الركوب في قوراب الموت وخوض غمار التجربة في أعماق البحار نحو أوروبا تحديا للأمواج فيها مسيرة ساعات بين الموت والحياة بعنوان “الحراڨة” أي الهجرة غير شرعية من الوطن إلى بلاد الكفر والغرباء أملا في عيش أفضل كما يزعم البعض منهم خصوصا شباب المسلمين في شمال إفريقيا ومنه أيضا مغامرة الأفارقة في دخول الأراضي الجزائرية داخل شاحنات وسط الرمال في درجة عالية من الحرارة هروبا من أوطانهم اعتقادا أنهم سيجدون النعيم.
في وطن غيرهم وهذا شبه مستحيل لتتحول إلى ظاهرة منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة والمؤسف عندما نسمع بموتى هنا وهناك على شواطئ البحار يلفظون أنفاسهم الأخيرة بعد الغرق والحلم لم يكتمل بعد ذلك وانقطع وسط البحر شباب بمختلف الأعمار يسيرون نحو المجهول والهاوية بإرادة وعزيمة ومن دون تراجع طمعا في الوصول والإستقرار عند من كان يستعمر أراضينا ويغتصب وينتهك ويسرق في ثراواتنا وأعجبتني مقولة لإحداهُن تقول فيها (فكيف يفكر شخص أن يستوطن في بلد مغتصبه؟ فلنجعل مثالا بسيطا تخيل شخص نكرة إغتصب أختك هل ستعيش معه؟) وما كانت تقصده بمغتصبه هو زمن الاستعمار في البلد كالجزائريين الذين يذهبون إلى فرنسا من أجل العيش هناك.
فإن كانت الأسباب المؤدية إلى الهجرة غير شرعية تتمثل في البطالة والفقر فهناك من يدفع أموالا باهظة الثمن لهذه الهجرة وذاك المبلغ يأهله لعمل مشروع مصغر في بلده للإستثمار فيه خيرا من اللجوء إلى أعداء الإسلام أما من فر لظروف صعبة كالضغط الإجتماعي أو العائلي أو السياسي فمن يمتلك التجرئ على المغامرة في زوارق الموت هو قادر كذلك على تخطي كل العقبات بالصبر والتحدي أمام الفشل والإيمان قبل كل شيء ويقول أحدهم (الهروب من المشكلة ليس حلا) وهذا صحيح لأن الهروب من الواقع يزيدك ألما على ألم فلو عُدنا إلى قصص بعض الشباب الذين قاموا بهذه التجربة من قبل ونجحوا في الوصول سنسمع أكثر كلامهم هو الندم والملل وتمني العودة ولو كانوا يعلمون الذي حدث معهم فما قدموا من البداية لأن هناك لن تجد أمك ولا أبوك وكما قال الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله (أن نأكل إن شاء الله تراب الأرض ولا نعمل في فرنسا).
الحراڨة
مساحة إعلانية
ونشرت الشروق على صفحتها الإلكترونية إحصائيات سنة 2021. (من المهاجرين فقدان 95% من جثث الضحايا حيث بلغ العدد بإتجاه اسبانيا أو أرخبيل الكناري 4404 مهاجرا ويعتبر هذا الرقم هو الأكبر مقارنة بسنة 2020).
فقبل الإنطلاق يكون المهاجر فرحا وكأنه مَلك َالدنيا وأثناء الإنطلاقة تزداد الفرحة لكن بعد ساعتين من ذلك والإبتعاد عن الأراضي سيتمالكه الخوف ويبدأ في محاسبة نفسه عن تعجله في القرار وربما الندم بعد أن يرى مشقة العناء بأم عينه كان يحتسب في الأمر غاية السهولة لكنه سيتفاجئ بالمنظر المرعب والشاق هناك من يريد العودة لكن بعد فوات الأوان مصارعة الأمواج ليست بالسهلة ولا الأمر العادي بل هي الحقيقة التي يتألم منها شاهدها يومها يرى الموت بعينه وقلبه يزيد في عدد الضربات فينسى أحلامه كلها ويبقى الأمل في النجاة فقط وأكثرهم يكونون طعاما للحيتان في البحر أو المحيط فالذي ينجوا بأعجوبة يصل إلى نقطة الوصول إما أنه سيلقى ما أراد أو أنه يعيش عيش الذل في أرض أعداؤه لأن فرنسا هي عدوة الجزائر إلى الأبد فمن حلم إلى وهم مُر تبقى الأمهات في صراع نفسي مع الأيام فإن لم يصل خبرا عن إبنها هل وصل أم لا؟ سيبقى الألم في قلبها حتى تفارق الحياة فكم من أم تمنت أن ترى ولدها ولو جثة أمامها ليطمئن قلبها به فإن المعاناة في أوطاننا خير من العز في أوطان الكـفر.
بقلم شعيب ناصري
(الحراڨة)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
شعيب ناصري من الجزائر. تحصل على العديد من الشهادات المهنية والحرفية يهوى المطالعة وحب الكتابة، وألف كتاب “وباء كورونا بين الواقع والإسلام” وشارك في عدة مجلات ورقية وإلكترونية.