إن من الأقوال المشهورة عند البعض أن الدين صالح لكل زمان ومكان. ولكن إذا دققت النظر وتمعنت في كل ما حولك، وجدت أن الزمان والمكان لا يصلحان إلا بالدين، وحيث أننا نتكلم عن أدب من الآداب، فلا بد أن يكون للدين نصيب مما نقول. ولكن من المؤكد أن كثيرًا تكلموا عن آداب الاستئذان في الإسلام، ودللوا على ذلك من الكتاب والسنة. وأذكر من هذه الآداب، مستأنسًا ولست حاصرًا لها، بعضًا من هذه الآداب، ثم نشرع فيما أردنا التحدث عنه. ولكن.. أبدأ بما اتفق عليه العلماء من قولِ مَن أَدَّبَ أصحابَهُ وعَمَّ أدَبُهُ على الدنيا بأسرها، حيث قال ﷺ: “إنَّما جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِن أجْلِ البَصَرِ” [1]الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري. الدرر السنية.
ومن آداب الاستئذان في الإسلام
تقديم السلام قبل الاستئذان، وألا يقف المُستأذِن في مواجهة الباب، وتعريف المُستأذِن نفسه، وعدم طرق الباب بقوة، ويَحرُمُ النظر في بيت غيره إلا بإذنه، وحاله إن لم يُأذن له فعليه الرجوع. ومنها الاستئذان على المحارم كالأم والأخت والبنت والعمة والخالة، واستئذان الأطفال، والاستئذان عند القيام والخروج.
وكل هذه الصور بلا استثناء لها أدلة من سنة النبي ﷺ. ولكني أكتفي بسرد الآداب، لِعِلمِي أن الجميع يعلم دلالتها، وما تبقى هو العمل بها والوقوف عليها، حفاظًا على البيوت، وتهذيبًا للنفوس. لأن تجاهلها كشف لعورات البيوت، وازدياد من ضيق النفوس، وجعل التراشق والفضائح لما هو مستور عادة عند الكثير إلا من رحم الرب الغفور.
نحتاج العودة إلى ما دلنا عليه الرسول، ففيها الصون والعفة والطهور.
آداب مستحدثة نحتاج الوقوف عليها – آداب الاستئذان في الإسلام
وقياس على ما سبق ذكره، واستدلالًا به، وجدت بعد التطورات الحديثة أن تكون هناك آداب لا مبتدعة، وإنما مستوحاه لما أَصَّلَه الحبيب النبي ﷺ.
فمن السنة علمنا أن الاستئذان يكون ثلاثًا، وإلا فيكون الرجوع، وهُنَا أردت الكلام عن واحدة من كثير:
حول الاتصالات بالهواتف
فتجد كثيرًا من المتصلين (المستأذنين) يُبالغ بِلاغًا شديدًا حول هاتف لم يُرَد عليه، ولا يكتفي حتى بالثلاث، وإنما قد يزيد عليها، دون النظر لعذر أو ربما انشغال، أو عدم استطاعة في وقت الاتصال. وبعدها يكون هو صاحب اللوم والعتاب لا العكس المفروض.
وقالوا أعقل الناس أشدهم عذرًا للناس.
فهذا النوع من الآداب، انتشر فُقدانه بين الناس. ولو أعطى لعقله فرصة بالتفكير، لوجد أن الأمر إما غير مرغوب به في ذلك الوقت من المتَصَلُ به أو أنه مشغول.
وتَخَيُّرُ الوقت أصبح من الفَرَاسة، فبعد ما كان الليل لباسًا والنهار معاشًا، أصبح حالنا الآن لا مراعاة لليل ولا نهار، إذ تكون جُلُّ حسابات المُتَّصِل حَسب حساباته وظروفه، دون أدنى نظر لظروف غيره.
وأما النوع الثاني وهو:
حول تطبيقات التواصل
فلربما يرسل أحدهم رسالة، أو يتصل اتصالًا عبر هذه التطبيقات، ولا يرجع، لمجرد أنه رأى هاتف غيره مفتوحًا. وهنا لا بد من التنبيه على وإن كان الهاتف مفتوحًا، فليس معناه أنه مفتوح للجميع. أو ربما يكون مشغولًا في الرد على آخر، أو كتابة خاطرة لا يستطيع تأخيرها، أو غير ذلك.
حتى وإن ردَّ، فوجب على المستأذن (المتصل) أن يبدأ كلامه بعد السلام بقوله: (هل يسمح وقتك لبضع دقائق؟)، ولا يسترسل في الكلام، إلا إذا وجد من اتصل به مسترسلًا. فلقد علم من حال نفسه أن وقته يسمح بذلك، دون أن يعلم عن صاحبه شيئًا.
ووجب أن لا يترتب على عدم الإذن حرج، فلربما إصرارك في وقت لا يسمح، كنت عونًا مع الشيطان على أخيك، أن يكلمك متحرجًا، أو أن يكون في بعض الأمور كاذبًا، لأن مكالمتك أو رسالتك أصبحت عبئًا يريد التخلص منها بأي حال من الأحوال.
والخلاصة
أن نبدأ بأنفسنا وتعليم أولادنا أن هناك آداب تسمى بالاستئذان، فيكبر الولد وتكبر معه آدابه. وليكن بدايتنا من قول ربنا ﷻ
﴿لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 58-59].
وفيها فوائد عظيمة لا يسع المقال لذكرها حتى لا أشق عليك عزيزي القارئ، فيصيبك أمر تُعرِض عن القراءة بعدها. ولكن يكفي أن تعلم أنه إذا علم الطفل حق والديه في الإذن، فإنه يعلم أن من دونهما أولى بالإذن.
وكذلك تأصيل قول الملك سبحانه وتعالى فيه ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27]
فينبغي تعويد لسانه على الاستئذان وبداية السلام، فيكون خيرًا له ولمن حوله وللمجتمع بأسره.
فربما يكون ذلك الأمر في عيون الكثير صغيرًا، وما ذلك إلا لفقدانه. ولكنه في نظر المؤدِّبِين المُتَأسِّين العُدُول، أمر جلل وكبير. ولو راجعنا أنفسنا، وأعدنا صياغة حياتنا، والتزمنا بسنة نبينا ﷺ، لحصل لنا من الخير ما الله به عليم. وكلما ابتعدنا عن هَدي نبينا ﷺ، كان من الشر ما الله به عليم.
ولنُعِد تأديب أنفسنا وأولادنا بالآداب المطلوبة، يعصمنا الله من أن نكون أممًا منكوبة، حفظنا الله وإياكم من كل مكروه وسوء، وسترنا الله وإياكم من كل العيوب.
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري. الدرر السنية |
---|