في مستنقع الجُهالة، حيث يتغذّى الإنسان بأفكار عقيمة الإنفتاح، منعدمة الثّقافة، في أُسرٍ تُطعِم أطفالها عوضاً عن الحليب نظريات استعبادية، إلغائية، استخفافية. في المجتمع العربيّ حيث يُصفّق للرئيس على جهله، وتُضرَبُ الفتاة على فِكرها، وتصبح أمًّا من لم تنضج فيها ملامح الطفولة. (لتكن عظمتك)
عزيزتي الأنثى لسنا فقط في مجتمع رايته “إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب” بل في مجتمع مُستعدّ لرصّ العقبات أمامك، يُغمّس في لقمتك الإهانة، يُطعمك من لحم العبوديّة، أنتِ في مجتمع لا يسمح لك حتّى بمحاولة أن تكوني ذئبة.
حيث أنّك الواحد في وجه المائة، وأنّك الشمعة التي تُنير ظلمات السّنين فتغدر بها نسمة استغلالية تمسح على فتيلها فتطفؤها.
طفلتي الأنثى، لن أطلب منك قصّ مخالب الذّئاب بيديك الناعمتين، لن أدعوك لترويض ذئب يُستحال ترويضه.
ها هم يومياً يأكلون صوتك، رأيك، فكرك، يكادون ينهشون رأسك ومستعدّون لذلك حتى لا تُضاء فيه فكرة مُنيرة تشجّعك على إقامة ثورة تجرف أعمالهم إلى القاع المليء بقذارة أفعالهم، فيسقطون وترتفعين وهذا ما يخشونه خشية العجوز من فقدان عكّازه.
يرغبونك ضعيفة، يقلّبونك كيفما يشاؤون، كآذار الّذي يعتريه الرّبيع حيناً وتسرقه نسمة شتوية حيناً آخر.
يرغبونك قطعاً متشرذمة يجمعونها كيفما يرونها لأنفسهم مناسبة، دون أن يُشكّل جمعها خطراً على استمراريتهم، إنّهم حقاً يُدركون كيف عليهم بناءك منذ الصغر دون أن تغفل عن عقولهم ثغرةٌ خاطئة تولّد ثورة عند الكِبر، إنّهم أغبياء إلى الحدّ الّذي يجعلهم لا يدركون أنّ في القمع والعبوديّة مشاعرٌ مكبوتة تتولّد في داخل النّفس البشرية، تنضج مع نُضجك عزيزتي، فتشكّل خطراً على فسيفسائهم الهشّ، وفي اللحظة الأولى الّتي تُترجم هذه الثّورة لمعالمَ واضحة في ملامحكِ وتصرفاتك ستكونين كأُخريات قد حكمتي لما بَنَوهُ على مدى السّنين بالدمار.
سُكونكِ عزيزتي سيزيد من كَسرتهم، ضمُّكِ للجروح الدّفينة داخلكِ لن يزيد الجزم إلا حزماً، ارفضي أن تكوني بدَلاً من إسمهم، تمرّدي على أن تكوني إسماً مجرورا بعد حروف جرّهم.
لستِ إسماً منقوصاً ولن تكوني، لست مضافاً إلى ذكَرٍ لا يكادُ يُبصر سذاجة الحياة، لست نائبةً لأفعالهم، سكّني أفعالهم لتضمّي لنفسك ما تستحق، إيّاكِ أن ترضي بأن تكوني مفعولاً به ينصبونه كما يشاؤون، بل كوني الفاعل المرفوع دائماً.
اسمحي لأُنثاك أن تتشرنق كبُرعمة كما تريد، تنثُرُ بشذاها ما تأخذه العصافير مُبعثرة إيّاه في فراغ الكون، وفي كل بقاعه. تذكّري أنّك ترتدين البياض حيث الجميع يبتلعه السّواد، وأنّك الثغرة التمرّديةُ البيضاء وسط لوحاتهم السوداوية.
للمجتمع العالق عند عتبة الجاهلية، الّذي لم يتخطّى وأد الأنثى، فغيّر أدوات جريمته لتتمثّل على هيئة سجون فكرية، ومدافن حضارية لكلّ صوتٍ حرًّ تَجهرُ به كلّ أنثى عربية.
للمجتمع الّذي تتكاثر فيه الذّئاب يوماً بعد يوم، تزداد فيه شهيّتهم لافتراس لحمها الأبيض، زارعين فيه سواد عقولهم.
للمجتمع الّذي يدّعي التحضّر ويفتقر لأدنى مقوماته أقول: في عروق الإناث نبضٌ مختلف، تَسري فيه رغبة جامحة بالتّحرر، حذاري أن تخطو أيّها المجتمع خطوة ناقصة تُمثّل اللّغم لك، فيثور النّبض الأنثوي عليكم مستردّاً ولو بالقوّة ما اغتصبتموه بالقوّة.
لتكنْ عظمتك عزيزتي الأنثى جلّية واضحة في ملامحك وخطواتك، عظمةٌ تُخيفهم وتقوّيك، لأنّك الأنثى لتكن عظمتك.
مؤمنة أسعد
طالبة أدب عربي.
(لتكن عظمتك)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
مؤمنة أسعد من لبنان. تحبّ مؤمنة اللغة العربية منذ الصغر، شجّعها أساتذتها ومعلماتها على الاستمرار في هواية الكتابة، كبرتْ مؤمنة وهي تدرس الآن تخصص الأدب العربي في الجامعة، تسعى لتطوير موهبتها وأنْ تُخلص لها، على أمل إصدار كتابها الأول في أقرب وقت ممكن إن شاء الله.
مؤمنه اسعد المقال رائع جدااا أهنئكِ ???