ربما قد تكون من أكذب المقولات الّتي قرأتها “فاقد الشّيء لايعطيه”، أو استسمح لهذه المقولة عذرا وأقول ربما تكون اقتطاع من حديث جميل دار في هذه الدائرة، وكان تكملته فاقد الشيء لا يعطيه، بل يجود به، ويحاول قدر استطاعته أن يبذله، إن كان إنسانا، وقد ذاق مرارة الحرمان. وقد يتبادر إلى ذهني أحيانا أنّ الفاقد ذاك لم يكن المقصود به نوع إنساني. (أشيل شاتويليو)
ومرة أخرى أعود فأقول: لنسأل أنفسنا حقيقة، أهل هذه المقولة صادقة؟ من نطق بها ياترى؟ أهل نطق بها جهل؟ أهل صادفته تجربة عابرة فعمّم الحكم على سائر النّاس؟ أمّ أنّه كان يتحدّث عن الحيوانات وكان ذاك مقصده، وأنّه لم يكن يتحدث حول الإنسان بمختلف أشكاله وألوانه، بل كان يعني نمطا ما.
العطاء في مرارة – أشيل شاتويليو
لا يعطي ويندى في عطائه إلّا من ذاق مرارة الفقد وتجشّم ما فيها، ولا يحاول شخص أن يرى آخر الطّريق ولو بشمعة إلّا لأنّه قد ذاق الحرمان، ورأى كم هو موحش طريق الظّلام، وتجرع البؤس والشّقاء فيه، ولأنّه لم يتجرد من إنسانيته بعد. وما عدا ذلك فليس عطاء بمفهومه الأصلي.
مساحة إعلانية
قد يعطي من لا يملك!
كيف يعطي من لا يملك؟ هكذا قد يكون السؤال في أذهان البعض، كيف يعطي من لا يملك؟
يعطي من لا يملك أو يفقد الشيء، عندما يريك أي مستنقع هو غارق فيه، وأيّ وحل قد تلطّخت به أثوابه وأحشائه. كلّما تذكّرت مقولة “فاقد الشّيء لايعطيه”، تبادرت إلى ذهني قصّة ذاك الرجل الذى كان يعاني من الاكتئاب، فنصحه الطبيب بالذهاب الى مُهرّج المدينة ربّما ليُساعده، فانفجر الرّجل باكيًا وقال للطبيب “أنا المُهرّج”!
واسم هذا الشّخص “Achile Chatouilleu” وجُثمانه موجود فى معهد “كاليفورنيا” للفنون، محفوظ تحت الزجاج في مكياج المهرج منذ أكثر من 100 عام. كان يضحك الناس، ويرسم البسمة على الوجوه بينما هو في قمّة حزنه!
هنا يمكننا القول أنّ الحرمان في كثير من الأحايين قد يصنع من الرّجل رجلا ويجعله إنسانا بحقّ، ويزيل عن عقله بعض الشّوائب، ويزيل بعض الأقذاء الّتي لطالما كانت أمام ناظرية وتحول دون معرفته ورؤيته.
بينما لايعني هذا أنّه ليس هناك ما يشذّ، بل يمكن القول أنّ كثيرا ممّن يتذوّقون مرارة الحرمان، يسعون جاهدين مدفوعين بفعل الغريزة السّبعيّة إلى أن يذيقوا العالم ماذاقوه.
ليست المشكلة مشكلة حرمان.
ليست المشكلة مشكلة حرمان ومرارة، بل مشكلة عوز أخلاقي، واستشراء للمشاعر السّبعيّة والجمليّة في ذات البعض، وعنصرية مقيتة، وشعور لا أدري كنهه، ولا أدري بمَ أصفه؟ إن عدم عطاء الفاقد تكاد تكون مشكلة غياب ضمير، وضعف وازع فطري، واضمحلال كياني وتحلّل؛ نتيجة الضّرب النّفسي الدّاخلي والخارجي، وذاك يدعو إلى الأسى، والتّأسّي. حقّا إنّها لمشكلة عويصة تلك الّتي تشتت الإنسان وتضيّعه، وعوضا عن جعلها وسيلة لصقل الكيان الإنساني وتقويم الاعوجاجات، تصيّر وسيلة لكسر الكيان ونثره أجزاء تلقى على طريق الحياة.
كم هو عجيب أن أن نرى عليلا يهرب من العلاج فيهلكه المرض، والأعجب أن نراه مع ذلك يحضّ النّاس إلى عدم أخذ الدّواء في مثل حالته.
عبد الرّحمٰن محمّد الحدّاد
(أشيل شاتويليو)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
عبد الرّحمٰن محمّد الحدّاد من اليمن. ولد في العام 2004/5/1، في محافظة تعز اليمنية، ونشأ وترعرع في أكناف أسرة تعليمية.
تخرج من الثّانوية العامة في العام 2020/2021 ،وحصل فيها على درجات ممتازة،وكان من ضمن أوائل محافظته. له عدّة مؤلفات مازالت في طور التّأليف منها رواية،وكتاب مقالي.