حقوق الإنسان.. ازدواجية المعايير وبيع الوهم

“جميع البشر يولدون أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق بغض النظر عن الجنسية ومكان الإقامة والجنس والأصل القومي أو العرقي أو اللون أو الدين أو اللغة”
هذا النص جزء من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة في 10/12/1948

حقوق الإنسان
turkiyenewsportal

في نفس وقت إقرار هذا القانون، كان تقريباً كل قارة إفريقيا والوطن العربي، وأمريكا الجنوبية، ونصف قارة آسيا تحت إحتلال الدول التي أقرت هذا القانون

نفس الهيئة التي أصدرت هذا القانون، وقبل إصداره بعام أي عام 1947، أصدرت قرار تقسيم فلسطين، وسرقوا من الشعب الفلسطيني أرضه، واعترفوا بالاحتلال الإسرائيلي، منكرين تماماً حقوق الشعب الفلسطيني

” حقوق الإنسان” مصطلح أشبه بالماء .. لا يمكن تحجيمه
لكنه يُبنى على وجهه نظر المنظرين له. يستخدم في مرة لأغراض نبيلة وفي مرات أخرى يستخدم لهدم دول وتهجير شعوب. لا يمكن الكلام عليها بشكل مجرد، لا بد أن يكون مصحوباً بوجهة نظر

أي أنه عندما يتم الحديث عن حقوق الإنسان
يُقصد به أي إنسان ؟؟
من وجهة نظر من ؟ الغرب أم الشرق ؟
ثم هل نحن بحاجة إلى من يعلمنا إياها ؟

أم أن لدينا الموروثات الثقافية والتاريخية والدينية التي تكفل لنا ولكل البشر العدالة والحقوق والخير

دائما ما كان الغرب والقوى الإمبريالية العالمية وعلى مدار التاريخ ينصبون أنفسهم بصفتهم حماة حقوق الإنسان في العالم

 

إقرأ أيضاً:  عمالة الأطفال: البراءة المنهوبة

مساحة إعلانية


البداية: حقوق الإنسان

” لن يكون هناك أي اعتذار عن الجرائم التي ارتكبت خلال حكم الجزائر أو حرب الثماني سنوات قبل انتهاء احتلالها لهم سنة 1962″. هذا التصريح الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون في عام 2021

هذا أنسب ما نبدأ به الحديث عن ملف حقوق الإنسان لأنه صدر عن رئيس فرنسا _ أعلى شخصية سياسية في فرنسا _

ولأن الحديث حولها يجب أن يبدأ من فرنسا
فرنسا هي مهد أول ميثاق حقوق الإنسان حديثاً، والذي ظهر في أغسطس 1789 كأحد نتائج ثورة الشعب الفرنسي ضد الملكية

هذا الميثاق كان أول وثيقة في التاريخ الحديث تتحدث عن حقوق كل إنسان وحرياته وكان مضمون الميثاق يتلخص في ثلاث كلمات ” الحرية، المساواة، الإخاء” وكان هذا شعار الثورة الفرنسية

لكن هل حدث هذا حقاً ؟؟
بعد أقل من أربع سنوات على صدور هذا الميثاق تمرد الشعب الفرنسي بسبب الفقر وارتفاع معدل الجريمة والفوضى والسبب فشل إدارة الحكومة الثورية

ثار الشعب الفرنسي مرة أخرى ويطالب بالحقوق لكن هذه المرة كان رد فعل الحكومة الثورية التي كانت ترفع شعار الإخاء مختلف. فوضت الحكومة نابليون بونابرت لمواجهة المتظاهرين، وما كان من نابليون إلا أن قتل أكثر من 20 ألف مواطن وقضى على الثورة، ثم ترقى إلى أن وصل إلى رئاسة فرنسا

لكن هل اكتفى نابليون بهذا ؟

لم يكتفي بل قرر ان ان ينقل ثقافة حقـوق الإنسان إلى كل أنحاء العالم، فجمع جيشه وجهز مدافع حقـوق الإنسان وانطلق في حملته العسكرية النبيلة

احتل نابليون الدول وهدم مدن ودمر قرى وقتل جيوش بأكملها وقتل عشرات الآلاف في كل أنحاء أوروبا. لم يكتفي نابليون بونابرت لحملته في الغرب، فقرر التوجه إلى الشرق وبدأ حملته على مصر عام 1798 ونقل حقـوق الإنسان إليها، حيث سرق التماثيل والتاريخ وقتل أعداد كبيرة من المواطنين المصريين

بعد نابليون جاء الكثير من الحكام وقاموا باتمام مسيرته في نقل حقـوق الإنسان إلى العالم. تاريخ طويل وممتد من الاستعمار والاحتلال والاستعباد لدول عربية وأفريقية وآسيوية. أبرزها الجزائر التي قدمت مليون ونصف شهيد برصاص الفرنسيين

بالتوازي مع فرنسا كانت بريطانيا _ الممكلة التي لا تغيب عنها الشمس _ التي رفعت راية حقـوق الإنسان والحريات في النصف الآخر من هذا العالم. استعمرت البلاد بداية من مصر وحتى الهند التي قتل فيها خلال حكم الانجليز 35 مليون مواطن هندي

استمر هذا الحال سنوات طويلة ! قتل وتدمير ونهب لمقدرات الشعوب، وتزوير للتاريخ وطمس للحقائق وتسويق للوهم تحت شعار حقـوق الإنسان

بين فرنسا وبريطانيا تقسم العالم حتى جاءت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وتغير بعدها الوضع. أصيبت فرنسا وبريطانيا بالشيخوخة الاستعمارية

ظهرت القوى الجديدة في العالم وهي الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية

الاتحاد السوفيتي فكان نظاماً شيوعاً لا يوجد لديهم شئ يسمى حقوق إنسان على حساب الدولة. أما الولايات المتحدة فهمي من استلم راية حقوق الإنسان من بريطانيا وفرنسا وكانت مثلهم تماماً، لها أغراض استعمارية خلف راية حقوق الإنسان

في البداية كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم حقوق الإنسان في لعبة السياسة ضد الإتحاد السوفيتي خاصة خلال الحرب الباردة

كان الصراع بين فكرتين، الشيوعية السوفيتية وحقوق الإنسان والديمقراطية الأمريكية. وكان الصراع من يسيطر على شعوب العالم

الخطاب الأميركي ادعى وقال أن الشيوعية نظام ديكتاتوري يهدف إلى تحويل الإنسان إلى رقم وترس في مكنة كبيرة، ويخبر العوام أنهم يكونوا أشخاص متفردين ومتميزين ولهم حقوق مثل المواطن الأمريكي

 

إقرأ أيضاً:  إحياء مجد الاتحاد السوفياتي

مساحة إعلانية


استمرت الولايات المتحدة في إقناع العالم بهذه الفكرة بالذوق، ومن لم يقتنع بالذوق كانوا يقومون باقناعه بالقوة. مثل ما حدث في غزو كوريا عام 1950 الذي قتل فيه 5 مليون إنسان، ومثل إحتلال فيتنام عام 1954 والذي قتل فيه 4 مليون. ناهيك عن غزو كوبا وغزو كمبوديا وغيرها الكثير من البلدان

وكان لسان حال الأمريكان
( ليس هناك مشكلة إذا ما قتلنا خمسة ملايين، حتى نقنعهم بحقوق الإنسان )

نسيت أن أذكرك عزيزي القارئ، لم يكن لدى الولايات المتحدة أي مانع في استخدام السلاح النووي لإنهاء الحرب العالمية الثانية، وقامت بضرب قنبلتين حقوق إنسان على هيروشيما وناجازاكي في اليابان، وقتلوا حوالي 300 ألف مدني

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 أصبحت الولايات المتحدة هي المسيطر الوحيد على العالم. لكن العدو الذي كانت امريكا تحتج به ذهب، فما السبيل لمواصلة نشر حقوق الإنسان؟

فقالت الولايات المتحدة أن هدفها نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب من الأنظمة الديكتاتورية التي تمنع عنهم حقوق الإنسان. أصدروا ميثاق حقوق الإنسان وتم استخدامه للتدخل في شؤون أي دولة وتهديدها. في حال انصاعت الدولة يتم التغاضي عنها، وإذا لم تنصاع يتم مواجهتها تحت راية حقوق الإنسان

“ويا لسوء حظك إذا تم وضعك على قوائم الإرهاب”

واذا لم تستجيب الدول فليس هناك اي مشكلة في توجيه صواريخ كروز الديمقراطية للشعوب، واحتلالها بدبابات حقوق الإنسان. كما حصل في أفغانستان عام 2001، وما حدث في العراق عام 2003

إستخدام ملف حقوق الإنسان كان ولازال كرتاً تستخدمه الولايات المتحدة في تعاملها مع الدول النامية. حيث تستمر في مساندة الأنظمة القمعية والمستبدة للوصول إلى أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية، وبعد فترة تنقلب عليها كما حصل في بنما

مبدأ حقوق الإنسان بالنسبة للغرب ولأميريكا ينتهي عندما تبدأ مصالحهم. انظر إلى مبدأ الكيل بمكيالين الذي تتعامل به الولايات المتحدة الأمريكية مع الاحتلال الإسرائيلي
الولايات المتحدة الأمريكية التي نصبت نفسها شرطي العالم، تغمض أعينها عما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. لكنها تفتح عيونها وقلبها عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا

بأي حق تصنف الولايات المتحدة حقوق الإنسان ؟
وبأي حق تحدد من يحترم هذه الحقوق ومن لا يحترمها ؟

في 19/1/2020 أعلنت الولايات المتحدة أن جرائم الصين بحق مسلمين الايغور تعد ابادة جماعية ومذابح تطهير عرقي وهذا في عرق السياسية وصمة

لكن هل هذه الجرائم حدثت في يناير 2020 فقط ؟
بكل تأكيد لا، هذه الجرائم تحدث من 2017، لكن حينها كانت الولايات المتحدة تغض الطرف لأن المصالح مع الصين كانت تسير بشكل جيد

تسييس المبادئ وافقادها مصادقيتها بشكل علني

نعود إلى نفس السؤال ؟
هل حقوق الإنسان أمر مجرد أم يجب أن يرافقها وجهة نظر؟

في الدول العربية ملف حقوق الإنسان ليس في أفضل حالاته منذ سنوات وهذا بشهادة الكثيرين حتى من الأنظمة العربية نفسها. لكن إذا ما أردنا ان نتعلم حقوق الإنسان أين سنذهب؟
أليس إلى الغرب؟ أليس أولئك هم الراعي الرسمي لحقوق الإنسان؟

دعني أخبرك بحقوق الإنسان عند الغرب وكيف يتم الالتزام بها

الكتاب الأسود وهو كتاب من 1500 صفحة، صدر في ديسمبر من عام 2020. قام بجمعه منظمة مراقبة العنف على الحدود الحقوقية

يذكر الكتاب آلاف عمليات العنف الموجهة إلى اللاجئين على طول حدود البلقان في شرق أوروبا. يُفصل الكتاب الانتهاكات التي تعرض لها المهاجرين من قبل السلطات في دول شرق أوروبا. وفيه صور ومعلومات بشكل فظيع للانتهاكات التي تتم بحق اللاجئين

ذكر الكتاب نظرة المجتمع الأوروبي العصري للاجئين و احتقاره لهم. هذا ما ظهر في ديسمبر 2020 عندما تم احراق مخيم اللاجئين في اليونان والذي يعتبر أكبر مخيم اللاجئين في أوروبا

أما بالنسبة لسكان الأقليات في أوروبا مثل الأقليات المسلمة
حيث تتعرض النساء المسلمات للاضطهاد والعنف والتمييز بسبب الحجاب. ومنهم ما وصل لحد القتل. إضافة إلى أن الكثير من المدن الأوروبية تمنع رفع الأذان

وفي مارس 2019، حدثت هجمات في نيوزيلندا على مسجد وقتل فيه 51 مصلي. والمجرم قام بتصوير جريمه وبثها مباشرة على الانترنت. كانت هذه الجريمة لأن مرتكبها يرى أن المسلمين ليس لهم مكان في بلده أبداً

فرنسا منعت لبس الحجاب لكل مقدمي الخدمات في الأماكن العامة. ناهيك عن تعامل السلطات الفرنسية مع أصحاب السترات الصفراء في المظاهرات عام 2018 والذين كانوا يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية فقط لا غير

وما صرحت به رئيسة الوزراء البريطانية السابق تريزا مي بقولها: سأمزق قوانين حقوق الإنسان في بلدي من أجل محاربة الإرهاب

الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت تمارس كل أشكال العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء رغم أنهم يشكلون 10% من المواطنين الأميركيين. هل تذكر مقتل جورج فلويد ؟
هل تريد أن تعرف أكثر عن ما يفعله الأمريكان؟ إذهب وشاهد ما يحدث في معتقل غوانتانامو

تذكر أننا لسنا بحاجة إلى أحد ليعلمنا حقوق الإنسان. نحن أول من جاء بها وشرعها. ولدينا مبادئنا الدينية، والموروثات الثقافية والتاريخية التي تحتم علينا أن يعامل الإنسان أخيه الإنسان بأفضل ما يكون

أخيراً، أتمنى أن تكون قد عثرت على إجابات
من وضع مبادئ حقوق الإنسان؟
ولماذا هو الراعي الوحيد لها؟

رفعت إبراهيم

 

إقرأ أيضاً:  قضية فلسطين هي قضية أمة وليست قضية وطن


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


المصادر

https://www.jstor.org/stable/3993435?seq=1

https://www.theguardian.com/world/2018/sep/13/france-state-responsible-for-1957-death-of-dissident-maurice-audin-in-algeria-says-macron

https://www.diplomatie.gouv.fr/en/french-foreign-policy/human-rights/#:~:text=France%20is%20particularly%20strongly%20committed,based%20on%20sexual%20orientation%20and

https://www.history.com/news/socialism-communism-differences

https://www.britannica.com/place/Algeria/Colonial-rule

https://www.britannica.com/event/French-Revolution

https://www.guengl.eu/issues/publications/black-book-of-pushbacks-volumes-i-ii/

https://www.globaltimes.cn/content/1202918.shtml

https://www.palestineremembered.com/Acre/Palestine-Remembered/Story564.html

https://www.britannica.com/topic/Declaration-of-the-Rights-of-Man-and-of-the-Citizen

⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

التحفيز والنجاح

السبت أكتوبر 7 , 2023
تمت قراءته: 1٬124 ما أجمل النجاح! النجاح شيء عظيم ، انجح، تفوق ، اترك مكان راحتك ، قم حطم الكسل ، كل هذه الكلمات الرنانة التي يرددها كثير ممن يظن أنه بهذا يحفز الآخرين ويشجعهم للإنجاز وللنجاح احيانًا لا تأتى ثمرها فقد يتحمس السامع أو القارئ لمثل هذه العبارات يومًا […]
الطرق الحديثة للتطوير الذاتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة