مازلنا مع أكثر القصص ذكرا في القرآن الكريم ألا وهي قصة سيدنا موسى عليه السلام محاولين أن نتدبر منها بعض اللمحات ونستخلص منها بعض الرسائل التي أراد الله أن يخبرنا بها. لما وفى نبي الله موسى المدة التي اتفق عليها مع والد زوجته شعيب في مدين وسار بأهله من جانب الطور ناداه وكلمه رب العزة تكليما. (القوة واللين)
كلفه أن يذهب إلى فرعون وملئه ليريهم آيات الله الكبرى (البرهانان: تحول العصا إلى حية ويده الشريفة السمراء إلى بيضاء من غير برص). كانت ردة فعل نبي الله موسى على هذا التكليف مبنية على تقديره الدقيق لظروفه التي يعيها جيدا، فهو عليه ذنب تجاه القوم بقتله واحدا منهم فكان ذلك سببا لهروبه منهم طيلة هذه السنين.
كما كان يعلم سيدنا موسى أنه سريع الغضب وثقيل اللسان فخشى أن يضيق صدره جراء ردودهم المتوقعة بتكذيبه ولا ينطلق لسانه في دعوتهم إلى دين الله وإبراز الحجة عليهم. لذلك طلب نبي الله موسى من الله أن يرسل إلى اخاه هارون كي يشدد من أزره ويشاركه أمره كوزيرا من أهله.
رأى نبي الله موسى أن سيدنا هارون عونا مهما له لإتمام هذه المهمة العظيمة، فهو مرسل إلى قوم فاسقين يتملكهم فرعون الأكثر تجبرا في الأرض، وسيدنا هارون أكثر منه فصاحة وبيان يستطيع أن يصدقه القول فقد مكث فيهم وعايشهم أكثر من موسى عليه السلام وأدرى منه بلغة القوم الذين ابتعد عنهم موسى عشر سنين. كما كان سيدنا هارون عليه السلام محبوبا بين بني إسرائيل، ذو حلم ولين ورأفة ويمتاز بالصبر والحكمة وكل هذا مطلوب بشدة في الدعوة إلى سبيل الله عز وجل. استجاب الله لسؤال سيدنا موسى”وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا” [مريم 53]
كان سيدنا هارون معينا صادقا أمينا لأخيه موسى يؤازره ويشاركه الأمر والرأي، يلين له يأتمر بأمره وهو الأكبر سنا لكن موسى عليه السلام كان القائد ونبي الله هارون كان الوزير المطيع الداعي إلى الله بإخلاص. وبالرغم من فصاحة وبيان سيدنا هارون ومحبة بني إسرائيل الشديدة له وحلمه وصبره عليهم إلا أن كل هذا لم يعصمهم من فتنة السامري ولم يمنعهم من عبادة العجل عندما تركهم موسى وذهب لمواعدة ربه مستخلفا هارون فيهم. فلقد استضعفوه!
رجع سيدنا موسى آسفا يستشيط غضبا بعد الذي حدث ونبأه به العليم الخبير ملقيا بالألواح وآخذا برأس أخيه ولحيته. كان سيدنا موسى ذو بأس شديد وقوة مفرطة وشجاعة هائلة لذلك كانت تخافه بنو إسرائيل. انطلق لوأد الفتنة فحرق العجل الذي صنعه السامري ونسفه في اليم نسفا. كما أمر سيدنا موسى بني إسرائيل بالتوبة والرجوع عن هذا الذنب العظيم فاستجاب له القوم.
“وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” [البقرة 54]. تلك كانت إرادة الله أن تمتزج القوة باللين بتشارك موسى وهارون في قيادة بني إسرائيل. فكما للقوة سطوتها وهيبتها فللين الغلبة في بعض الأحيان.
آمال حافظ
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال حافظ من مصر. تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. عملت في مجال إدارة الفنون وتنظيم المعارض. كما شاركت في فعاليات ثقافية بمنظمات المجتمع المدني ولها دراسات متعددة في مجال الإعلام.