الثمار المعطوبة

لا شك أن لكل منا “ثمارًا معطوبة” و”جرارًا مشروخة”، و”نقائص معروفة”، و”عيوبًا معلومة” لكن علينا أن نعالج ثمارنا، ونصلح شروخنا، ونداوي نقائصنا، ونقوّم عيوبنا. لحمة وإصلاحًا لأسرنا ومجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا. وبغية المثوبة من الله، فحسبنا “أننا نحمل قلبًا مفعمًا بحبّه تعالي، همّه أن يقدّم كل ما لدينا إليه”، وما عند الله هو خير وأبقي. إن عرض ما يلي من “تصرفات سلبية، وأفكارًا مغلوطة” هو من قبيل المعالجة، والإصلاح، والمداواة، والتقويم. (الثمار المعطوبة)

الثمار المعطوبة
Seeking Alpha

فتجد أحدا يشعرك بالاستياء الدائم من نفسك، ويواصل وصفك بالمُخطيء دون تقديم النصيحة الصائبة. وهو بارع في تجاهل احتياجاتك، بينما يستمر في انتهاك حدودك. يغار من انجازاتك ويبرع في لعب دور “الضحية” متلاعبًا بك ليصل لأغراضه ومأربه. وثمة من لا يعرف ” قدر نفسه”، فيتطاول علي قامات، ويقذف الحجارة علي علامات، ليس طلبًا لثمر مستطاب، بل تمردًا ونكاية، وكبرًا واستكبارًا.

يضمر لزميله/ جاره/ رفيقه الحقد، و”ينهش” الآخرين، وينفجر ـ دونما داع ـ غيظًا وحنقًا وتحقيرًا وإهانة، وليس نقدًا نزيهًا موضوعيًا مجردًا، يبتغي الإصلاح لا التجريح. إذا “اكتال علي الناس يستوفي”، في حين يجحف حقوق غيره (فينهب منها) ما له ليس بحق. لا يكترث لضحاياه وضحايا مطامعه، واستغلاله.

وينظر بعضهم لبعض، بيد أن “لكل وجهة هو موليها”. توجهاتهم وقلوبهم شتي، مشغولون ـ دومًاـ بشأنهم الخاص. يلتقون وجوهًا، فإذا غاب غائب، سلقوه بألسنة حداد، وسهام شداد.غيبة ونميمة، وأحيانًا بهتانًا وريبة. وتعاليًا، واستهجانًا، وسخرية، واستهزاء، واستخفافًا من شأنه. أمور “لو مزجت بماء البحر لمزجته”. يقول الإمام الشافعي رحمه الله:

ولا خيرَ في خلٍّ يخونُ خليلهُ ويلقاهُ من بعدِ المودَّة ِ بالجفــــــــــــا
وَيُنْكِرُ عَيْشًا قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ وَيُظْهِرُ سِرًّا كان بِالأَمْسِ قَدْ خَفَـــــــــــا
سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا

إقرأ أيضاً:  مغالطة رجل القش

مساحة إعلانية


“يتحدثون كثيرا، يعملون قليلا، بينما يبدون مشغولين”. يتسلقون السلم ـ سريعًاـ وهم صغار، ولا يُخفون أنفسهم ويتواضعون وهم كبار، ليظهر غيرهم. بل يستبدون بزمام الأمور حتى القبور. ويستبد بهم سيل من التطلعات والرغبات غير المتوافق مع الإمكانات، فتسوقهم إلي طرق ملتوية لتحقيقها. مع ذلك تراهم كثيري الشكوي والتبرم علي الرغم مما يمتلكون ويكنزون.

وهناك أناس “يطوفون حول ذواتهم العلمية والبحثية والدراسية”، ويريدون ممن حولهم ـ طوعًا أو كرهاـ “الطواف” حولهم كي تكتمل الصورة. يريدون “نسخًا مكررة”، وبخاصة في بعض جوانب العلم والبحث والدرس، فيتم قتل الحماسة والاستقلالية والتفرد والتميز البحثي.

