يقول الشّاعر اليوناني سيموناديس عندما هاجمت اليونان مملكة إسبرطة وغزتها: “هزمناهم ليس حين غزوناهم، بل حين انسيناهم تاريخهم وحضارتهم”.
كم هي مقولة تبثّ ريبا في النّفس، وتجعل الأجساد والأجسام تقشعر، وتشعل الحزازات في الصّدرور. وكم تدعو العقل وتحضّه ليدرك في أيّ عصر نحن، وفي أيّ المراحل التّاريخيّة نعيش، وأين نحن في سلّم عيش الحضارات.
ليست هناك هزيمة تأتي من الخارج وتقضي على الإنسان أو حضارته، ما لم تزعزع أركانه وتقوّض أسسه ويتسلّل الشّك والرّيب إلى أعماقه، وينهزم داخليا، ولتذكر قصّة يوليوس قيصر، عندما أجهز عليه كلّ الّذين هم على نفس المائدة، ومع ذلك ظلّ واقفا لم يسقط، ولكن عندما رأى صديق طفولته ونديمه ينهال عليه بالضّربة الأخيرة، قال مقولته الشّهيرة: “حتّى أنت يا بروتوس، إذا فليمت قيصر”. وخرّ صريعا وقتذاك.
إنّ أسوأ ماقد قد يحصل أن يدسّ السّم في العسل، ويغلّف الباطل برداء الحقّ، ويأتي السّياسيّون والمتفيقهون، والمتثيقفون، وكلاب المال. ليشرّعوا ويضفوا هالة من القدسيّة والمنطقيّة على تلك الدّخائل اللّائي ما تمت بصلة للواقع أو الحقيقة، أو أن يقعوا ضحيّة لصراعات ومجادلات على أشياء غير ذات قيمة أو أهمّية، ويكسبوها أهمّية، ويضعوا لها، ولا يرجى أن تعود أيّ منها -مستقبلا-على الإنسان والحضارة بالنّفع والفائدة(مجرد فهلوة وسفسطة عديمة الجدوى، أو ربّما بفعل المال).
إنّ أيّ هزيمة تاريخيّة وهزيمة نفسيّة لا تأتي من فراغ، فإحدى سبيين يكادان يكونان سببا ونتيجة ألّا وهما: التّرف والكلف، والسّخف والوله. ترف الإنسان وغدق المفاهيم على عقله، بغضّ النّظر عن كنه هذه المفاهيم وكذاك تكوّن غشاوة تحول دون رؤية مثلى، أز سير قويم، وكلف الفقير والعبد وتقليده لمن يراهم أسيادا له، وأربابا عليه، ومثل عليا يجب السّير على نهجها للوصول إلى القمّة، بأقصر الأساليب، وأقلّ التّكاليف، لسخفه وسذاجته في ذلك، وشدّة إعجابه بمن يراهم أرفع درجة منه، واستنقاصه لدوره وحقيقته.
مساحة إعلانية
“هزمناهم حين انسيناهم تاريخهم وحضارتهم”
أين موقعنا كأمّة، وأين تاريخنا المغيّب، وأين حضارتنا؟
موقعنا كأمّة أصبح أقرب حالا لقانية أو أمة، وتاريخنا غيّب منه الجميل، ونلاحظ مؤخّرا وجود تحذلق من قبل بعض طالبي الشّهرة، ومحبّي الإختلاف يرونه بطريقة لا أعلم حقيقة كنهها. وأين نحن من حضارتنا؟ لا أكاد أعلم، أجزم أنّهم قطعوا شوطا كبيرا في جعلنا ننساه.
هل سبق لكَ وأن سمعت بالتّكلفة الصّفريّة في الحرب؟ أو سمعت عن هذه النّظريّة من قبل، للفيلسوف والشّاعر والأديب الهندي محمد إقبال؟
إنّها وبكلّ بساطة تتبلور بأنّها إحدى أساليب إخضاع الشّعوب والدّول وإحدى أساليب الإمبرياليّة الناعمة، المستحدثة، والّتي تعمل على الإرضاخ والتّدمير، وزعزعة علاقة الشّعب بالشّعب وحكومته عبر زعزعة العلاقات وتدمير البين، بالقاء بذور الفتنة أو بعبارة أدق تغذيتها، عبر التّلاعب بالمتناقضات، وجعل العدو يجهز على نفسه من نفسه، وما على الّذي يستخدم هذه السّياسات إلّا بوضع العصا أمام ناظري الحمير، “ويا دار ما دخلك شر”، وبهذه الطّريقة، لا تخسر دول الإمبرياليّة والنّفوذ ولا طلقة واحدة، ولا تراق قطرة من دماء جنودها، ولا تخسر حتّى عربة عسكريّة واحدة، ولاحتّى “سنتا” واحدا، بل إنّها تستفيد ببيعها الأسلحة، والتجاء الأطراف إليها، ودفع الأموال، وتشكيل الولاءات القائمة على أساس ما يسمى بالحماية ونشر القواعد.
عبد الرحمن الحداد
(هزمناهم حين انسيناهم تاريخهم وحضارتهم)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
عبد الرّحمٰن محمّد الحدّاد من اليمن. ولد في العام 2004/5/1، في محافظة تعز اليمنية، ونشأ وترعرع في أكناف أسرة تعليمية.
تخرج من الثّانوية العامة في العام 2020/2021 ،وحصل فيها على درجات ممتازة،وكان من ضمن أوائل محافظته. له عدّة مؤلفات مازالت في طور التّأليف منها رواية،وكتاب مقالي.