نظريات علمية غيرت مجرى التاريخ

لم يدفع عجلة العلوم إلى الأمام مثل النظريات العلمية، ففي الوقت الذي ينحدر فيه مفهومنا الشعبي عن التنظير -ويصبح وصفًا لكل ما هو غير عملي أو غير واقعي- تُعَد النظريات العلمية قاطرة العلوم الأولى.. تُرَى لماذا؟ وما سر تعلق العلم بالنظريات العلمية؟ وما هي أشهر النظريات العلمية التي أثرَت حياة الإنسان وأثَّرَت فيها وعمرت الأرض؟ .. هذا ما سنعرفه في هذه المقالة. المصادر. [1] “General chemistry” Kennth W. Whitten, Fifth edition, Harcourt college Pub, 1996. [2]“Before theory comes theorizing or How to make social science more interesting” Richard Swedberg, Feb. 2016. The British journal of sociology/ Volume 67, Issue 1/p.5-22. [3] “Encyclopaedia Britannica”, Encyclopædia Britannica Inc., 1999 – Pages of (James Clerk Maxwell/ Michael Faraday/ Henrik Hertz). [4]Cell Theory [5]Dalton’s atomic theory [6]Atomic Theory

نظريات علمية غيرت مجرى التاريخ
123RF

ماهي النظرية العلمية؟ (أشهر النظريات العلمية)

تعْرَف النظرية العلمية بأنها اقتراحًا أو فروضًا تفسر نمطًا معينًا أو ظاهرة علمية ليس لها تفسير سابق، فهي لا تقدم معلومة بقدر ما تكشف المعنى الخفي بين سطور المعلومات، ويبني عليها تطبيقات وابتكارات تيسر شئون الحياة، وأحيانًا تنشأ بسببها علوم جديدة كعلوم الكَمّ والنسبية وعلم الخلية.

والمُنَظِّر العلمي لا يبني كلامه على فراغ ولا على تخمين؛ بل يعتمد على الحقائق العلمية، ويقوم بتحليل البيانات المتاحة لديه، ويستقرئ الشواهد والظواهر -الشائعة والشاذة- من أجل الوصول إلى مغزى علمي حقيقي، وقد يستغرق المُنظر عَقدَا أوعقدين من الزمن لكي ينتهي من صياغة نظريته، وبمجرد طرح النظرية للمجتمع تصبح عرضة لإثبات صحتها أو خطئها بالتجارب العملية، كما تخضع أي نظرية علمية لاختبار الزمن، فقد يثبت خطأها بعد حين أو قد تزداد صحة ورسوخًا، وقد تكون صحيحة ولكنها غير مكتملة ومع الوقت تظهر نظرية متممة لها، وهكذا. وعلى كل حال تُعَّد النظريات الصحيحة بمثابة اللغة الحقيقية للعلم، والعقل التي ندرك به فلسفة العلم.

فعلى سبيل المثال: إذا تأملنا الجدول الدوري لـ “مندليف” (1834-1907 م) نجد أنه لم يقدم معلومة مجردة، لكنه اكتشف النمط الذي تسير فيه الخواص الكيميائية للعناصر والمعادن المختلفة بتغير كتلتها، وبهذا الاكتشاف اتضحت لنا خواص العناصر بمجرد معرفة موقعها من الجدول الدوري. ليس هذا فحسب بل إن الجدول الدوري قد كشف عن فراغات لعناصر لم تكن اكتشفت بعد، لكنها منطقيا لابد وأن تكون موجودة، وبالفعل تم اكتشافها بعد سنوات، ومن أمثلة ذلك عنصر الجيرمانيوم (Germanium “Ge 32”) الذي يقع عموديًا بين السليكون والقصدير، حيث تم اكتشافه عام 1940 م بعد ما يقرب من 70 عامًا على توقع مندليف في الجدول الدوري.

إذن فالفهم الجيد والتنظير العلمي الدقيق يؤديان إلى توقعات تستخرج العلم استخراجًا من بطون الأرض وتسرع عجلة العلوم. ومن المفيد جدا أن نطلع على النظريات العلمية المختلفة قديمًا وحديثًا، ولكي نحقق أقصى استفادة من النظرية المعنية علينا أن نقرأ تاريخ صياغتها، وكيف تمكن صاحبها من دراستها والتنقيب عنها، وكيف مر بمراحل التنظير بدءًا من الملاحظة، والتقاط المبدأ، وعمل المقارنات والتشبيهات والموائمات، ثم عمل الصياغة النهائية.

التنظير الاجتماعي شيء آخر

وفي المقابل يطلق مفهوم التنظير (شعبيًا) على كل من يفترض أشياءًا (وهمية أو خيالية) ويستسهل أمورًا شاقة وهو خارج موقع المسئولية والتنفيذ، حتى إذا تقلد زمام الأمر وأصبح تنفيذيًا فشل في تحقيق تنظيره الذي افترضه بنفسه، فيكتشف رفقاءه -حينئذ- أن كلامه لم يكن أكثر من هرطقة ونظريات لا تمت للواقع العملي بصِلة، ومن هنا أصبح مفهوم العامة عن التنظير والنظريات في أسوأ معانيه.

إقرأ أيضاً:  رواد العلوم في مطلع القرن العشرين.. إنجازات وإخفاقات

مساحة إعلانية


أشهر النظريات العلمية وأهم ثمارها

1- النظرية الجرثومية

كان الاعتقاد قديمًا أن الأمراض المعدية تنشأ تلقائيًا بلا وسيط ولا مسبب، إلا أن الألماني روبرت كوخ (1843-1910 م) قدم فروضًا دحضت فكرة النشوء التلقائي للأمراض المعدية، وأسس للنظرية الجرثومية من خلال فروض نلخصها في الآتي: أننا إذا قمنا بعزل الميكروب المسبب من الشخص المصاب، وزراعته وتكثيره معمليًا، ثم عَرَّضْنا الشخص السليم لتلك المعزولة بالشكل المناسب -وبطريق الإصابة المناسب- فإن المرض يحدث وينتقل إلى الشخص السليم.

وقد انعكست آثار تلك الفروض بشكل إيجابي على إجراءات الوقاية، وأهمية التطهير والطهي الجيد للأغذية والألبان، كما تطورت معها وسائل تشخيص الأمراض المعدية والفتاكة.

2- نظرية الجاذبية

لم تكن التفاحة التي سقطت على العالم البريطاني إسحاق نيوتن (1642 – 1727م ) مجرد تفاحة سقطت على رأس رجل يستظل بظل شجرة، لكنها كانت المحرك لعقله حتى جعلته يفكر مالسبب في أن ينشأ رد فعل بلا فعل، لابد وأن يكون هناك فعلًا مؤثرًا على التفاحة لكى يجعلها تسقط، لم يكتفِ نيوتن بذلك بل جمع بين تلك القوة التي أسقطتها والقوى التي تمسك بالقمر في فلكه، والكواكب في مداراتها، فارجع كل تلك الأفعال لقوة واحدة وهي قوة الجاذبية، و صاغ نظريته للجاذبية وقدم ثلاثة قوانين معروفة قام عليها علم الميكانيكا، ودخلنا بها عصر الآلة، وأصبح بالإمكان تقدير الحمولات و ابتكار الأوناش والمحركات وآلات الرفع العملاقة.

3- نظرية الخلية

في عام 1858 م – وبعد نحو قرنين من اختراع روبرت هوك (1635-1703 م) للميكروسكوب الضوئي وتمكنه من رؤية أحد الأنسجة النباتية تحت المجهر- تَمّكن الألماني رودلف فيرشو (1821-1902 م) من صياغة نظريته الخلوية (Cell theory)، والتي نصت على أن الخلية هي وحدة بناء الكائن الحي، وأن كل الكائنات الحية مكونة من خلية أو أكثر، وأن كل خلية قابلة للانقسام والتكاثر.

وبعد هذا التصور تقدم علم الفسيولوجي وعلم الأمراض (الباثولوجي) وغيرهما، ونشأت المزارع الخلوية (Tissue culture/ cell culture)، التي لولاها لما تمكن العالَم من إنتاج اللقاحات والأمصال ودراسة تأثيرات الأدوية والسموم عن كَثَب.

