قرأت قصة لفتت انتباهي وقد شابهتها قصص أخرى ولكنها دفعتني للتدبر بواقع يراه البعض مملوء بالآمال، وآخرون لا يرون فيه بصيص من نور. فالناس كعادتهم في جل الأمور منقسمون بين الصواب والخطأ، بين النور والظلام. والأمر الذي لا ريب فيه هو اعتقاد الجميع أنه على صواب. نعم على صواب، ولكن اللافت أنه يعتقد أن صوابه لا خطأ فيه، وخطأ غيره لا صواب فيه. وهذه هي البلية. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
ولا ظن أحد قط أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. فالكل يجزم لنفسه بأنه على الحق المطلق وغيره من الخاسرين. وما قرأت في القصة جعلني من المعتبرين، جعلني أتعظ، جعلني أراجع حسابات، جعلني أتدبر وأتفكر في كل شيء حولي.
والقصة..
دكتورة جامعية صنعت من أول لقاء لها بطلابها علامة لا تُنسى جعلت الكل يعتبر. وضحت وبينت فساد كبير وطرق علاجه، فقد لقنتهم درسًا ربما يصعب على البعض استيعابه، ولكنها أبدعت في سرد قصة حياتها وعرفت بنفسها في زمن قياسي فأحسنت اختيار الوقت والموضوع، وهيأت نفسها وطلابها وقد كان مهيأ لها المكان، فهذه خمس من رعاها حال دعوته تكون سببًا في نجاحه ألا وهي حسن اختيار (الزمان – المكان – الموضوع – نفسية الداعي – نفسية المدعو) فارعها يرحمني الله وإياك وأنت تتحدث مع القوم.
وخلاصة القصة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
أنها لمست العذر لمن لا يستطيع ماديًا وذكرت بأنها ابنة سائق سيارة أجرة وتبناها رئيس جامعتها لموقف لأبيها لن ينساه العميد فأباها أحسن تربيتها، فقوى إيمانها وحسن توكلها على الله، وهذه هي الغاية من التربية.
وهذا هو ما ندندن حوله ونفضفض أن يعلو إيماننا ويحسن توكلنا. فكثير من الناس يحسن إطلاق الأحكام على غيره دون أن يفتش على أي تقصير في نفسه. وأصبحت عادة القوم أن ينقسموا لحكام ومحكومين والكل يسعى لرمي غيره بالفساد والإفساد ويظهر ذلك جليًا في عالمنا العربي. وتنظر باستغراب من تلوم الحكام أم المحكومين وإذا تجردت من أي عصبية، وتجردت من أي غشاوة أقنعك بها غيرك ووضعها على عينيك لوجدت أن الكثير إلا من رحم الله لمخطئ. فغالب الناس والسواد الأعظم كل مسؤل في مسؤوليته مقصر إلا من رحم الله. وغالب الرعية كذلك.
ولما غابت التقوى وعم وظهر الاستبداد بالرأي حتى كاد المولود يخرج من بطن أمه مستبدًا أصبح هذا حالنا.
وكذلك عموم الناس حتى الشباب الذي يملأ المقاهي والكافيهات وناقم على كثير من أمور الحياة فغالبهم إلا من رحم الله مخطئ.
حتى هذا الدكتور الجامعي الذي كان قديمًا يغرس القيم والمبادئ أصبح الجشع يسيطر عليه. أصبح كل همه كيفية الحصول على الأموال حتى لو على حساب مستقبل الأولاد. لا هم له إلا بأعداد الطلاب الذين يشترون ما كتب وبالطبع إلا من رحم الله. وهذا المدرس الذي أخرج المادة العلمية من جوهرها إلى أن لا يصل إليها ألا من استطاع إلى ذلك سبيلًا.
فانظر أيها القارئ إلى أي شيء يخطر ببالك حتى الأب في بيته والأم في مملكتها فغالب الناس مقصر إلا من رحم رب العالمين. ولا أدعوك التشاؤم ولكن أدعوك…
إلى وقفة مع نفس (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
ولنعلم “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
فمهما كان موقعك ومهما كانت مكانتك فقف وانظر إلى ما قصرت فيه فكاد ينطق لساني (كلنا فاسدون). فلا يكون حال أحدنا والعياذ بالله كحال هذا الفرعون الذي قال (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [سورة غافر 29].
فالتكبر على قبول النصح وقبول الحق ليس من أخلاق الصالحين فانظر رحمني الله وإياك لأهل الورع والتقى وشاورهم في حياتك واطلب العون بصدق من الله فمن أوكله ربه لنفسه هلك (اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين) [1]دعاء: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. الإسلام سؤال وجواب. والتغيير يبدأ من نفسك ومن تعول فساعتها تعلم أنك بدأت طريق الوصول.
وما نحن إلا جنائز مؤجلة والموت من حولنا يصول ويجول فاختر لنفسك طريقًا يكون سببًا للوصول. وصول إلى جنة عرضها كعرض السماوات والأرض يطمع فيها حتى من عصى الرسول. وجاهد نفسك أن لا تكون من أهل نار تعوذ منها الرسول.
لا سبيل غير مراجعة النفس
نحتاج لصدق مع أنفسنا صدقًا مع ربنا، صدقًا في التوبة والإنابة والرجوع إلى خالقنا. نحتاج لصدق مع من حولنا نحتاج لصدق ورجوع إلى الله في العبادة وفي العمل والمعاملات والأخلاق. فإن الخداع والكذب والغش في العمل والمعاملات والعبادة أساس كل بلية. وإن تجديد التوبة والإنابة والرجوع إلى الله هو السبيل الوحيد لنجاتنا في الدنيا والآخرة.
رزقنا الله وإياكم في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقانا عذاب النار.
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | دعاء: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. الإسلام سؤال وجواب |
---|