وهناك من هم أصحاب مواقف “اللاموقف”، حيث ” تمييع الأمور” والطعن في الثوابت، وإجادة الأكاذيب وزخرفتها: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ” (الأنعام: 112). وتراه لا يعترف بعيوبه ولا يراها، جاهزًا لتبرير أخطائه، بل يُنكرها. كذبًا، وبهتانًا. هل ثمة احترام لمن تخصص في خداع الناس وتضليلهم، أو من أجج نيران الفتن الطائفية والمذهبية، أو من حاد عن الوسطية والاعتدال إلي “تدين مغشوش”؟
وتري البعض يشتركون ـ ظاهرًا في أمر ماـ بيد أن ثمة من يعيق المسير، ويقطع السبيل، ولا ينضبط بقانون، أو ينتظم بإرشاد أو توجيه. يفعل ما يحلو له، وكأن انتظامه ونظامه انتقاص من قدره ومكانه ومكانته، إن كان له ثمة مكان ومكانة. فيقل الإنتاج، وتعم الخسائر، وتعاد الكرة إلي مربعها الأول. رصدا لأسباب التدهور والتأخر والتخلف، ووضع الخطط ومحاولات النهوض والاستنهاض، والتنفيذ والمتابعة والتقويم ثم تعود الكرة مرة أخري بذات النتائج المدمرة.

يؤلم وجدانك هذه الثمار “المعطوبة”. وتوجعك “علاقات مسمومة” أنت مُضطر لها: زملاء عمل/ معارف/ أصدقاء/ جيران/ أو حتى داخل الأسر. صغيرها، كبيرها. وتتأمل في كونهم يتجاورون مكانًا، ويتباعدون كيانًا، وفكرًا، وجهدًا، وثمرًا. وتراهم يتحادثون أحيانًا، بيد أنهم منغلقون علي أنفسهم بأقفال عتيدة، ولعلها قد صدئت من طول إغلاقها. إن ملامح حياة نفث فيها أمثال تلكم”الشخصيات المعوقة للإنتاج، المتضخمة المعتلة الذوات” سمومهم، وحملت بصماتهم، وأعملوا فيها معاولهم مصيرها إما: فناء عاجل، إذ ما أسهل الهدم، وما أصعب البناء، أو جمود دون نماء أو رقي أو ازدهار، فما الترياق؟

الترياق: – (الثمار المعطوبة)

لكلٍ دوره المحدد والمُيسر له في الحياة. فليعمل العاملون ـ وإنه لجهد جهيدـ غير مبالين بمن يضع العراقيل، أو يُنشأ السدود، ويخط الحدود، ويبث السموم. لكن ينبغي اقتران الأقوال بالأفعال، للحفاظ على المكتسبات، ولدرء الشبهات، وإعطاء القدوات، ورأب التصدعات. مع مداومة النصح والتناصح والإصلاح والنقد البناء، وبث الإرادة الجازمة الحاسمة لإصلاح العيوب، دون عجز أو يأس. وتفعيل النظام الجاد، واضح الأهداف والوسائل، المُراقب بدقة. ثوابًا وعقابًا، تهذيباَ وإصلاحًا. إشاعة قيم الإسلام. إخلاصًا وتقوي وإحسانًا وصدقًا وصبرًا وتعاونًا واعتدالًا وتوازنًا ويقظة وجدية وتواضعًا وتورعًا وبرًا وقناعة وأمانة واستغناءً الخ. فيما يتعلق بالعلاقة والصلة بالله تعالي، وبالنفس، وبالآخرين، ثم بالكون كله، والبشرية جمعاء.

أ.د. ناصر أحمد سنه
باحث وأكاديمي

(الثمار المعطوبة)

إقرأ أيضاً:  قدوم الطوفان


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الألعاب الرياضية في مصر الفرعونية

الأحد مارس 5 , 2023
تمت قراءته: 1٬102 لمصر الفرعونية قصب السبق في الاهتمام بالألعاب الرياضية، والرعاية البدنية، والأنشطة الجسمية، والرياضة الذهنية. وقد مارس قدماء المصريين الكثير من الألعاب، ووثقوها في سجلاتهم وحفائرهم المنقوشة، وبردياتهم وعادياتهم الموروثة. فمع فجر الحضارة البشرية. فطن المصريون القدماء إلي أن “سلامة العقول والنفوس، تستوجب سلامة الأبدان والأذهان”. فاحتلت الرياضة […]
الألعاب الرياضية في مصر الفرعونية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة