كنا قد أفردنا مقالًا سابقًا لبعض حكايات الطريق والتي نستكملها اليوم في حكي مزيد من الرفقاء. حكايات طريق (الجزء الثانى)
الحكاية الخامسة: أم الدنيا – حكايات طريق (الجزء الثانى)
حقًا وليس تحيزًا مصر بلاد الكرم، هى تلك المضيفة التى تفتح ذراعها لكل من مر بها، وربما احتضنتك أكثر من بلادك بالمنشأ.
يكاد يكون من المستحيل أن تجد ضيف يشعر على أرضها بغربة. فهى أم الدنيا.
تبدأ الحكاية منذ سنوات كثيرة حين ضاع هذا الابن من والديه ووجده تاجر مصرى من تجار مصر ذوي القلب الأبيض الدائم العطاء.
لم يكف التاجر يومًا عن محاولة إيجاد والدي الطفل ولكن الأقدار شاءت أن تكون لذلك الطفل قصته فى بلاده الجديدة مصر.
عاد التاجر من تركيا محملًا ببضاعته ويحمل بين ذراعيه هذا الطفل أمانة الله له التى قرر حفظها، أحسن تربيته كما وإن كان ابنه، ومرت السنوات وكبر الطفل وفى كل عودة كان يبحث التاجر والولد عن ذويه ولكن لم تحن بعد لحظة اللقى.
وصار الطفل شابًا يافعًا تاجرًا طيب القلب مثل أبيه الذى تولاه وتشاء الأقدار أن يعرف أهله بعد كل هذه السنوات، إلا أنه وبلا تردد قرر البقاء فى بلاده مصر رغم أموال عائلته بالمنشأ فى تركيا.
عاد الشاب إلى بلاده التى عرف بها معنى الحياة ليُنشأ أسرته ويستقر أخيرًا بعد طول بحث وسؤال، وتكبر الأسرة وتصبح عائلة كبيرة من عائلات القاهرة عاصمة أم الدنيا.
أكرمته أم الدنيا فاختارها بلاده وأُمًا لنسله على مر الزمن.
الحكاية السادسة: فرحة أم – حكايات طريق (الجزء الثانى)
الأم تحمل طعامها مبتسمة وسعيدة جدًا وكأنها تستعد للاحتفال، تمسك “تليفونها” وتضغط اتصال:
مكالمة ١
— ألو
– مبرووووووك
— انتى جبتيلى النتيجة؟
– اه وكل درجاتك كويسة العربى بس مش حلو قوى.
— انتى فين؟
– لسه خارجة من الشغل.
– انت فى النادى.
— اه وصلت.
– تمام شد حيلك فى التمرين واتبسط الحمد لله.
— طيب هى نتيجتى كام.
– ٢٦٩ من ٣٢٥ الحمد لله.
— مش حلوه.
– ليه ده ما شاء الله درجاتك حلوة فى كل المواد هو بس العربى.
— طيب جبت كام فى الرياضيات؟
– ثوانى. الرياضيات ٤٦.
— والعربى؟
– ثوانى. العربى بس هو اللى مش حلو قوى ٣١. لكن فى العموم درجاتك كلها حلوة، ركز بقى فى تمرينك يلا مع السلامة.
— مع السلامة.
تبحث عن الرقم وتضغط اتصال
مكالمة ٢
— ألو.
– عندى خبر حلو انتي أول حد بقوله.
— فرحيني جبتى النتيجة؟
– اه والحمد لله درجاته كلها حلوة.
— فرحينى جاب كام؟
– ٢٦٩ من ٣٢٥.
— دى يعنى كام فى الميه؟
– مش عارفه لسه محسبتهاش أصلي لسه خارجة من الشغل مروحتش.
— يعنى تعرفيها تتحسب ازاى أصلي مش عارفة بيحسبوها ازاى؟
– اه تقريبا المجموع يتقسم على ٣٢٥ وبعدين يضرب فى ميه جربي احسبيها كده.
— معاكى. مش حلوة.
– ليه ده ما شاء الله درجاته حلوه فى كل المواد هو بس العربى اللى مش كويس قوي.
– كنا عايزينه يجيب أكتر.
— خدى بالك ده بمجهوده لوحده حتى من غير مساعدتي مع تمرين السباحة كل يوم والبطولة ده كده كويس قوي هو عمل اللى عليه وربنا كرمه.
– بس عشان يدخل كلية كويسة.
— أنا مش عايزة غير إنه يدخل كلية يفرح بيها ودرجاته دى كفاية عشان تفرحه
– ربنا يفرحه يا حبيبتى.
— طيب هسيبك بقى وأكلمك لما أروح مع السلامة.
– سلام.
فى وسط كل تلك الحوارات وفرحتها التى لم يزعزها أى تعليق كانت تحتفل الأم بتناول الطعام بعينيين يملؤها الرضا وجاءتها مكالمة جديدة:
مكالمة ٣
– ألو يا مستر.
— إيه الأخبار طمنينى على النتيجة؟
– الحمد لله جاب درجات كويسة فى كل المواد هو بس العربي مش حلو قوي.
— الحمد لله، وجاب كام فى الرياضيات؟
– ٤٦ الحمد لله.
— طيب تمام الحمد لله، إن شاء الله الترم التانى أحسن كمان.
– إن شاء الله.
— هكلمه إن شاء الله بعد التمرين أباركله.
– تمام يا مستر ربنا يباركلك، مع السلامة.
— سلام.
الأم تنظر حولها مبتسمة تنشر الفرحة لكل وجه يصادفه نظراتها وتكمل احتفالها بتناول “أيس كريم”.
هؤلاء هم
أم فى زمن يزور معنى الأمومة.
معلم (المستر) لزمن لم يعد للمعلم به أثر فى نفوس متعلميه.
صديقة تعلم معنى السند حتى وإن اختلفت الآراء.
إنه مجتمع نتمناه وياليتنا ندعو به فى أرزاقنا.
الحكاية السابعة: رجل من الجنة – حكايات طريق (الجزء الثانى)
ذلك الجميل بلا منازع يسعدك سماعه يتحدث عنهن.
سافر إلى ليبيا يعمل ليبني مستقبل أولاده، أنجبت زوجته أربع بنات، بنت تلو الأخرى، لم يجزع يومًا أو يشكو حظه على العكس دومًا يشكر متبنيًا السعادة فى حياتهن.
– ” ياعينى عليك يا ابنى ملكش ولد ”
— ” وهتفرق بإيه بكره يقولوا أبو الدكتورة والأستاذة والمهندسة، ده أنا كسبت دنيتي وأخرتي دول هما اللى ربنا هيسكني قصر الجنة عشانهم”.
لم يصدقه هؤلاء الوارثين بلا عقول بل وزايدوا على حرفه فقط ليثبتوا أنهم الأقوى، حتى جاءت البنت الرابعة وزادت معها دعواتهم.
— ” كنت مزنوق وعليا دين وأمورى كلها متلخبطة ويوم ما اتولدت لقيت التليفون بيرن (ألو أنا وليد سامحنى اتأخرت عليك فى رد الفلوس لكن ربنا يعلم إنى منستش حقك يوم، فلوسك فى حسابك تقدر تصرفهم من بكرة وكتر ألف خيرك يا راجل يا طيب) والله إن الفلوس دى كنت متأكد إنها مش هترجعلى أصلها من سنين قوم ربنا يبعتهالي مع هديته من الجنة وتاني يوم أرجع شغلى وأمورى كلها تتظبط وكأنها طاقة قدر اتفتحلي، قلت والله لأعملها ليلة ما اتعملتش فى البلد كلها، كانت الناس بتقول كل ده لبنت أمال لو جاب الواد هيعمل إيه، أصلهم عمرهم ما هيفهموا بناتي عندى إيه، وربنا كرمنى بيهم آخر كرم الكبيرة فى طب وكلهم متفوقين ودايمًا يجيبونى اتكرم عشان أنا أبو نورا ونور أنا بابقى فخور لما أدخل مصلحة ويقولوا أخو الأستاذة نوال أصل أختى مديرة مدرسة ليها كلمتها والناس بتقدرها”.
ومثل هؤلاء دائما ما يهبهم الزمان ابتلاءات فقط لتكن منهم آية لعل هناك من يهتدى بهم.
حملته الحياة ابتلاء جديد لأخت له مرضت فجأة وانهار جسمها الضعيف ورغم أنها متزوجة ذكر إلا أنه لم يحملها ويسعى بها سوى ذلك الرجل المهيب.
“لفيت بيها على كل الدكاترة وعملتلها كل التحاليل والأشعات مفيهاش حاجة، مرة دكتور قالنا حاجة فى الرئة ولما سفرتها وعملتلها الأشعة طلع مفيش حاجة، دى أشعاتها وتحاليلها تعمل كتاب، حتى قالولي شفلها شيخ مكدبتش خبر قالي مفيهاش حاجة وقالولي على قسيس رحتله برده قالى مفيهاش حاجة، قالولي خلاص انت مقصرتش وياها وده نصيبها، كنت هتجنن وإيديا متكتفة ومش عارف أعمل إيه لحد ما دكتور فى المستشفى قالي هي زعلانه شوف إيه اللى مزعلها كده وابعدها عنه.
وأنا مصدقت أصلي عارف إن جوزها ده ملوش لازمة لكن هيموتهالي يعني، فضلت ورا الحكاية لما عرفت إنها مقهورة منه يا عينى رحت قلتلها يغور وانتى على راسى وعيالك مش هيسبوكى هو الخراب وحش لكن هو مش أغلى عندي منك وخدتها عند أمي ووقفت قدام كل الناس هى أغلى عندي”.
مثله هم من يُزهرون الأرض ويملأون الهواء نسيم الجنة.
الحكاية الثامنة: ابنة المأمور – حكايات طريق (الجزء الثانى)
ولأول مرة ستُحكى قصة على شرف العنوان فله هيبة يصعب البدء من دونها.
جلست تحكى عن عريس متعاطفة معه تكاد ترى الدمع من عينيها وكيف ظلمته ابنة المأمور وبالطبع طالما بالأمر مأمور فمن الأكيد أنه الطرف الظالم هكذا اعتدنا، وبتأثر شديد سألتها ماذا فعل هذا الطاغية (احكيلي الحكاية من الأول).
نظرت لي بحب وهدأت وكأنها ستروي قصة أبو زيد الهلالي ثم قالت: إنه محامي تعرف على ابنة المأمور فأعجبته وأخذه هيبة العائلة والنسب (و بينى وبينك هو كان محتاج العيلة ومكانة والدها كانت هتفرق معاه كتير ومفيهاش حاجة يعنى دى حاجة مش غلط تنكح المرأة لنسبها) فابتسمت مخبرة إياها لتكمل.
تزوجها وأنجبا طفلين وصارت الحياة حتى هذا اليوم -بس هى اللى نرفزته غصب عنه ضربها ودخلت المستشفى- الذى أصرت فيه على الطلاق بحجة أنها لا تستطيع تحمل كل هذه الإهانة فاضطرته أن يهددها بالأولاد وببيت الطاعة وأنها ستصبح جاريته.
تعجبت وأين المأمور من كل هذا هل ترك ابنته وسط كل تلك المضايقات؟
أجابتني باستعطاف فى البداية كان يحاول الصلح ولكن بعد ذلك اليوم الذى كانت ستموت فيه ابنته تغير الأمر فأحضر الغلبان وأخذ منه الطفلين بالقوة وتوعده بأنه سيأخذ كافة حقوق ابنته وهدده إن تجرأ على الاقتراب منها.
تمالكت أعصابي وقد كنت أوشكت على المشاداة معها وسألتها وما المشكلة إذن؟
و ببسمة كادت تقتلني أجابت (هو يريد الزواج منى لكن بالطبع لن يستطيع أن يتكفل بمصاريف الفرح كاملة ويريد مني أن أتحمل وأساعده ولكنى خائفة من أن يكون بخيل!).
هذا هو نتاج المجتمع كيف رسخ فى عقل أنثى تفكير مثل هذا؟ كيف لم تهتم بأنه وصولي وبأنه عنيف وبأنه أهان أنثى مثلها وبأنه لم يعرف للإحترام طريق مع أبنائه وكيف وكيف وكيف؟
يتبع
#ندى_الصناديقي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
ندى الصناديقي من مصر. تخرجت ندى من كلية العلوم بجامعة أسيوط، وكانت لها كتابات متنوعة منذ الصغر حتى أنها أسست نادى أدب بكليتها وساهمت فى بعض الحركات المجتمعية لتثقيف الشباب، ثم اتجهت بعد تخرجها للعمل الإعلامى، وهى تهوى القراءة والسفر.