البدون

مقدمة

يسعدني أن أشارككم هذه الأفكار علّ المطّلع عليها يستنير بها ليكون دربه جليّا.
اخترت لها عنوانًا رمزيًّا  وهو “الـ بدون” معرّفة بالألف واللّام عسى القارئ ينتبه لكلّ معرّف بالإكراه في حياته.

البدون
iStock, edited by almkala.com

“البدون” كما يراها مواطن

“البدون” لفظ مأساة معرّف بصفته اصطلاحًا. يستعمل كثيرًا للدّلالة على جماعات بلا هويّة انتماء قانونيّة تضمن لهم البديهيّ من حقوقهم كبشر. يعيشون في بلدان بالوطن العربي وربّما بأماكن أخرى من العالم. لا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا في المكان الخطأ وأجبرتهم ظروف الحياة المختلفة على العيش هناك بلا مواطنة.

هم نتاج لتفاعلات سابقة أشدّ قسوة من الوضع الحاضر. يعيشون بشعور من صُنّف ولازال يصنف دون الآخرين ظلمًا وبهتانًا. “البدون” تصنيف يحمل من قسوة التّعنصر البشري الشّيء الكثير. ابتدع من قبل فئة متنفّذة سلطويّا لحماية مصالحها الإستراتيجيّة ولضمان سيادة مغتصبة كاذبة ورديئة إنسانيًّا على ما أرى.

الحقيقة:

أن “البدون” ليس هؤلاء فحسب بل لعلّ الصّفة تنسحب على جلّ الأقطار العربية إذا ما وقع الإتفاق على أن كلمة “بدون” تعني لغويّا “بلا” أو “من غير”. [1]تفاصيل أكثر على قاموس المعاني

ثم يأتي التّصنيف حسب نوع المتمّم الثّاني للكلمة والّذي يمكن أن يكون أكثر من لفظ كـ:
سيادة، استقلالًا، ضميرًا، إنسانية، قوّة، علمًا، عملًا، كرامة، دستورًا، مالًا، نخوة، وعيًا، وطنيّة، عدلًا، ديمقراطية، حريّةّ، احترامًا، انسجامًا، ثقافة، أخلاقًا.. إلخ.

إقرأ أيضاً:  يمنيوا الشمال ويمنيوا الجنوب هوية أم واقع ديموغرافي

ليس من الصعب على كل متأمّل في المشهد العربي اكتشاف ذلك الفقدان للسّيادة في العلاقات الخارجية أو للاستقلال في القرار أو للضّمير في العمل إلا النّذر القليل الّذي لا يزال يكافح بمعاناة ضدّ التيّار.

فكم من حقّ صار بفعل رشوة باطلًا

وكم من فاشل صار ناجحًا ومتفوّقًا بفضل ثمن قد يكون (مالًا أو خدمة أخرى) قبضه عديم الضمير.

“البدون ضمير” هو الّذي يبيع كل شيء مقابل أن يقبض. لا يهتمّ لغير الثّمن.

يقابله “البدون كرامة” وهو ذاك الذي يقبل التحوّز بما ليس له بل إنه لا ينفكّ يتباهي بما يفعل.

  • الإعلامي “البدون أخلاق وضوابط” أخطر كائنات الأرض حين ينفّذ كلّ شيء مقابل الثّمن، يقولب الحقيقة بالشّكل الّذي يرضي من يدفع له، وربّما يصل حدّ التّسويق لتبوّل صاحب السّلطة المتكرّر على الشّعوب المستكينة على أنّه غيث نافع ينزل من السماء ورحمة يجب التّبرّك بها.
  • الشّعوب “البدون تعليم” هي كتلة بلا قيمة حقيقيّة، تستغلّ كرقم في سوق البضاعة وسوق يتنافس عليها المحتكرون. كلّ يبحث عن الرّبح الأقصى وعمّا يمكن أن ينهبه في غفلة من أصحاب الأرض المغفّلين أصلا والمنوّمين بفقاقيع الصّداقات بين الأمم وبفتات الهبات كلّ موسم مأساة مفتعلة.
  • السّياسي“البدون وعي” و “البدون وطنيّة” لن يكون همّه غير التموقع والتسلّط والهيام بالكرسيّ حتى وإن كان ثمن ذلك عمالة للأباطرة المحلّيين والآخرين وراء الحدود وعارًا يلاحقه أجيالًا متتالية.
    لن يهتم هذا السّياسي بغير إرضاء وليّ نعمته ولن يخدم الشّعب المنوّم بمعاناة يومه والّذي بالبديهة هو في الأصل. سبب حصوله على المنصب الكارثة.
  • الشّعب “البدون وعي” لن يتمكن من الدّفاع عن مصالحه ولن يفرض قيم العدالة والحريّة ولن يحقق الرقيّ لأبناؤه ولن ينحت حضارة تحسب له ولن يكون له إلّا تاريخا دمويًا متعصّبًا، لأنه ببساطة لا يملك مفاتيح ذلك ولا يحتكم إلّا على منطق التعسّف والسيطرة بين مكوناته البدون توافق بدورها.
  • الطّبيب “البدون رحمة” لن ينظر إلى المريض كحالة إنسانيّة تستحقّ العناية قبل المقابل المادي.
  • المحامي “البدون أخلاق وقيم” لن يفيدك ولن ينير طريق الحقّ أمامك ما لم يستنفذ آخر مليم عندك.
  • المدرّس “البدون مبادئ” لن يقدم الدّرس لطالبه كاملًا شاملًا مفهومًا بل إنّه سيترك ثلاثة أرباعه للحصص الخصوصيّة التي يحصل مقابلها على عرق الوليّ الخائف على مصير ابنه والمستعدّ للّتضحية حتّى آخر رمق في حياته. وربّما كان أكثر قذارة فيسند النجاح لمن لا يستحقّه فيكون كمن يعطي أعمي مقود قيادة سيارة تحمل أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم لا يعلمون.
  • رجل الأعمال وصاحب المال والتّاجر “البدون رادع أخلاقي وقانونيّ” لن يفكّر في غير الرّبح الماديّ الوفير والتغوّل ولن يهتمّ لقوت المواطن الضّعيف بل إنّه سيفكّر فقط في طرق الاحتكار والاستحواذ على كلّ المنتوج.
  • السّلطة “البدون قدرة على إنفاذ القانون” لن تنتصر لمواطنيها ولن تتمكّن من إيقاف المارقين عمّا يفعلون بل لعلّ بعض من أعوانها تستقطبهم أخلاق “البدون” فيصيرون عيونًا لهم بعد أن كانوا عليهم وذلك من أقذر ما يسلّط على واقع البشر.

المختصر

المختصر المؤلم شديد الألم والمتعب حدّ الفناء أنّ “البدون” الحقيقيّ لفط مشترك المساوئ يحمل من القذارة ما لا يقبله عقل يصوّر سرطانا ينخر مكوّنات أغلب مجتمعاتنا العربيّة من المحيط إلى الخليج بلا استثناء وكلّ حسب مجاله.

“البدون” في أوطاننا “بوادين” إن صحّ جمع اللفظ ولو تعسّفا على اللغة.

بقلم: عامر علي إبراهيم

 

إقرأ أيضاً:  طبقة المهمشين وحقوق المواطنه


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 تفاصيل أكثر على قاموس المعاني
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

نظريات علمية غيرت مجرى التاريخ

الجمعة يونيو 25 , 2021
تمت قراءته: 1٬851 لم يدفع عجلة العلوم إلى الأمام مثل النظريات العلمية، ففي الوقت الذي ينحدر فيه مفهومنا الشعبي عن التنظير -ويصبح وصفًا لكل ما هو غير عملي أو غير واقعي- تُعَد النظريات العلمية قاطرة العلوم الأولى.. تُرَى لماذا؟ وما سر تعلق العلم بالنظريات العلمية؟ وما هي أشهر النظريات العلمية […]
نظريات علمية غيرت مجرى التاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة