توزيع الرحمات على حسب الأمزجة والأهواء والتحزبات والانقسامات والمصالح والبغض والحب في أيامنا الأخيرة. أصبح من الأمور التي لا تخفى على أحد. فترى كثيرًا من الخلق جعلوا من أنفسهم شركاء للرب؛ وبدلًا من أن يتعلموا أو يقرأوا لأهل علم على الأقل حتى يتعلموا الفوارق بين الأعيان والأفعال، تجدهم أشد حرصًا على فتح أبواب الجنة لمن يوافق هواهم والنار على مصرعيها لمن خالفهم. حتى أن الأمر ربما وقع فيه من ينسب للعلم بالشهادات.
أهم يقسمون رحمة ربك – توزيع الرحمات
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [سورة الزخرف 32].
بل ربما يظن أحدهم أن غيره يستطيع أن يتحكم في رحمة الله بقولهم “لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل”. فما بين من يظن أنه مقسم لرحمات الله وآخر يحكم على غيره من عباد الله. تقف أنت مندهشًا من فعلهم. ومهما بلغ سلطانه هل يستطيع منع رحمة الله وساعتها تعلم أن القوم لو رجعوا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم لتغيرت أحوالهم.
(مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة فاطر 2]
ولو أنهم بدلًا من انشغالهم وتوزيع رحمات ربهم نظروا لأنفسهم وغيروا من أحوالهم وتحسسوا رحمات ربهم أن تتنزل بهم لكان خيرا لهم.
(لَّسۡتَ عَلَیۡهِم بِمُصَیۡطِرٍ)
فاعلم يرحمني ربي وإياك أن من أُرسل رحمة للعالمين خاطبه الملك ﷻ بأنه بشيرًا ونذيرًا. وما من حساب الناس عليه من شيء ولكنه يقدم لهم ما يستطيع من نصح وإرشاد وتوجيه ليأخذ بأيديهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية. وذلك بيت القصيد ومربط الفرس. فإن ظن العبد بنفسه خيرًا ووجد أنه على الصواب والطريق المستقيم فما عليه إلا أن يكون عونًا لإخوانه من غوايات الشياطين. وإن لم يستطع نصحهم فلا أقل من ألا يضرهم وإن لم يكن سببًا في دخولهم الجنة فلا يكون سببًا في دخولهم النار. وأن مآل مرشد الناس للنار عاقبته وخيمة فما بالكم بمن يجعل نفسه شريكا لله في ملكه وجنته وناره بقوله فلان من أهل الجنة وفلان من حطب النار.
والله أمثال هؤلاء لمساكين يحتاجون إلى الشفقة والأخذ بأيديهم من هذه المصيبة وهدايتهم لإصلاح أنفسهم وأحوالهم.
هل ضمن أحدنا الجنة ليحكم على الناس؟ – توزيع الرحمات
وهنا يأتي سؤال في غاية الغرابة وهو كيف يضمن أحدنا الجنة والنبي صلوات ربي وسلامه عليه يقول وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ورسول الله هو من تُفتح له الجنة ولكنه يعلمنا أن لا نتأله على الله.
وهذا (الصديق) يقول لو أن إحدى قدماي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله. وهو من رضي الله عنه ونزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة.
وذلك عمر (الفاروق) يسأل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أهو من المنافقين وحاشاه الأمير العادل.
فهذا الذي يصنف الناس مهما اختلف معهم ويقول فلان في الجنة وفلان في النار. أضمنت لنفسك جنة أو نار أم ظننت في نفسك أنك أفضل من الأخيار.
الحكم على الغير – توزيع الرحمات
من المُسَلمات أنه من أراد الحكم على أحد في أي مجال من المجالات وأي فن من الفنون وجب أن يكون في علمه أو أعلم منه حتى يكون الحكم معتبرًا.
فالذي يحكم على الطبيب طبيبٌ يساويه في العلم أو أعلم منه حتى يستطيع الإلمام بما لم يستطع غيره. وكذلك في كل الفنون.
وإني لأتعجب شديد العجب من هؤلاء الذي يُطلقون عنان الأحكام على الغير بالرغم من ضعفهم وقلة حيلتهم وليس لهم مقومات إلا انتفاخ عروقهم وارتفاع أصواتهم فهون على نفسك. فلو كتبك الله من أهل الجنة وكتب غيرك فما يضرك. ولئن كتب الله الناس من أهل الجنة والعياذ بالله كتبك من أهل النار أعاذني الله وإياك منها فما ينفعك.
فلا تشغل نفسك بالحكم على الناس وإن سرقوا وزنوا. واشغل نفسك بنفسك وإن فرطت في النوافل.
حاسب نفسك في الزلات وصغائر المعاصي ولا تحاسب غيرك في الذنوب وأكبر الكبائر. فالله يحاسبك على معاصيك ولا يحاسبك على معاصي غيرك إلا إذا كان مِن مَن استرعاك الله عليهم.
وهنا وقفة بل وقفات
يترك أحدنا نصح وإرشاد وتوجيه ومحاسبة من أُمر بمحاسبته ومن هم تحت رعايته. ويسعى ويتفنن في محاسبة الخلق وما ذلك إلا لقصور عقله وقلة علمه. فالأولى أن يحَاسِب من يُحاسَب عليه كحال هذا الذي يقصر في الواجب ويدعي الكمال في النافلة.
النجاة في ترك الحكم على الناس
فالله يحاسبنا على أعمالنا وطاعتنا له وامتثالنا لأوامره سبحانه وتعالى وتجنب نواهيه ويعاقبنا على أن نشرك به شيئًا أو نحكم على عباده بشيء (فقد باء بها أحدهما) فالأسلم لنا ترك الأحكام على عباده، وخاصة إذا علمنا أن الكفر ليس بذنب بين العباد.
فالكفر يكون ذنبًا بين العبد وربه. والذي يحاسب العباد على الكفر إنما هو خالق الخلق. ولذلك لا يقتل الكافر لكفره وإنما المعايشة بكامل حقوقها ما لم يكن محاربًا. وذلك فضلًا عن المسلم الذي نتلذذ بالأحكام عليه. والله يجازينا بقدر ما نأخذ بأيدِ عباده وهدايتهم ويعاقبنا بقدر ما نصد عن سبيله ونكون سببًا في ابتعاد العباد عن عبادته سبحانه وتعالى.
لذلك النجاة كل النجاة في ترك الأحكام على العباد والبعد عن هذه النفايات العقلية التي تلوث الفطر السوية فهذه النفايات يصدرها الإعلام المؤيد والمعارض في كل مكان حتى يظهر هو في الطهر والنقاء والخاسر من ينقاد خلاف هذا وذاك متلذذًا بإطلاق الأحكام على عباد الله.
الله أسأل أن يحفظنا من الوقوع في ذنوب تأكل حسناتنا وتجلب لنا من سيئات أصحابنا.
حفظنا الله واياكم من كل مكروه وسوء ورزقنا وإياكم الحكمة وفصل الخطاب وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.
ك العادة كلام يدهش العقول ويشرح الصدور ❤️
نفع الله بكم
حفظكم الرحمن ووفقكم وسددكم