ماذا يستفيد البعض من أن يقع الناس في الإثم والحرج؟ مع أن ديننا الإسلامي وشريعتنا السمحة وهدي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم غنيٌ بالشواهد الدالة علي رفع الحرج: “. مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (المائدة: 6)، وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا”(أخرجه البخاري). (نَسَلم ويَسَلمون، بدلاً من أن نَغـَنم ويأثمون)
وفي مناسك الحج التي جعل الله فيها سعة لا توجد في غيرها من العبادات. فلقد وقف صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ: (اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ). فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِي. قَالَ: (ارْمِ وَلاَ حَرَجَ). فَمَا سُئِلَ النَّبيُّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ”(رواه البخاري ومسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ).
فلماذا يُضيق البعض واسعًا؟ إدعاء بالأخذ بالعزائم؟ مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته”(مسند أحمد بن حنبل، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، صححه الألباني رحمه الله صحيح الجامع 1886).
ولماذا يسعى البعض “لتأثيم” آخرين، بل قد يصل الأمر “لتكفيرهم”؟ أهو “غرور التدين” أم”التلذذ بمشاهدة البعض يرزحون تحت نير المعاصي؟ بدلًا من إرشادهم ومساعدتهم علي الاهتداء إلى الصراط المستقيم، وحثهم علي مواصلة السير فيه. وذلك اقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم لما جاءه شاب يطلب “إذنًاً بالزنى”، فضج منه الصحابة. لكنه بعد موعظة الرسول البلغية خرج بغير الحال التي جاء بها. وذلك الأعرابي الذي بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لاَ تُزْرِمُوهُ” ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ”(صحيح البخاري برقم: 6025، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه).
(نَسَلم ويَسَلمون، بدلاً من أن نَغـَنم ويأثمون)
مساحة إعلانية
ولماذا يكرس بعض خطباء المنابر جُـلّ كلماتهم، مخاطبًا و موجها كلامه للحضور وكأنهم “مذنبون، تاركون للصلاة، مُعرّضون أنفسهم لعذاب الله، ويكثر من استحضار آيات الوعد والوعيد”؟ ومن ذا الذي “يتــأله” علي الله ألا يغفر لفلان، وأن يعذب فلانًا؟ فيخرج البعض بحال غير التي دخل بها المسجد أو أستمع فيها لموعظ الجمعة! فما لهم لا يستبدلون ذلك بصيغ “الغائب أو المبني للمجهول” كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يقول: “ما بالُ أقوام؟ “. ولماذا لا يؤدي كلٌ دوره المُيسر له في هذه الحياة، علي أكمل وجه؟ وأحسن صوره، لا تضر به ولا بغيره من الناس أو حتى الحيوان والطير؟ فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ”(صحيح مسلم، 1955).
ولماذا يعمد أناس لوضع العراقيل، وتشييد السدود، وخط الحدود، وبث السموم، وتكريس الهموم، وإشاعة الأضاليل، وترويج الأباطيل؟ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (المائدة: 105). ولماذا يتقابلِ البعض وجهًا لوجه، فرادي وجماعات، وجمعيات ومؤسسات، فإذا غاب غائبهم سلقوه بألسنة حداد، وسهام شداد.غيبة ونميمة، وأحيانًا بهتانا كبيرًا؟ وذلك تعاليًا، وسخرية، واستهزاء. أمور “لو مزجت بماء البحر لمزجته”، وقد نُهينا عن كل ذلك.
لقد كان “إبراهيم النخعي“، أعورًا وله تلميذ “أعمش” يقوده من بيته للصلاة في المسجد ومن ثم أعادته لبيته. فقال “إبراهيم” لتلميذه يومًا: خـُض بنا طريقًا آخر. فإن في طريقنا المعتاد أناس يروننا فيقولوا: “أعمش يقود أعورًا”. فقال له التلميذ: “وما في ذلك شيخي؟ إننا بذلك نـَغنَم ويأثمون”. فقال “إبراهيم”: وما حاجتنا كي يقعوا في الإثم؟ بل نمضي في طريق آخر فنَسَلم ويَسَلمون بدلاَ من أن نَغنـَم ويأثمون”.
إن تعبيد الناس جميعًا لرب العالمين هي غاية مرجوة ممن يحملون هم هذا الدين. فرادي وجماعات، هيئات ومؤسسات. أولئك الذين يحرصون علي تطبيق قيم الإسلام وتوجيهاته. إخلاصًا، وتقوي، وإحسانًا، وصدقًا، وصبرًا، وتعاونًا، واعتدالًا، وتواضعًا، وتورعاُ، وبرًا، وسماحة، وأمانة الخ. كما أنهم يداومون علي النصح والتناصح والإصلاح كي “نَسَلم ويَسلمون، بدلًا من أن نَغـَنم ويأثمون”.
أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري
(نَسَلم ويَسَلمون، بدلاً من أن نَغـَنم ويأثمون)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
أ.د ناصر أحمد سنه كاتب وأكاديمي من مصر، تخرج في جامعة القاهرة (1985)، ويعمل: أستاذًا ورئيسًا لقسم الجراحة – كلية الطب البيطري – جامعة القاهرة. وقد بدأ الكتابة منذ نحو ربع قرن، وله أكثر من خمسمائة مقال (ثقافي متنوع) منشور.. ورقياً والكترونياً، وثلاثة كتب منشورة.