من يرى الحياة بعيونه فقط
فهو يرى ولكن لا يُبصر
البصيرة هي أن ترى
ما لا يراه البصر (عطاءات الله غير المرئية)
من نتائج الغرق في العالم المادي هو أن يفقد الانسان شفافيته الروحية، ولا يرى في الحياة إلا ما هو ملموس ومحسوس، وأن تصبح عطاءات الله تعالى له فقط الممتلكات المادية أو الشهرة أو السلطة والنفوذ وكل ما يستجلبهٌ ذلك من زهو وفخر وربما تكبر وغرور.
عطاءات الله تعالى أبدية وأزلية لا تتوقف ولا تنفذ، هناك من شكرها وهناك من جحدها، ولكن في عالمنا المعاصر أصبح هذا العطاء بالنسبة للكثير من الناس لابد أن يتمثل بالناحية المادية، وعم الجهل وربما التجاهل أو النسيان بأن هناك منح ربانية خفية ولكنها عظيمة. والجهل بهذه العطاءات هو جحود لها لنسيان شكرها.
أن تصمت حين يريد الجميع أن يتكلموا، وأن تنفر من الجدل ومن النقاش العقيم هو عطاء.
أن تنظر إلى ما يمتلكه من حولك دون أن تتمناه أو تحسده هو عطاء.
أن تتغافل عن أخطاء من حولك وتتجاهلها لأن هدوءك النفسي أهم من انتصارك على الآخر هو عطاء.
أن تكون عقيدتك بالله أغلى من حياتك هو عطاء.
أن تكون كريمًا رغم كونك فقير.
أن تكون كرامتك فوق مشاعرك وشهواتك.
أن تنسحب حين يجف الحب دون لوم ودون إيذاء ودون توقعات.
ألا يكون لديك سوى بعض الكلمات لتقولها للآخرين ومئات الكلمات تقولها لنفسك.
أن يكون الموت حاضرًا حتى وأنت في ذروة الصحة والنشاط.
أن يكون هناك جزء في كل يوم من أيام حياتك مُخصص لمكانك في الآخرة.
أن تنسى حين يتذكر الآخرون، وأن ترضى حين يتذمرون، وأن تتناسى حين يريد الحزن مهاجمتك وأن تنسحب من معارك إثبات الذات وإشعال الفتن.
أن تنظر لكل من حولك بعين الرحمة وأن لكل واحد منهم هناك معاناة وهناك قصة وتتذكر أننا جميعًا مسافرون في قطار متعدد المحطات هناك من ينزل سريعًا وهناك من يتأخر ولكننا جميعًا سوف نغادر القطار السريع أو البطيء.
ومن أعظم عطاءات الله تعالى هو الصبر على ما تكره وعلى ما تحب، واليقين بأن كل سعادة في الحياة لها وجه آخر يحمل الألم وأن السعادة الخالصة لن تكون إلا في الآخرة.
من الجميل أن نرى الحياة بعيوننا وهي نعمة أعطاها الله عز وجل للأغلبية العظمى من عبادة، ولكن نعمة البصيرة لم يمنحها إلا للخاصة من عبادة، إلى أولئك الذين لم تعمي بصيرتهم زينة الحياة الدنيا، أولئك الذين أدركوا أن كل ما في الحياة فاني أو يسير إلى الفناء، أو بالأحرى أولئك الذي عاشوا في الحياة الدنيا بأجسادهم وانتقلت أرواحهم قبل الموت إلى حياة ما بعد الموت لأنهم علموا وأيقنوا أن الحياة الحقيقية هي ما بعد الموت وذلك كما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).
د. سناء أبو شرار
(عطاءات الله غير المرئية)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
سناء أبو شرار من فلسطين. خريجة كلية الحقوق جامعة دمشق، ماجستير قانون جامعة مونبيلية – فرنسا، دكتوراة قانون الجامعة الاسلامية العالمية. لها العديد من الروايات والكتب والمقالات.