون أكثر وأكثر؛ نظرًا لانتشار الفئران التي ثبت فيما بعد أنها هي الناقل الرئيسي للطاعون، وليس القطط كما كان يُعتقد.

ومن هنا يتضح لنا عظمة وحكمة الحديث النبوي الشريف القائل: (أربع كلهن فاسق، يقتلن في الحِّل والحَرَم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور). ^[8]الراوي: عائشة أم المؤمنين | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي. الصفحة أو الرقم: 2887 | خلاصة حكم المحدث: صحيح. … Continue reading

خاتمة وتوصيات

إن مهمة مكافحة القوارض لا يصح أن توكل إلى الحكومات وحدها -وإن كان يقع عليها الدور الأكبر- لكن ينبغي أن يتشارك المجتمع أفرادًا ومحليات وحكومات في مكافحة القوارض، وقتلها متى وأينما وجدت، ويجب الحذر من إلقاء القمامة خارج صناديقها، ومنع إلقائها في الترع والمصارف، وردم الترع التي يمكن الاستغناء عنها وتجفيف المستنقعات، وتجنب ترك بقايا الطعام على الأسطح أو الأرضيات، وسد مداخل الفئران بالشبك المعدني، وسد الثقوب وإقامة المصائد في الأماكن التي تتردد عليها الفئران، كما يجب التخلص الآمن من الطيور والحيوانات النافقة حتى لا تتغذى عليها القوارض والحيوانات الأخرى وتساعد على انتشار الأمراض.

و إن السعي المستمر والمتزايد في اتجاه مكافحة القوارض يدفعها بلا شك نحو الانقراض، فيا حبذا لو أطلقنا شعار “نَحْوَ وَطَنٍ عَرَبِيٍّ خَالٍ مِنَ الفِئْرَانِ والقَوَارِض” ولتتشارك جميع المجتمعات العربية أفرادًا وحكومات في تلك المهمة بشكل متزامن؛ حتى نجني ثمارها على الصحة والاقتصاد والأمن البيولوجي، وتكون لنا بادرة سبق حضاري عالمي في القضاء على تلك المشكلة التي لا تزال تعاني منها أشهر العواصم العالمية.

د. عمرو يحيى
طبيب بيطري ومُنَظر علمي

مساحة إعلانية

د. عمرو يحيى

د. عمرو يحيى من مصر. تخرج من كلية الطب البيطري جامعة القاهرة، اتجه إلى ممارسة الطب البيطري بالريف المصري منذ ١٣ عامًا، يهوى الكتابة وعمل النظريات الفيزيائية وإقامة الندوات العلمية، له كتابان منشوران في علوم الطب البيطري على موقع خاص به، وله مقال منشور بمجلة نيويورك ساينس. يحب الابتكار والقراءة والإلقاء، وحضور المهرجانات الثقافية.