4- النظرية الذرية

تقوم النظرية الذرية على فكرة شبيهة بالنظرية الخلوية، ولكن على مستوى أوسع يشمل الذرات التي هي وحدة بناء الجمادات والعناصر التي تدخل أيضا في بناء الكائنات الحية، ففي عام 1855 م صاغ الكيميائي البريطاني جون دالتون (1766- 1844 م) النظرية الذرية التي تنص على الآتي:

  1. أن كل المواد مكونة من ذرات.
  2. ذرات كل عنصر كيميائي متطابقة تمامًا في كتلتها وخصائصها.
  3. تتألف المركبات الكيميائية من اثنين أو أكثر من العناصر الكيميائية.
  4. يقوم التفاعل الكيميائي على إعادة ترتيب العناصر في المركبات المختلفة.

وكانت تلك النظرية أساس فهم علم الكيمياء الذي هو أحد أهم أعمدة الصناعة وأحد أبرز عوامل تغيير نمط الحياة على كوكب الأرض.

5- النظرية الكهرومغناطيسية لماكسويل

في كتابه الشهير “A treatise on electricity and magnetism” أو “رسالة في الكهربية والمغناطيسية” – الذي نُشر عام 1873 م – أتي الفيزيائي الاسكتلندي “جيمس ماكسويل” (1831- 1879 م) بنظرية جديدة، مفادها أن الكهرباء والمغناطيسية وجهان لعملة واحدة، واعتمادًا على أبحاث الفيزيائي البريطاني “مايكل فراداي” (1791-1867 م) – والتي أفادت بأن الطاقة الكهربية تتحول إلى طاقة مغناطيسية والعكس – استنتج ماكسويل معادلاته التي أثبتت أن الكهرباء والمغناطيسية و الضوء ماهي إلا صور من الإشعاع الكهرومغناطيسي، وأن موجات الكهرومغناطيسية يمكن توليدها في المعمل، وهو ما تحقق بالفعل عام 1887 م على يد الألماني “هنريك هرتز” (1857- 1894 م).

بناءًا على نظرية ماكسويل انطلقت موجات الراديو، وتم اختراع الأجهزة الكهربية وأجهزة الإشعاع والراديو والتلفاز، ونشأت وتطورت علوم الليزر والكهربية والموصلات الفائقة وغيرها.

خاتمة – أشهر النظريات العلمية

وفي الختام؛ وبعد أن تطرقنا لبعض النظريات الهامة في مسيرة الحياة البشرية، نأمل أن يتقدم فن التنظير العلمي في الوطن العربي ومصر، وأن يكون قائمًا على أسس علمية متينة، لما للعرب من مؤهلات عقلية وفكرية فريدة، وأن تُعنَى النظريات الحديثة بالإهتمام والدراسة، وإيجاد مزيدًا من التطبيقات عليها، فالعقل الشرقي العربي -مهما قَلّ نشاطه العلمي في القرون الأخيرة- إلا أنه لا يزال مستودع الأفكار البناءة والخيال الخصب والنظر الثاقب، وفي يوم ما -لعله يكون قريبًا- سيستعيد العقل العربي ثقته بنفسه وتطلعاته المستقبلية وعطاءه الحضاري.

د. عمرو يحيى
طبيب بيطري ومُنَظر علمي

 

إقرأ أيضاً:  نظرية النسبية ببساطة


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 “General chemistry” Kennth W. Whitten, Fifth edition, Harcourt college Pub, 1996.
2 “Before theory comes theorizing or How to make social science more interesting” Richard Swedberg, Feb. 2016. The British journal of sociology/ Volume 67, Issue 1/p.5-22.
3 “Encyclopaedia Britannica”, Encyclopædia Britannica Inc., 1999 – Pages of (James Clerk Maxwell/ Michael Faraday/ Henrik Hertz).
4 Cell Theory
5 Dalton’s atomic theory
6 Atomic Theory
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

فضفضة مستوحاة من واقعنا

السبت يونيو 26 , 2021
تمت قراءته: 12٬264 قرأت قصة لفتت انتباهي وقد شابهتها قصص أخرى ولكنها دفعتني للتدبر بواقع يراه البعض مملوء بالآمال، وآخرون لا يرون فيه بصيص من نور. فالناس كعادتهم في جل الأمور منقسمون بين الصواب والخطأ، بين النور والظلام. والأمر الذي لا ريب فيه هو اعتقاد الجميع أنه على صواب. نعم […]
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

اقرأ أيضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة