كثير من الناس يعيش دهره باحثًا عن قدوة له وذلك من السنن التي أوصى بها ملك الملوك نبيه ﷺ بعدما عرفه بالأنبياء وصفاتهم ثم أرشد نبيه بقوله ﷻ فبهداهم اقتده فكان الأمر من الله وامتثال الأمر من رسول الله ﷺ. (المثالية المزعومة)
ويتقلب الناس بين اختيار القدوة تارة بمن مات وآخر يبحث عن القدوة بين الأحياء. وبالرغم من فصاحة القول في أن الاقتداء بمن مات وأن الحي لا تأمن عليه الفتنة إلا أن كثير من الناس يسخر كل طاقته في البحث عن القدوة بين الأحياء ومن أجل ذلك الهدف والبحث عن القدوة بين الأحياء. فترى البعض يجعل من قدوته نبيًا أو قديسًا فهو لا يرى فيه عيب على الإطلاق ولا يرى منه خطأ أبدًا بل يراه على الدوام هو (المسدد الموفق المؤيد من فوق سبع سماوات) يراه حتى معصومًا من الزلل والخطأ وكأنه لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى. وذلك كله من العبث وقلة الوعي والفهم والإدراك.
بل ترى أمثال هؤلاء ربما لا يذكرون من قصص الأنبياء والصالحين إلا ما كان فيه عتاب من رب العالمين ويتجرأ في تكلمه عن أنبياء الله ولا يتحرج من ذكر ذلك مدعيًا أنه من باب التعلم.
ولكن عند ذكر قدوته فلا يذكره إلا بالخير وأنه منزه من العيوب ويرفعه ويرفع مكانته في قلبه فوق درجة الأنبياء والصالحين وإذا حاولت ذكر أمرًا فيه سوء انتفخت أوداجه واحمر وجهه واتسعت عيناه لما يسمعه منك كيف تتجرأ وتذكر (معبوده) بسوء.
لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى (المثالية المزعومة)
فذلك هو المعيار الثابت الذي لم يتغير بل إن شئت فقل هو مؤشر جيد لقياس رجاحة العقل والتمييز بين أهل الدنيا وأهل الآخرة.
بل هناك أناس أعمالهم يوم القيامة مهما عظمت في الدنيا ولكنها في الآخرة كسراب.
(وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[سورة الفرقان 23].
هباء لا وزن ولا فائدة منه وذلك لفقدانهم المعيار الثابت معيار التقوى.
وليس مقام المقال مقامًا نعرض ونتكلم فيه عن التقوى ولكن من باب مالا يدرك كله لايترك جله.
فالتقوى أن يراك الله حيثما أمرك وأن لا يفقدك حيثما نهاك.
فهذه القدوة المثالية المزعومة مهما عملت من أعمال ومهما تباهى بها الخلق.
فلو أن صاحبها افتقد التقوى فلا قيمة له هو ومن اتبعه.
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [سورة البقرة 166 – 167].
الكيس من يتبع الحق لا يتبع الرجال (المثالية المزعومة)
نعم لابد من اتخاذ قدوة والأفضل القدوة بمن مات والحي لا تأمن عليه الفتنة. ومن أراد اتباع حي فإنه يتبع الرجل لاتباعه الحق فإن حاد عن الحق فلا اتباع له لأن الأصل أن الرجال يُعرفون بالحق وأن الحق لا يعرف بالرجال.
فكثير من الشباب غرر بهم وما أنصف المجتمع قدوتهم الحسنة بل دغدغ وجنب وهمش غالب من يصلح أن يكون قدوة وصدر لهم الأفاكين والدجالين والنماذج التي تعمل على هدم المجتمعات كي يتخذوهم قدوة كهؤلاء الذين يتصدرون الشاشات ويصرف عليهم بالمليارات والداعي كما يزعمون تغيير المجتمعات وكذبوا فلو صدقوا لأنفقوا تلك الأموال في هذه المجتمعات لإصلاحها.
يصدرون القدوة وهو يمسك بالسلاح ويشرب المخدرات ويقطع الأرحام ويقولون بقول حثيث لهؤلاء المساكين بأمثال هؤلاء فاقتدوا.
فيا من تدعي الحرية وتنسلخ من العبودية هلا نظرت في أمرك نظرة ووقفت مع نفسك وقفة وسألت نفسك أين أودى بك انسلاخك من عبودية ربك؟
ألم يوقعك ذلك في الفحشاء والبغضاء؟
ألم يجعل منك عبدًا لغير الله وجعلك ألعوبة في يدِ هذا تارة وفي يدِ آخر تارة أخرى؟
ألم يزيدك البعد عن الله قربا من هؤلاء الذين سوف يتبرأون منك؟ فهذه الحياة الدنيا هي فرصتك للخلاص من أي عبودية لغير الله وأن تكون عبدًا له وحده سبحانه وتعالى.
عبدًا خالصًا متبرئًا من أي شيء يبعدك عن الله ويجعلك لا تقتدي إلا بمن يقربك إلى الله.
عبودية تجعل منك أنت قدوة للناس لا تكتفي بالصلاح في ذاتك وإنما تكون مصلحًا لمجتمعك لقومك لكل من حولك.
لا تكون أبدًا ذاك الرقم صفر حتى وإن كنت صفرًا فلا تكن صفرًا على اليسار وإنما تكن رقمًا ذا مدلول وذا أهمية، صاحب همة عالية لا تتخذ قدوة إلا الحق وأهله ودعك من هؤلاء أصحاب المثالية المزعومة.
فإن اقتديت فاقتدِ بمن صدق ما عاهد الله عليه ولا تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا. فلا يمر بك يوما إلا وزادك قربًا من ربك.
وأنتِ يا خليفة خديجة وعائشة وزينب ورقية وأم كلثوم.
ما الذي أصابك أيأست من أمثال هؤلاء الجبال الصابرات القانتات المحتسبات ألم ترضيهن قدوة لك؟ أرضيتِ بالممثلة واللاعبة والمغنية وتريدين أن تجاور عائشة وفاطمة؟ فاعلمي أن مجاورتهن لا تكون إلا لمن سارت على سيرتهن فهذه الهندية وتلك التركية وأخرى لبنانية فإن لم تكن قدوتهن أمهات المؤمنين ومن سار على نهجهن فلا مكان لكِ بينهن فأحسن القدوة يرحمكن الله.
فأنتن علامات فارقة في حياة أولادنا كن معلمات قانتات صالحات حافظات للغيب كن على قدر المسؤولية.
فلقد سئمنا القدوة بالفاتنات والمغنيات والمتلاعبات بعقول اولادنا وفتياتنا.
فهذه المثالية المزعومة ما هي إلا كأصنام العجوة لعبادها إذا شبعوا عبدوها وإذا جاعوا أكلوها.
فاهدموا تلك الأصنام قبل أن يهدموا قدواتكم التي أمركم ربكم باتباعها.
وأخيرًا اللهم اهدنا وأهدِ بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.